شبعا ومزارعها ماءٌ وخيرٌ: بوابة الصراع أو الحل

واقع البلدة في ظل هذه الحرب قاسٍ جداّ على الأهالي (Getty)
واقع البلدة في ظل هذه الحرب قاسٍ جداّ على الأهالي (Getty)


نكسة العام 1967، أو ما يعرف بحرب الأيام الستة، بين إسرائيل والعرب، كان لها وقعها المباشر على بلدة شبعا الجنوبية، الواقعة عند مثلث الحدود اللبنانية السورية الفلسطينية، فأحتُلت مساحات من أرضها، التي تشكل أعلى تلال الجنوب، بجوار جبل الشيخ، المحتل من قبل العدو الإسرائيلي منذ ذلك التاريخ، مع بلدات وقرى الجولان.


اللاجئ عبد الحليم خدام

يُطبع الخامس من حزيران بذاكرة جيل كبير من أبناء شبعا، إحدى أكبر البلدات اللبنانية مساحة وسكاناً، التي من أرضها يمكن أن يُغلق ملف الحدود البرية اللبنانية الفلسطينية، أو تستمر الأعمال الحربية بين إسرائيل ولبنان.

واحد منهم هو محمد صعب، الذي كان في العام 1967 سائقاّ لـ"بوسطة" شبعا، التي كانت عائلته تمتلك نصفها، ونقل فيها محافظ مدينة القنيطرة آنذاك عبد الحليم خدام، من شبعا إلى دمشق مع أكثر من 30 مدنياً وعسكرياّ سورياّ لجأوا مع المئات من القنيطرة إلى جارتهم شبعا، يتحمل اليوم مسؤولية بلدة شبعا، من خلال موقعه كرئيس لبلديتها، التي أنشئت في العام 1942.


منذ الأخضر العربي

في مواجهات "الإسناد"، دفعت أول شهيدين مدنيين في الرابع عشر من تشرين الأول العام 2023، هما خليل أسعد علي هاشم وزوجته رباد حسين العاكوم، وشهيد آخر "على طريق القدس"، هو هادي فؤاد موسى.

لم يكن هؤلاء الشهداء وغيرهم من أبناء شبعا، الذين سقطوا في حرب الإسناد والإشغال دعماّلغزة، سوى محطة من تاريخها النضالي والكفاحي في مواجهة إسرائيل، حيث سقط ثلاثة شهداء من أبنائها في العام 1971، سبقهم استشهاد ابن بنت جبيل أمين سعد "الأخضر العربي"، في العام 1969 على بيادر شبعا في معركة مع جنود الإحتلال الإسرائيلي.


أصل التسمية

تتميز بلدة شبعا، وهي كبرى بلدات العرقوب، في قضاء حاصبيا، بيانبيع المياه والأراضي الزراعية الخصبة، على ارتفاع يتراوح بين 1200 و1500 متر يؤهلها لأن تكون مركزاّ سياحياّ في الصيف والشتاء، ومساحة تقارب 250 مليون متر مربع، من ضمنها المزارع الـ14 المحتلة.

وكغيرها من بلدات وقرى لبنان، لا يوجد اتفاق على أصل التسمية، حيث تتعدد المعلومات بشأنها، فيقال أن شبعا إسم "آرامي"، وتعني رقم سبعة نسبةً لكونها واحدة من بلدات العرقوب السبع. أمّا التفسير الثاني فيتفق على الرقم سبعة، ولكن على خلفية وجود سبعة ينابيع فيها تروي أراضيها. أمّا القسم الثالث والأخير فيعتقد أنّ كلمة شبعا ترمز إلى الشبع وكثرة الإنتاج الزراعي فيها.

يعتمد المقيمون من أبناء شبعا، والذين لم ينزحوا عنها، رغم الأعمال العدوانية الإسرائيلية على أهلها وبيوتها ومواسمها الزراعية التي تتلف تباعاّ، ابتداء من موسم الكرز الذي تشتهر فيه البلدة وصولاّ إلى موسم الخوخ والإجاص، التي يوجد قسم كبير منها في منطقة وادي شبعا.


الرئيس صعب وذكريات النكسة

تعج بلدة شبعا حالياّ بأبنائها، الذين فضلوا البقاء والصمود في بيوتهم على النزوح والتشتت، حيث لم يغادرها أكثر من ستين عائلة، فيما لا يزال أكثر من ثمانية آلاف فرد متشبثين بأرضهم، من أصل 35 ألفاً يتوزعون في لبنان وبلاد الإغتراب.

ويؤكد رئيس بلدية شبعا محمد صعب لـ"المدن"، الذي بقي مع مخاتير من البلدة إلى جانب الأهالي لمتابعة شؤونهم وشجونهم، أن مسيرة شبعا في المقاومة والصمود لم تبدأ خلال هذا العدوان الإسرائيلي، فللبلدة باع طويل في تقديم الشهداء وتحمل الخسائر في البيوت والأرزاق، ذوداّ عن أرضنا المحتلة في لبنان وفلسطين. مضيفاّ، أن مزارع شبعا المحتلة هي أرض لبنانية بالكامل، وإسمها يلتصق بشبعا، كالتصاق الروح بالجسد.

ويستذكر صعب حرب الأيام الستة في حزيران من العام 1967، فيقول: أثناء الحرب لجأ المئات من جيراننا السوريين إلى شبعا، التي تربطها حدود كبيرة مع سوريا. وكان من بين هؤلاء نائب الرئيس السوري المرحوم عبد الحليم خدام، حيث قمت شخصياّ في أعقاب هذه الحرب التي احتلت فيها إسرائيل هضبة الجولان، بنقل أكثر من ثلاثمئة سوري من العسكريين والمدنيين، على عشر دفعات، ومنهم خدام، الذي جلس إلى جانيي، من شبعا وحتى دمشق. مشدداّ على أن مزارع شبعا تخضع للقرار الدولي 425 الذي لم تنفذه إسرائيل، وليس لأي قرار دولي آخر كما تدعي إسرائيل. فهذه المزارع الـ14 احتلت بعد العام 1967، وعلى مراحل في منتصف السبعينيات بعد سلسلة العمليات الفدائية على المنطقة.

ويضيف صعب لـ"المدن"، إن واقع البلدة في ظل هذه الحرب قاسٍ جداّ على الأهالي، نتيجة تعرض البلدة المستمر للاعتداءات الإسرائيلية التي أوقعت شهداء ودمرت منازل، ولعدم توفير متطلبات ومقومات الصمود بشكل كاف، جراء ضعف إمكانات البلدية المالية. مشيراّ إلى تلقي الأهالي مساعدات عينية من مجلس الجنوب وغيره. لافتاّ إلى أن محاصيل البلدة الزراعية، تتلف تباعاّ جراء عدم تمكن المزارعين، من رعاية وقطاف مواسم الخير فيها.


المختار هاشم: ولدت في مزارع شبعا

يتابع عبدو هاشم، أحد مخاتير بلدة شبعا، كل ما يتعلق بشؤون البلدة، رغم كل الظروف الصعبة والمعاناة المتعددة.

ويقول هاشم لـ"المدن"، إن الاستمرار بالتشبث بأرضنا، هو أفضل من النزوح. فالنزوح هو بمثابة قهر. مضيفاّ: وُلدت في إحدى مزارع شبعا المحتلة، حيث كان بيتنا وبيوت أعمامي وآخرين. وهي مزرعة" أفوة"، التي يقيم عليها جيش الإحتلال مركزاّ عسكرياّ كبيراّ.

وأضاف هاشم، لتأكيد حقنا الذي لا لبس فيه بمزارع شبعا كاملة، هو تولي القضاء اللبناني، التحقيق في أحداث وقعت في المزارع في العام 1953. ويقول: "لن نتخلى عن مقاومتنا، لا في السابق ولا الآن".

ويتابع المختار هاشم، أن ثلاثة من أبناء شبعا سقطوا شهداء في العام 1971 بقصف إسرائيلي وهم: شحادة موسى وحسين موسى دلة ومحمد قاسم هاشم وأبو طراف ناصر وآخرون. لافتاّ إلى أن خسائر البلدة الزراعية لا تعد ولا تحصى، خصوصاً بساتين الكرز والإجاص وأقفار النحل والمواشي.. حيث نحرم من تفقد بساتيننا منذ عشرة أشهر.


رعاية مسنين

لم تمنع الإعتداءات الإسرائيلية على شبعا من مؤازرة المجتمع المحلي، ومواكبة احتياجات الأهالي، لا سيما المسنين منهم. فقد افتتحت مؤسسة "الأمان" الأهلية في شبعا مركزها الجديد لرعاية المسنين والأطفال في منازلهم، تحت شعار "رغم الحرب والقصف مستمرون".

ويوضح رئيس المؤسسة جميل ضاهر: "الوقوف إلى جانب أهلنا الصامدين، هو واجب وطني وإنساني، ومن شأنه المساهمة في تعلق المواطنين بأرضهم وبيوتهم، ويساعد في مقومات الصمود وبقاء الناس في البلدة، بديلاّ عن النزوح الذي ذاقوه منذ اواخر ستينيات القرن الماضي".

محمد حمدان: أهمية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا

يؤكد رئيس هيئة أبناء العرقوب، الدكتور محمد حمدان، أن مزارع شبعا المحتلة، التي يبلغ عددها 14 مزرعة، كانت مأهولة وتشكل 80 بالمئة من مساحة بلدة شبعا. إذ تبلغ 25 كيلومتر مربع تقريباً. كما أن منطقة تلال كفرشوبا المحتلة تساوي نحو خمسين بالمئة من مساحة بلدة كفرشوبا.

ويضيف حمدان لـ"المدن"، أن هذه المزارع تقع في الجزء الجنوبي الشرقي من منطقة العرقوب، عند مثلث الحدود اللبنانية السورية الفلسطينية، وتعود ملكيتها بالأسماء إلى أهالي شبعا، وتمتد من قمة "الزلقا"، على ارتفاع 2269 متراّ، وهي ثاني أعلى قمة بعد جبل الشيخ، وحتى تل القاضي في سهل الحولة. ويبلغ معدل طولها 25 كلم وعرضها 8 كيلومترات.

ويشير حمدان إلى الأهمية الاستراتيجية للمزارع، حيت تتميز بقممها الجبلية وسفوحها ووديانها وهضابها ومياهها السطحية والجوفية، واختزانها مليار و200 مليون متر مكعب من المياه، حيث تشكل روافد لعدد من الأنهر في الأردن وسوريا ولبنان. مضيفاّ: كما أن المزارع وتلال كفرشوبا، تشكل أهمية جيواستراتيجية كونها تشرف على هضبة الجولان المحتل ومنطقة حوران ودمشق في سوريا، وسهل الحولة في فلسطين، وجبل عامل والبقاع اللبنانيين. ومن هنا تأتي المطامع الإسرائيلية بها والتمسك باحتلالها.


اللواء شحيتلي: مستندات ووثائق

يلفت اللواء عبد الرحمن شحيتلي، في كتابه "الحدود اللبنانية البحرية والبرية"، الصادر حديثاّ، أن من المستندات التي تؤكد لبنانية مزارع شبعا، وثائق المساحة والإحداثيات للحدود، مع المحاضر المتفق عليها بين لبنان والكيان الإسرائيلي، قبل العام 1967 (وكان رئيس الوفد اللبناني المهندس إيلي قاعي ورئيس الوفد الإسرائيلي ساسون مزراحي). وأيضاً الإفادات العقارية لشبعا ومزارعها والنخيلة، الصادرة عن السجل العقاري في صيدا، وسلطة محكمة حاصبيا، التي كانت صلاحياتها القضائية على كامل قرى حاصبيا ومنها شبعا ومزارعها.

ويضيف شحيتلي، الذي تولى رئاسة الوفد اللبناني إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والكيان الإسرائيلي في إحدى المراحل، أنه في العام 1955 ولضروات أمنية ومنع التهريب سمحت لجنة أمنية للسلطات السورية بوضع نقطة مراقبة عسكرية في مزرعة زبدين، مشيراً إلى مراسلة من الحكومة السورية تحت الرقم 547، تاريخ 29/ 9/ 1946 تؤكد أن مزارع شبعا هي تحت السيادة اللبنانية .

كما أن الخريطة الإنكليزية 1932 تؤكد لبنانية مزارع شبعا، كذلك الحدود المرسومة على الخريطة العسكرية الفرنسية الصادرة عام 1920.

تعليقات: