إعفاء السيارات الكهربائية الجديدة التي تدخل لبنان من الرسوم الجمركية (علي علوش)
هل فكرت مؤخرًا في شراء سيارة كهربائية؟ ربما خطرت ببالك هذه الفكرة للحظة ثم وضعتها جانبًا، نظرًا لارتفاع أسعار هذه السيارات وعوامل أخرى، مثل نقص التسهيلات في الدفع وتعذر الحصول على القروض، بالإضافة إلى التحديات التي تواجه البنية التحتية في لبنان. لكن يبدو أن التحول نحو السيارات الكهربائية أمر لا مفر منه خلال العقد المقبل.
في هذا التقرير، سنتناول الواقع العالمي للسيارات الكهربائية والتجارب البارزة في هذا المجال، بالإضافة إلى كيفية استفادة لبنان من تلك التجارب، خصوصاً في ظل التحديات التقنية والنفسية المرتبطة باقتناء سيارة كهربائية.
التحول نحو الكهرباء
شهد العالم تحولًا كبيرًا نحو استخدام السيارات الكهربائية. ويستند هذا التحول على مجموعة متنوعة من الدوافع التي تختلف بين المصنعين والدول والمستوردين والمستهلكين. على الرغم من تنوع هذه الدوافع وراء هذه الثورة التكنولوجية التي استمرت في السبات لمدة مئة عام، بسبب محدودية تكنولوجيا البطاريات بالدرجة الأولى، يتفق الخبراء على أن السيارة الكهربائية توفر حوالى 50% من تكاليف الوقود وحوالى 80% من تكاليف الصيانة، بفضل استهلاك أقل للمكابح وعدم الحاجة لتغيير الفلاتر والزيوت. بالإضافة إلى ذلك، تساهم السيارة الكهربائية بشكل كبير في تقليل التلوث البيئي، ويمكن أن تصل إلى صفر انبعاثات، إذا تم الاعتماد في الشحن على مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية أو الكهرومائية. قد يثير بعض الناس قضية التلوث الناتج عن تصنيع بطاريات الليثيوم المستخدمة في السيارات الكهربائية، بالإضافة إلى التحديات المتعلقة بإعادة تدوير هذه البطاريات بعد انتهاء عمرها الافتراضي. لكن هذا الموضوع يتطلب بحثًا مفصلًا في وقت آخر.
وفقًا لتقرير من بلومبيرغ، يشهد سوق مبيعات السيارات الكهربائية نموًا كبيرًا، حيث من المتوقع أن تصل مبيعات عام 2024 إلى حوالى 16.7 مليون سيارة، بزيادة تبلغ 22% مقارنة بالعام الماضي. كما من المتوقع أن تمثل السيارات الكهربائية حوالى 20% من إجمالي سوق السيارات العالمي هذا العام.
الدراما الأميركية
تتصدر النرويج قائمة الدول في اعتماد السيارات الكهربائية بنسبة تصل إلى 82%، وترتفع النسبة إلى 90% عند تضمين السيارات الهجينة. لا يوجد أي مكان آخر في العالم يقترب من هذه النسبة. في الصين، أكبر سوق للسيارات في العالم، بلغت نسبة السيارات الكهربائية 24% من مبيعات عام 2023. أما في الولايات المتحدة، فكانت نسبة السيارات الكهربائية 7.6% فقط من مبيعات السيارات الجديدة في العام نفسه. وتتصدر ولاية كاليفورنيا باقي الولايات الأميركية بأعلى نسبة اعتماد للمركبات الكهربائية، حيث بلغت 21.5% من مبيعات السيارات الجديدة في عام 2023، وهو رقم تضاعف خلال العامين الماضيين.
حسب حاكم ولاية كاليفورنيا، غافين نيوسوم، كانت السياسات البيئية والحوافز المالية التي قدمتها الولاية سببًا رئيسيًا في نجاح شركة تسلا. ووفقًا لتقديرات مكتب نيوسوم، فقد تلقت تسلا أكثر من 3.2 مليار دولار من الإعانات المباشرة وغير المباشرة منذ عام 2009. لكن ذلك لم يمنع إيلون ماسك من شن حرب كلامية ضد حاكمية الولاية والتهديد بنقل شركتي تسلا وسبيس إكس خارجها.
على الرغم من كل التقدم الذي حققته في تبني السيارات الكهربائية، تبدو ولاية كاليفورنيا وكأنها في العصور المظلمة مقارنة بالنرويج.
اليوتوبيا النرويجية
نجاح التجربة النرويجية يستند إلى ثلاثة عوامل رئيسية: دعم الدولة، استغلال مصادر الطاقة الكهرومائية، وتوافر نقاط الشحن. النرويج تضم أكثر من 2600 نقطة شحن كجزء من البنية التحتية. النفقات السنوية على الحوافز لشراء السيارات الكهربائية بدأت عالية وهي تتراجع بشكل مستمر. حتى الآن، تم إنفاق حوالى 20 مليار دولار، أي ما يعادل نحو 4 مليارات دولار سنويًا. هناك أيضًا خطة أوروبية لإعادة تدوير البطاريات، وبعض المشاريع في النرويج تسمح بتسليم البطاريات للتدوير، وهذا جانب مهم للمستقبل يندرج ضمن اللوائح المشتركة في الاتحاد الأوروبي التي تبنتها النرويج.
هدف الحكومة النرويجية هو أن تصبح جميع السيارات الجديدة مركبات ذات انبعاثات صفرية بحلول عام 2025، وقد شهدت البلاد تحولاً واضحاً في المركبات الكبيرة مثل الحافلات والشاحنات والعبّارات المائية، حيث تتجه جميعها نحو استخدام الكهرباء. ومع ذلك، يظل هناك عدد قليل من النرويجيين يصرون على اقتناء سيارة تعمل بالوقود إلى جانب السيارة الكهربائية، خصوصاً للرحلات البعيدة في الجبال، لتفادي "قلق المدى" (Range Anxiety)، وهو أحد التحديات النفسية المرافقة لاقتناء السيارات الكهربائية.
قلق المدى وقلق الشحن
قلق المدى هو الخوف الذي يشعر به مالك السيارة الكهربائية من عدم القدرة على الوصول إلى وجهته بسبب نفاد البطارية. هذا القلق ينبع من النطاق المحدود للمسافة التي تستطيع السيارات الكهربائية قطعها مقارنة بالسيارات التقليدية التي تعمل بالوقود. ما يعزز هذا القلق هو قلة محطات الشحن على طول الطريق، ومقاربة مدة الشحن بعقلية ملء خزان الوقود في السيارات التقليدية. بالإضافة إلى الظروف الجوية. فقد بات من المعروف أن الطقس البارد يمكن أن يقلل من المدى الأصلي للسيارة الكهربائية بنسبة تصل إلى 20%.
هناك طرق عديدة للتغلب على قلق المدى، تبدأ بتخطيط الرحلة وأخذ أماكن محطات الشحن بالاعتبار، واحتساب المسافات والوقت بدقة. يُقال إن هذه التمارين تساعد على تجاوز هذا التحدي النفسي مع مرور الوقت.
أما قلق الشحن، فينبع في المقام الأول من أسباب تقنية. فحتى إذا تمكنت من العثور على محطة شحن قبل نفاد بطارية سيارتك، تبدأ هواجس جديدة في الظهور: هل القابس يتوافق مع سيارتي؟ هل سيعمل الشاحن بشكل صحيح؟ ما هي قوته وكم من الوقت سيستغرق؟ كيف سأقوم بالدفع؟ هل أحتاج إلى تنزيل تطبيق جديد؟ وإذا كان الأمر كذلك، هل سيعمل التطبيق بسهولة وكيف يمكنني تعبئة الرصيد؟ هذه التساؤلات تضيف طبقة إضافية من القلق إلى تجربة امتلاك السيارة الكهربائية، مما يجعل من الضروري البحث عن حلول تقنية مبسطة وأكثر تكاملاً.
تتجه الناس إلى تيسلا أكثر من غيرها لأنها حلت مبكرًا مسألة قلق الشحن. فلا شيء يضاهي وجود شواحن على الطريق وتطبيق الهاتف والسيارة تحت نفس العلامة التجارية عند الحديث عن تجنب قلق الشحن. ومع ذلك، أثبتت التجربة النرويجية أن 90% من الشحن يتم عبر الشحن المنزلي البطيء، وأن شواحن الطريق رغم شيوعها في هذا البلد، تُستخدم في الحالات الاستثنائية. لذا، فإن الاعتماد على شحن منزلي موثوق يقلل من التحديات المتعلقة بقلق المدى وقلق الشحن على السواء.
الديستوبيا اللبنانية ليست قدراً
عند التفكير في شراء سيارة كهربائية في لبنان، تقتحم ذهنك فوراً فكرتان رئيسيتان: الكم الهائل من الهدر المالي على الكهرباء من دون نتائج ملموسة، وأزمة احتجاز المصارف اللبنانية لأموال المودعين. فكيف يمكن لمصرف يحتجز حقوق المواطنين أن يقدم قروضًا لشراء سيارة كهربائية؟ وكيف تشحن سيارتك إذا كان منزلك يعاني من انقطاع الكهرباء المستمر؟
لكن إذا تجاوزنا هذه المعوقات للحظة، هناك بعض المقومات الإيجابية التي يمكن للبنان استغلالها في التحول نحو السيارات الكهربائية خلال العقد المقبل. لبنان بلد صغير المساحة، لذا لا توجد مشكلة حقيقية تتعلق بالمدى. التكنولوجيا الحالية لبطاريات السيارات الكهربائية يمكن أن تؤمن عدة رحلات بين العمل والمنزل بشحنة واحدة.
كما أن إمكانات لبنان في تسخير الطاقة المتجددة كبيرة. فلبنان يتمتع بـ300 يوم مشمس في السنة، ويمكن لمشاريع الطاقة الشمسية بالإضافة إلى الطاقة الكهرومائية أن توفر الطاقة الكافية، خصوصاً إذا تم تطوير الأخيرة بشكل علمي وصحيح من الناحية الجيولوجية والبيئية، وليس كما حدث سابقًا من صفقات مشبوهة ومشاريع سدود غير مجدية.
للاستفادة من التجربة النرويجية، يجب على لبنان العمل على تطوير البنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية وإصدار القوانين التي تحفز على شرائها. وقد بدأ ذلك بالفعل، إذ يوجد قانون يعفي السيارات الكهربائية الجديدة التي تدخل لبنان من الرسوم الجمركية.
بدأنا نلاحظ في لبنان أن بعض محطات الوقود في بيروت وكسروان، مثل "ميدكو"، تقوم بتركيب شواحن للسيارات الكهربائية، استعداداً لما هو آت. تشير التقارير إلى حوالى 80 محطة شحن منتشرة بشكل رئيسي في بيروت الكبرى. من جهة أخرى بدأت وكالات استيراد السيارات بالترويج لسياراتها الكهربائية منذ عدة سنوات، فالسوق العالمي للسيارات لديه ديناميته، وسنلتحق به سواء شئنا ذلك أم أبينا. من المفارقات أن تكنولوجيا السيارات الكهربائية قد تساهم مستقبلاً في حل أزمة الكهرباء المتفاقمة في لبنان منذ عقود، ليس بنيّة الحكومة للتنمية، بل بقوة اقتصاد السوق.
تعليقات: