مئات البطات الصغيرة وضعها مستوطنو الشمال على لافتة افترشوا بها «شارع 85»، وخُطت عليها عبارة «المُخليات اليوم هنّ المختطفات غداً». حول «بساط البط» جلست مُستَوطنات من الشمال وهنّ يحملن لافتات تتوسطها ألسنة اللهب، خُطت عليها أسماء المستوطنات المحترقة بفعل الصواريخ والطائرات الانقضاضية التي يطلقها حزب الله، فيما حمل آخرون لافتات كُتب عليها «كُلنا بط في المرمى ذاته».ما تقدّم هو خُلاصة الرسالة الاحتجاجية للتظاهرة التي نظّمها مستوطنون من الجليل والجولان ضد الحكومة التي يتهمونها بأنها تطبّق قانونين: واحد على الشمال وهو «الإهمال والنسيان»، وآخر على تل أبيب وهو «الرّد بكل قوّة على أي هجوم»، في إشارة إلى الرد على انفجار طائرة انقضاضية في تل أبيب، فيما هذا هو «الكابوس» اليومي المتواصل منذ تسعة أشهر في الشمال، ولا تبدو هجمات سلاح الجو الإسرائيلي على لبنان كافية بنظرهم، خصوصاً أنها غير قادرة على ردع حزب الله.
وبعد طول انتظار، جاء رد الحكومة على ما تقدّم، وتم تكليف الجنرال إليعيزر ماروم بترؤس مديرية مساعدات الشمال، والتي من المفترض أن تتلقى في الأشهر الأربعة المقبلة ميزانية بقيمة 26.5 مليون شيكل (أكثر من 7 ملايين دولار). وأتى التكليف الجديد بعد التزام الحكومة قبل 7 أشهر بإقرار «خطة طوارئ فورية». لكن موقع «واينت» يقول إنه «لم يُحوّل بعد شيكل واحد إلى المجالس المحلية هناك».
ماروم، عمل سابقاً قائداً لسلاح البحرية، ورئيساً لسلطة المطارات. وبحسب موقع «واينت» العبري فإن هناك «شكوكاً حول ما يمكن أن يقوم به. وصلاحياته ليست واضحة تماما»، إذ سيكون مطلوباً منه تقديم رد فوري للمستوطنات التي تنتظر الحلول منذ أشهر، وقيادة عمليات ضخمة بين الوزارات والمكاتب الحكومية، كون يواجه «أعظم التحديات التي واجهتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر، وهي أكبر حتّى من تلك المطلوبة لتأهيل مستوطنات الغلاف، ماروم سيتحمل الآن مسؤولية الاستجابة فقط للمستوطنات الحدودية المخلاة، لكن السلطات المحلية لمستوطنات «خط النزاع» التي لم تُخلَ بقرار رسمي تتوقع منه أيضاً المساعدة في إيجاد حلول لمستوطنيها، حيث يعيش ربع مليون إسرائيلي، على بعد تسعة كيلومترات من الحدود، وحالت حياتهم «كابوساً مستمراً في ظل الحرب وعدم استجابة الحكومة لمشاكلهم».
على صعيد العام الدراسي، على ماروم أيضاً التأكد من افتتاح المدارس في الأول من أيلول المقبل. وهي مدارس مؤقتة تقرر إقامتها في مناطق بعيدة قليلاً عن مرمى النيران، كما أعلن وزير التربية والتعليم، يوآف كيش، أخيراً، ومهمتها أن تضمن للطلاب الذين تهجّروا مع عائلاتهم من 43 مستوطنة ألا تضيع منهم السنة الدراسية، وأن يتلقوا تعليماً كبقيّة أقرانهم في إسرائيل وليس في أُطرٍ تعمل لمدّة أربع ساعات في اليوم، على يد معلمين غير محترفين، كما هو قائم منذ تهجيرهم.
من جهة ثانية، ثمة مستوطنات لن يتمكّن ساكنوها من العودة إليها حتى بعد انتهاء الحرب، وهي مستوطنات تضررت بصورة شديدة من جرّاء ضربات حزب الله، مثل «المطلة»، و«منارة» و«مرغليوت» وغيرها التي بلغ فيها الدمار حداً يستوجب هدم الأبنية وإعادة بنائها من جديد. وبالتالي سيكون على عاتق ماروم التنسيق لتقديم حلول سكنية لعدم العائدين، فهؤلاء سيغادرون الفنادق، وبعضهم أساساً غادرها واستأجر شققاً، فيما تخطط الحكومة لإنشاء «مستوطنة مؤقتة» لتجميعهم وإيوائهم في شقق بمجمع واحد على غرار الحل الذي قدّمته لبعض مستوطنات «الغلاف». ولذلك فإن الجميع ينتظر من الجنرال «ضمان أن يكون السكن المؤقت قريباً من المستوطنات الأصلية حتّى يظلوا قريبين من البيئة التي هُجّروا منها، ولا يتأقلموا بعيداً عن بيئتهم، فيقررون البقاء فيها».
أما التحدي الأكبر، فهو يخص عملية إعادة الإعمار. حيث «تضررت آلاف الشقق والمباني، والبنى التحتية العامة، نتيجة لنيران حزب الله التي ما فتئت رقعتها تتوسع وتتفاقم، إلى حد أنه من الصعب جمع معلومات حول نطاق الدمار وحجمه نظراً إلى أنه أساساً لا تزال المنطقة الشمالية تتعرض لإطلاق الصواريخ». بحسب «واينت».
أكثر من 400 نقطة استيطانية تنتظر حلولاً لمشاكل الإقامة، التعليم، الصحة، الرفاه، الزراعة والسياحة... وإعادة الإعمار
وبالنظر إلى الصورة الواسعة، يبدو ماروم مثل «حسين الذي لا يوجد غيره في الجيش»؛ فهناك أكثر من 400 نقطة استيطانية بالمجمل تنتظر ردوراً وحلولاً على مسائل مختلفة، كالتعليم، الصحة، الرفاه، الزراعة، السياحة والتشغيل، وهي مجالات تضررت بشدّة خلال الأشهر الماضية، وسيكون على ماروم التأكد من تقليص الإجراءات البيروقراطية التي تحكم العلاقة بين الوزارات والسلطات المحلية في الشمال، خصوصاً أن هذه الأخيرة خلفها «جيش» من المواطنين الذين لا تتوقف مطالبهم.
أمّا النقطة الأكثر أهمية وحسماً، فتتلخص في «مستقبل المشروع الاستيطاني في الشمال» وأن يضمن ماروم «عدم تسرّب المستوطنين»؛ ففي حالة من عدم اليقين حيال المستقبل، وفي ظل حقيقة أن الحكومة لا تملك إجابة بشأن موعد عودة السكان، وإعلان 30% من «مهجّري الشمال» عدم نيّتهم العودة بعد انتهاء الحرب، فإن ماروم يواجه تحدياً غير مسبوق، لناحية «توفير عناصر جذب مختلفة تفوق عوامل الطرد الكثيرة التي ولّدتها الحرب. وإذا كان العدد الرسمي للمُخلَيْن هو 80 ألفاً، غير أن سكان عشرات المستوطنات الأخرى هربوا من تلقاء أنفسهم، وهو حال «كفار سالد» و«شامير»، و«عمير» و«سديه نحميا» و«كفار بلوم» و«نؤوت مردخاي»، و«لهفوت هبشان» و«غونين»، التي خالف المستوطنون قرار الجيش وتركوها «خوفاً من احتمالات تسلل قوّة الرضوان، وتحت دوي الانفجارات والصواريخ»، وهؤلاء لا يحق لهم الحصول على أي مساعدة ماديّة، فيما كُثر من عموم المستوطنين، وخصوصاً أولئك الذين بقوا في محيط المستوطنات الكبيرة، مثل «كريات شمونة»، و«شلومي» فقدوا أعمالهم ووظائفهم وحت تعليم أبنائهم.
تعليقات: