أصبحت الدراجات النارية وسيلة لا غنى عنها في لبنان (علي علوش)
في 21 آذار 2024، اصطدم شاب عشريني يقود دراجته النارية بسيارة محمد سعيدون، الذي كان يقف بانتظار الضوء الأخضر في منطقة الأشرفية. كانت سرعة الشاب الجنونية سببًا في وقوعه أرضًا، ما أدى إلى تجمهر الناس وطلب الإسعاف لنقله إلى المستشفى. يقول سعيدون: "أُوقفت في المخفر لمدة خمس ساعات، وحُجزت سيارتي لمدة 15 يومًا".
لم ينته الأمر هنا، فبعد فترة توفي الشاب، وانتظر سعيدون وأسرته وصول أهله إلى لبنان كون الشاب كان من جنسية أجنبية. "طلبوا المال ليتنازلوا عن الدعوة، بالرغم من أن الحق كله كان في صالحي، لكنني أردت أن أنهي المشكلة"، يضيف سعيدون.
يختم محمد سعيدون حديثه بتأييده للحملة التي أطلقتها الدولة ضد الدراجات النارية: "يقودون بتهور ويؤذون الناس. هذا ما حصل معي".
في 22 حزيران، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي فيديو لسائق دراجة نارية انزلقت دراجته بسبب تسرب الزيت من سيارة تعطلت على كورنيش المزرعة. كان على متن الدراجة شاب لبناني من مواليد 2004، لم يكن يرتدي أي من وسائل السلامة، وأولها الخوذة الواقية، ومن ثم اصطدمت به مركبة.
هذه الحوادث اليومية التي تتعرض لها السيارات والمشاة، تكشف عن خطورة القيادة المتهورة للدراجات النارية. نشاهد يوميًا كيف يقود البعض على الأوتوستراد، في المدن، وفي الشوارع المكتظة والأحياء الشعبية، وغالباً عكس السير، على الأرصفة، من دون أي حسيب أو رقيب ومن دون اكتراث لسلامة الآخرين. علاوة على ذلك، فإنهم يسببون اكتظاظاً وعرقلة للسير، بالإضافة إلى التلوث السمعي وخطرهم الكبير.
سلاح ميليشيوي؟
في 8 حزيران 1999، قُتل 4 قضاة داخل قاعة محكمة جنايات لبنان في مدينة صيدا الجنوبية في وضح النهار، حيث أطلق الجناة المسلّحون النار بغزارة على قوس القضاة في المحكمة، من خلال نافذتين مُطلّتين على موقف السيّارات الواقع خلف المبنى، وفروا هروباً على دراجاتهم النارية باتجاه مخيم عين الحلوة، ما أدّى إلى استشهاد القضاة الأربعة، وإصابة آخرين. على أثر هذه الحادثة، صدر قرار عن بلدية صيدا بمنع تجوال الدراجات النارية في المدينة. لكن منذ بداية ثورة 17 تشرين 2019، ومع ارتفاع أسعار المحروقات تغيرت الأمور وشهدت المدينة الكثير من الفوضى بعدم تطبيق هذا القانون.
في السياق نفسه، خلال أحداث 7 أيار 2008، احتلت مجموعات ملثمة ومسلحة شوارع بيروت استخدمت الدراجات النارية وقامت بأعمال عنف وتهديد وترويع للسكان، ما أسفر عن مقتل نحو 71 شخصاً، ودمار كبير في الممتلكات.
خلال ثورة 17 تشرين، كانت الدراجات النارية التابعة للميليشيات جزءاً رئيسياً من الأحداث في بيروت، حيث شهدنا العديد من "الغزوات" على ساحة الشهداء وجسر الرينغ. تدفقت الدراجات النارية بشكل فوضوي، مما أدى إلى زيادة التوتر والعنف. تحولت بيروت إلى ساحة حرب، حيث استخدمت هذه الدراجات لإثارة الشغب والهجوم على المتظاهرين السلميين، مما زاد من تعقيد الوضع وصعوبة السيطرة عليه.
في 10 كانون الأول 2022، وقع إشكال في ساحة ساسين بالأشرفية إثر دخول عدد كبير من الأشخاص على متن الدراجات النارية حاملين أعلام المغرب وفلسطين وسوريا احتفالاً بفوز المغرب. وبدأوا بإطلاق عبارات استفزازية، مما أثار شباب المنطقة، ونتج عنه اشتباك وتوتر.
وفي 14 من الشهر نفسه، وفي المنطقة نفسها، سار فجرا عشرات الشبان من "جنود الرب" بدراجاتهم مرتدين قمصاناً سوداء، بقصد استعراض القوة والترهيب.
اللائحة تطول، إذ لطالما كان "الموتسيكل" سلاح أبناء الأحياء الفقيرة السري لترهيب الآخرين. فقد استخدم أيضاً في أيام الانتخابات لخلق استفزازات، وفي التظاهرات ضد المحقق القاضي طارق البيطار، وأثناء اشتباكات الطيونة وعين الرمانة...
حاجة أساسية
مع تفاقم الأزمة الاقتصادية في لبنان وارتفاع تكاليف المعيشة، أصبح اللبنانيون يبحثون عن وسائل نقل اقتصادية وأقل كلفة من حيث الوقود والصيانة. ومن بين هذه الوسائل، تبرز الدراجات النارية الصغيرة التي تتميز بسعرها المنخفض مقارنةً بالسيارات، وتكلفة قطعها وصيانتها القليلة، إضافة إلى استهلاكها المحدود للوقود.
لطالما ارتبطت قيادة الدراجة النارية بالمغامرة، والشباب، والسرعة. لكن اليوم، أصبحت مرغوبة من الجميع، وتتزايد أعدادها بشكل ملحوظ، حتى أصبحت أكثر من أن تُحصى. تعود هذه الزيادة الكبيرة في أعداد الدراجات النارية إلى عدة عوامل، منها الأزمة الاقتصادية الضاغطة، بما في ذلك البطالة والمداخيل المتدنية وارتفاع أسعار المحروقات، إلى جانب زحمة السير الخانقة التي يواجهها اللبنانيون يومياً. بالإضافة إلى ذلك، تعتمد العديد من المؤسسات والمطاعم والصيدليات على الدراجات النارية كوسيلة أساسية لإيصال الطلبات "دليفري".
في العقد الأخير، بات "الدليفري"، في صلب نمط عيش اللبنانيين، وتحول إلى شريان أساسي لشبكة الاستهلاك والعمل التجاري. فأي متجر لا يملك اسطولاً ولو صغيراً من الدراجات النارية، لزوم الدليفري، محكوم بالفشل والإفلاس.
أصبحت الدراجات النارية وسيلة لا غنى عنها في لبنان، حيث توفر سرعة ومرونة في التنقل، وتتجاوز الازدحام المروري الذي يمثل تحدياً يومياً للمركبات الأخرى. كما أنها تمثل خياراً مالياً مناسباً، مما يعزز شعبيتها. ورغم ما تجلبه من حرية ومرونة، فإنها تطرح أيضاً تحديات وسلبيات كبيرة، خصوصاً مع الاستخدام الكبير من دون تنظيم كافٍ للبنية التحتية، مما يجعلها نعمة ونقمة في الوقت نفسه.
ارتفاع ملحوظ بالاستيراد
حسب إحصاءات الجمارك اللبنانية، تنقسم الدراجات النارية إلى فئات وفق حجم المحرك ونوعيته، سواء كانت تعمل بالوقود أو الكهرباء. الفئة الأكثر استيراداً هي تلك المزودة بمحرك صغير لا يزيد حجمه عن 250 سي سي، والتي تشكل 90% من مجمل الاستيراد السنوي. في عام 2016، استورد لبنان 52 ألف دراجة من هذه الفئة، بمتوسط سعر استيراد يبلغ 443 دولاراً للدراجة الواحدة. ارتفع الاستيراد في عام 2023 إلى 99 ألف دراجة، وارتفع معه متوسط سعر الاستيراد إلى 663 دولاراً للدراجة.
أما الدراجات الفخمة ذات المحركات الكبيرة، التي تصل سعتها إلى 800 سي سي، فلم تغب عن السوق اللبنانية. إذ بلغت قيمة استيرادها الإجمالية نحو 2.5 مليون دولار خلال السنوات العشر الماضية. في عام 2016، دخل إلى لبنان 283 دراجة من هذه الفئة بمتوسط سعر استيراد يبلغ 13 ألف دولار، في حين انخفض العدد في عام 2023 إلى 140 دراجة بمتوسط سعر يبلغ 17 ألف دولار للدراجة.
تأثرت حركة استيراد الدراجات بالأزمة الاقتصادية، ففي عام 2020، استورد لبنان دراجات بقيمة 4 ملايين دولار، أي 12% فقط من المعدل السنوي للسنوات الخمس السابقة (2014-2019) والذي بلغ 33 مليون دولار. ومع ذلك، بين عامي 2021 و2023، سجل السوق طفرة في الاستيراد. إذ استورد لبنان دراجات بقيمة 185 مليون دولار خلال ثلاث سنوات، بمتوسط سنوي قدره 59.3 مليون دولار.
عام الأزمة كان في 2020، لكن في عام 2021، استورد لبنان دراجات بقيمة 19 مليون دولار، ثم تضاعف الاستيراد أكثر من أربع مرات ليبلغ 84 مليون دولار في عام 2022.
في النتيجة، الطرقات كما السوق، يجتاحها طوفان من الدراجات النارية غالبيتها بلا تسجيل ومالكوها يلعبون لعبة "القط والفأر" مع كلّ إطلالة أمنية للدولة على رعاياها، أو ما يُعرف بـ"اليوم الأمني".
في حديث مع مصدر أمني، أكد أن الفوضى المرورية ليست جديدة، وأن أحد أهداف الحملة الأمنية التي شنت على الدراجات هو ضبط هذا التهور من خلال إلزام سائقيها بوضع مستلزمات السلامة العامة وتسجيل دراجاتهم. وأشار المصدر إلى أن ارتفاع حوادث السير للدراجات النارية كان كبيراً جداً بين عامي 2022 و2023، مما جعل هذا الموضوع محورياً في الحملة الأمنية.
وأضاف المصدر أن الحملة مستمرة وستكون مفاجئة وغير معلنة، مؤكداً على ضرورة احترام القانون، وأبسطها ارتداء الخوذة الواقية. الهدف الأساسي هو حماية المشاة، الدراجين، وسائقي السيارات، والحد من التهور المروري.
وفي الحديث عن الكميات الكبيرة من الدراجات المستوردة والموجودة أصلاً، أشار المصدر إلى قانون 243 الصادر عام 2012، الذي حدد سنوات الاستيراد والصفات المحددة للدراجات المستوردة، كمحاولة لضبط الكميات وتنظيم استيراد الدراجات النارية في لبنان.
تعليقات: