كلفة المسيّرات مقابل كلفة التصدّي لها

منظومة القبة الحديدية
منظومة القبة الحديدية


في سياق المعركة القائمة، هناك ملف شديد الأهمية يتعلق بكلفة حرب المسيّرات. حزب الله، في النهاية، تنظيم جهادي، ولديه إمكانات لا تشبه إمكانات الدول. لكن الإدارة المادية لمثل هذه المعركة تستند أحياناً إلى أفكار إبداعية تجعل الفوارق المادية عاملاً ثانوياً.

ويقول القائد في القوة الجوية للحزب إن «الجيوش تلجأ عادة إلى إستراتيجية «الاقتصاد بالقوة»، أي عدم الإسراف في استخدام ما لديها من قدرات. إذ لا يجب استخدام قوة كبيرة في مواجهة تهديد صغير. وهذا ما جعل أسلوب الـ «soft kill» أساسياً في برنامج عمل العدو. وهو قد أعدّ إدارة مركزية كبيرة للحرب الإلكترونية لتحقيق هذا الغرض، وألغى اللامركزية التي كانت قائمة سابقاً، حيث كان سلاح الجو يقوم بعمل، فيما تقوم ألوية بعمل مماثل ولكن بشكل مستقل».

ويضيف القائد الجهادي «أن جيش الاحتلال يعمد إلى استغلال هذا النوع من الحرب الإلكترونية لتسويق بضاعته، لأن إسرائيل تحوّلت مع الوقت، إلى جهة مصنّعة ومصدّرة لمثل هذه المواد المستعملة في الحروب الإلكترونية. ولنأخذ مثلاً ما يحاول العدو تسويقه الآن، إذ يُرفق عرضه لتقنياته بملف مدافع الليزر، محاولاً إقناع الزبائن، ومنهم جيشه، أنها مدافع قادرة على إسقاط المسيّرات... لكن ماذا سيقول لهم اليوم؟ هل سيتباهى بأن هذه المنظومة نجحت في تذويب طرف مروحة في مسيّرة أو منعت مسيّرة من الوصول إلى هدفها؟»

ويشير القائد إلى أن العدو «حاول التغطية على فشله بالقول إن المقاومة أعدّت آلاف المسيّرات. وأنه ينفق الكثير على الحرب الإلكترونية كمستوى أساسي في الدفاع. وللحقيقة، فقد أنفق العدو مبالغ طائلة على هذا القطاع، ولكنها لم تحقق إلا نتائج بسيطة، وجاءت بأقل مما كان يتوقعه. وعندما واصل العمل بها، كنا نناقش الأمر في ما بيننا على خلفية أن العدو ربما يتعمّد إخفاء قدرات أخرى عنا. لكن تبيّن العكس، لأنه بعد فشل معركته عبر الـ «Soft kill»، اضطر إلى الذهاب مباشرة نحو الـ «Hard kill»، وهنا تبرز بقوة الفروقات في أكلاف المعركة».

ويشرح القائد الآتي: «عندما يفعّل العدو منظومة «القبة الحديدية» لإسقاط مسيرة استطلاعية بسيطة، فهو مضطر إلى إطلاق أربعة صواريخ على الأقل (كلفة الصاروخ 50 ألف دولار)، أي إنه مضطر إلى إنفاق 200 ألف دولار. وعندما يفشل الإسقاط، يطلب من الطيران الحربي تولّي المهمة. وكل ساعة طيران لمقاتلات العدو تتجاوز كلفتها الـ40 ألف دولار، عدا عن كلفة الصواريخ التي ستستخدمها ضد المسيرة، والمخاطر الكبيرة التي تتحرك فيها المقاتلات، ما يضطره أيضاً إلى الطلب من سلاح المروحيات القيام بالمهمة.

ويحصل أن يفشل، لكن خشيته من وصول المسيرة إلى هدفها، يضطره في بعض الحالات إلى استخدام الباتريوت، وكلفة الصاروخ الواحد في هذه المنظومة يساوي 3 ملايين دولار. وأيضاً لا يضمن إسقاط الطائرة. عملياً، ينفق العدو ملايين الدولارات في مواجهة مسيرة لا تتجاوز كلفتها الـ2500 دولار. وعندما نتحدث عن الكلفة، فنحن هنا لا نبخّس بمسيراتنا، لكنْ هناك أمر يخصّ طريقة استخدام التكنولوجيا. وهذا له تأثيره في أصل الإنتاج. هناك مسيرات تشتريها الجيوش بنصف مليون دولار. أما نحن، فيمكننا صناعة نسخة عنها بأقل من 5000 دولار، بل ونضيف عليها نظام الحماية من التشويش. ولنأخذ مثالاً آخر، فإن سرب «scan eagle» الأميركي يشتريه الأردن بـ10 ملايين دولار، وهو عبارة عن 4 مسيرات مع قاعدة تحكم أرضية. ويمنع الأميركيون الأردن من إجراء عمليات الصيانة، وهو أمر مكلف. لكننا ننتج السرب نفسه بكلفة تقلّ عن 100 ألف دولار».

ويقول القائد الجهادي: «مصيبة العدو هي أنه كان يعتقد أن برنامج الحرب الإلكترونية لن تكون له كلفة كبيرة عليه. وأنه يحمي اقتصاده من سلاحنا الجوي. لكن، مجرد أنه اضطر إلى الانتقال إلى استخدام السلاح الناري في مواجهة مسيراتنا، صارت عنده أزمة مالية كبيرة. وذلك كله، وهو لم يختبر بعد بقية مسيراتنا.

وهذا يعود أصلاً إلى كون العدو لا يمكنه تقدير آليات عملنا. صحيح أن قدراتنا المادية ليست بحجم قدراته، كما أن تأمين المواد ليس بالسهولة التي لديه. لكن، في نهاية الأمر، تمكنّا من بناء مصانع مع قدرة إنتاج كبيرة. نحن لا نتجاهل قدراته على تصنيع الأسلحة، ولا نغفل عن الدعم الأميركي المفتوح أمامه. وهو إلى اليوم، لا يتوقف عن القيام بكل ما يمكنه لمنع وصول منتجات وتجهيزات. لكن، لسوء حظه، بتنا في وضع مرتاح لجهة التصنيع، في النوع والكمية والاستمرارية. وما نستخدمه الآن هو جزء يسير، لأن قرار قيادة المقاومة يفرض علينا هذا المستوى من العمل فقط. والعدو يعرف أننا نستخدم الآن أسلحة ومسيرات سبق أن عرضنا نماذج منها في متحف مليتا منذ 5 سنوات على الأقل».

ينفق العدو ملايين الدولارات في مواجهة مُسيرة لا تتجاوز كلفة تصنيعها الـ 3000 دولار فقط


ويضيف «مفيد لفت الانتباه، إلى أن نسبة الإنتاج ووفرة العدد لا تتأثران بالتكلفة. وعندما تفرض قاعدة العمل ضرورة توفير سلاح معين، لا نقف على الكلفة، ليس فقط لأننا بحاجة إلى هذا السلاح، بل لتوافر إمكانية الحصول عليه. طبعاً هناك نوع من المسيرات تكلفتها عالية، لكن عندما نجد أننا بحاجة إليها، فهذا يفرض آلية معيّنة للإنتاج. وأقصد أننا نوفر ما نحتاجه من أسلحة. وبمعنى أدق، ليس إذا كان هذا النوع رخيصاً، يفرض أن أنتج منه أكثر من حاجتي، والعكس صحيح».

ويشير القائد في القوة الجوية إلى استنزاف الإمكانات لدى العدو «فهو بعد فشله في منع اختراق المسيرات، رفع مستوى التحسس لكل منظومات الكشف عنده. وعادة تعمل تقنيات التحسس في الرادارات بمستوى معين، حتى لا تتحرك بمجرد مرور طيور. لكن رفع العدو لمستوى الحساسية، جعل الاستنفار كاملاً. ولذلك تصدر يومياً عشرات التبليغات التي تفرض إطلاق صافرات الإنذار. هل تذكرون عندما أطلق العدو الصواريخ على طيور البجع؟

في إحدى المرات، أطلقنا مسيرة كلفتها زهيدة جداً جداً وحاول العدو إسقاطها، فأطلق أول صاروخ ثم تبعه آخر وثالث. لكن، في نهاية الأمر، تبيّن أنه أسقط مسيّرة تابعة له، بينما عادت مسيّرتنا إلى قاعدتها سالمة. نعرف تماماً وقع هذه الأحداث على ضباطه والضغط النفسي الذي يعيشون في ظله، سيّما أن الإنذارات الخطأ تستنزف المستوطنين».

وفي اعتقاد القائد الجهادي، إن العدو «يأخذ مجتمعه إلى حرب استنزاف ليس قادراً على تحملها. وهو يقوم بتنفيذ كل ما تدرّب عليه منذ 18 سنة إلى الآن. ويقاتلنا في مستوى متدنٍ بالنسبة إلينا. ولا نعتبر ما يجري الآن حرباً شاملة. لكن، في حال دخلنا الحرب الشاملة، ولم تكن هناك خطوط حمر، فإن السيناريو سيأخذه إلى حيث لا يقدر على التحمل. وليحضّر ضباط العدو من الآن الأجوبة عن أسئلة شعبه عن جدوى كل ما تدرب عليه، وكل ما أنفقه منذ عام 2006 حتى الآن»!

بالنسبة إلى منظومة «القبة الحديدية»، يقول القائد في القوة الجوية إنها «حققت نجاحاً في غزة، ولكنه ليس نجاحاً كاملاً. والسبب ناتج من صعوبات لوجستية موجودة عند إخواننا المجاهدين في فلسطين، لكن الأمر مختلف معنا. نحن حوّلنا القبة الحديدية إلى «مسخرة». ذات يوم، عندما تكشف المقاومة عمّا قامت وتقوم به في شمال فلسطين، سيعرف الجميع لماذا نقول عنها «مسخرة».

منذ مدة، قال العدو إنه أسقط مسيّرة لنا فوق نهاريا. لكنه يكذب، المسيّرة ذهبت وعادت، وربما نبث له الفيديو لكي نكشف كذبه، خصوصاً أن العدو يعرف أن مسيّراتنا هاجمت القبة مباشرة. ومعروف أن القبة هي عبارة عن منظومة رادار يفترض بها اكتشاف المسيّرة، وهناك «القاذف لانشر» الذي ينتظر الأمر حتى يطلق صواريخ باتجاه المسيرة. والذي يحصل أن المسيرة تتجاوز الرادار وتصيب القاذف الصاروخي. ولدينا توثيق كامل لهذه العمليات. والعدو يعرف مدى الفشل. فإذا كان عليه اكتشاف المسيرة من بعد 80 كلم أو 40 كلم أو حتى 20 كلم، فماذا يقول عندما تصبح المسيرة فوق الرادار وفوق القاذف وتقوم بالتصوير؟ ماذا يسمى هذا غير الفشل الذريع؟ عندما نعرض صوراً وفيديوهات تكذّب ادعاءات العدو، ماذا سيقول، وماذا سيقول قادة الجيوش الأخرى؟ يكفي مشهد المسيرة وهي تسير فوق الرادار ثم تعود إلى قاعدتها بسلام، حتى يفهم العالم كيف يكذب العدو».

ويشير القائد نفسه إلى أن «الجيوش تلجأ عادة إلى خطط لضرب المسيّرات عبر دفاعات كبيرة. هذا أمر حصل مع روسيا في سوريا وفي أوكرانيا أيضاً. لذلك، إن عملنا في مواجهة دفاعات العدو لا ينحصر في تحديد نقاط الضعف عنده، بل عمدنا إلى الارتفاع إلى مستوى أعلى من مستواه في العمل. وما يجري حالياً يمثّل التحدي الأكبر للعدو، جيشاً واستخبارات، ولكن ربما شعبه لا يعرف.

نحن نركز على نقاط قوة عنده لضربها. وهدفنا ضرب عقيدته الدفاعية التي تقوم على مبدأ الردع. هو الآن يعرف أن حزب الله لم يرتدع. لقد تخطّينا مفهوم الردع. وهو يخسر نقطة التفوق بالإنذار المبكر. كما أن العدو يعرف أن في مقدورنا ضرب المنطاد العملاق بصاروخ ذي دقة عالية، ولكننا لجأنا إلى «اقتصاد القوة» وضربنا المنطاد بسلاح بسيط مثل المسيرة. وهذا يصيب العدو في نخاعه الشوكي... نحن نضرب مراكز قوته. وقد أصبنا أكثر من رادار، خاصة رادار القبة الذي يتفاخر به، وأنه من صناعة أميركية. ومن صنعه سبق أن قال: إذا رميت كرة بايسبول فوق بيروت، فإن هذا الرادار يكشفها. لكن ما الذي حصل؟ ها هي مسيراتنا تقف فجأة فوقه، وتذهب مرات عدة وتعود وتصوره، قبل أن تنقضّ عليه، وتدمّر قاذفات الصواريخ المتصلة به. وهناك أكثر من هدف لم تعلن المقاومة عنه. وقد حصل استهداف لأمور دقيقة. وضباط العدو وأهل الاختصاص لديه يعرفون ما الذي يصيبهم».

ويقول القائد في القوة الجوية، «إن النجاح في مجال القدرة الاستخباراتية والاستعلامية لم يخرج بعد كله إلى العلن. لكن العدو يعرف أنه عندما تطلق صفارات الإنذار في النهار أو في منتصف الليل، ثم يقول إنه إنذار كاذب، فإنه لا يقول الحقيقة. لأنه لا يعرف بالضبط ما الذي حصل. هناك أمور كثيرة لم يعرف العدو عنها، مثل ما حصل في الخضيرة أو حيفا. ونحن عندما نبذل الجهد، إنما يكون منصباً على معالجة الصور والفيديوهات، والجهد ليس في جمع هذه المواد. وليعلم جمهور العدو أن ما تحتويه المعلومات التي جمعتها المقاومة «بتخرب بيتو للإسرائيلي». نحن لدينا ما ينسف عمل العدو خلال سنوات. صحيح هو فرض على منصة غوغل «تعمية» أمكنة كثيرة في الكيان، لكنه يعرف أننا «أزلنا الغشاوة ونعرف كل شيء» ونحن نملك كنزاً حقيقياً بمئات آلاف المواد التي تحدّد بنكاً كبيراً جداً من الأهداف. وأمرُ ضربها وإصابتها، رهن قرار القيادة فقط».

* ابراهيم الأمين، خديجة شكر

منظومة دفاع جوي
منظومة دفاع جوي



تعليقات: