إسرائيل الخائفة.. التي تريد أن تُخيف

المعادلة تغيّرت ما بين العام 2006 و2024 (Getty)
المعادلة تغيّرت ما بين العام 2006 و2024 (Getty)


خائف يريد أن يخيف. يمكن لهذا التوصيف أن يكون الأدقّ في وصف إسرائيل وآلية تعاطيها مع حزب الله ولبنان. هذا، مع تأكيد وجود اختلاف جوهري بين السلوك الإسرائيلي مع الجبهة الشمالية وتعاطيه مع الجبهة الجنوبية، التي سارع فيها بعد عملية طوفان الأقصى إلى تنفيذ غارات واسعة على قطاع غزة بالتزامن مع تحضيره للاجتياح البرّي.

على الجبهة اللبنانية الوضع مختلف كلياً. في كلّ مرة اتجهت فيها الأمور نحو الانفجار الكبير، تظهر عوامل تمنعه. ليتبين أن الحقيقة هي في خوف إسرائيل من الإقدام على أي حرب.

تكرر ذلك بعد اتهام تل أبيب لحزب الله باستهداف بلدة مجدل شمس.


الخوف والتردد

بعيد الحادثة "الملتبسة" في مجدل شمس، أقام لبنان على قلق واستنفار بانتظار ما سيفعله الإسرائيليون. تكثّفت الاتصالات الدولية والديبلوماسية لمنع اندلاع حرب واسعة أو مفتوحة. استجاب الإسرائيليون لكل هذه الاتصالات، على الرغم من التظاهر بالرفض. بالنظر إلى الإعلام الإسرائيلي وما ينقله من خلافات بين المسؤولين والقوى السياسية المختلفة، يشير بوضوح إلى حجم الخوف والتردد في اتخاذ القرارات، وانسياق الإسرائيليين وراء المزايدة، تماماً كما هو الحال بالنسبة إلى المعارضة الإسرائيلية، بما فيها عضو مجلس الحرب السابق بني غانتس، ودعواتهم إلى التعامل بحزم مع لبنان وشن حرب عسكرية. علماً أن هذا المنطق لم يكن نفسه عندما كان غانتس وزيراً في حكومة الحرب.

يتضح أيضاً حجم التضارب بين المؤسسة السياسية والمؤسسة العسكرية. فخلال اجتماع الحكومة الإسرائيلية سرّبت القناة 14 الإسرائيلية، والمعروفة بقربها من نتنياهو، أن ضباطاً في هيئة الأركان يرفضون الذهاب إلى حرب واسعة. في مقابل تسريبات صدرت عن الجيش الإسرائيلي بأنه أعدّ الخطط اللازمة للتعامل مع حزب الله، بما فيها شنّ "عملية برية". يظهر ذلك حجم التضارب الإسرائيلي وعدم القدرة على الحسم في اتخاذ القرار. يُضاف ذلك إلى ما يذكر في الإعلام الإسرائيلي حول الخوف من قدرة حزب الله على إيذاء مواقع استراتيجية داخل إسرائيل وفي عمق تل أبيب، وهذا أحد أبرز التفسيرات حول التأخر الإسرائيلي في تنفيذ الردّ، والاستماع إلى الاتصالات الدولية والتجاوب معها، لتكون ضربته المتوقعة "محدودة"، ولا تؤدي إلى اندلاع حرب واسعة.


قواعد اشتباك متحركة

ما جرى يشير بوضوح إلى تغيّر قواعد اللعبة الإسرائيلية مع لبنان. بخلاف جذري عن ما حصل في حرب تموز 2006. إذ أن حزب الله يومها نفّذ عملية عسكرية واحدة تمكن فيها من أسر جنديين. فسارعت إسرائيل إلى الردّ العنيف بعمليات قصف وغارات، وفي مساء اليوم نفسه كان القرار قد اتخذ بشنّ حرب واسعة على لبنان استمرّت 33 يوماً.

اليوم، شنّ حزب الله آلاف العمليات ضد المواقع الإسرائيلية، ولم تتمكن إسرائيل من اتخاذ قرار بتوسيع الحرب. بل هناك قواعد اشتباك للمواجهة وإن كانت متحركة نسبياً. وهنا لا بد من القول إن أقصى ما تحدّث عنه الإسرائيليون في معرض البحث عن كيفية الردّ على الحزب، كان الحديث عن "أيام قتالية" وعملية محدودة لا تؤدي إلى حرب.

أما الأهم، فهو ما نشط على خطّه الوسطاء الدوليون، الذين طالبوا حزب الله بالامتناع عن الردّ على الضربة الإسرائيلية، والمحافظة على ضبط النفس. وهذا يعني تخوف إسرائيلي من حجم الردّ لدى الحزب وآثاره. أما الخوف الأبعد فهو أن تؤدي الردود والردود المضادة إلى حرب أوسع، لا تبدو إسرائيل قادرة على خوضها أو جاهزة لها.

أمام كل ذلك، ينعكس الضعف الإسرائيلي على ألسنة سكان المستوطنات الشمالية، الذين يهاجمون حكومتهم غير القادرة على حمايتهم. كما ينعكس أيضاً في إصرارهم على الحلّ الديبلوماسي لتجنّب الحرب. وهم يغلّفون ذلك بالإكثار من التهديدات التي يستخدمونها لإخافة حزب الله واللبنانيين في مقابل إخفاء خوفهم.

تعليقات: