المهندس عدنان سمور
أو ما اصطلح على تسميته بالحلم الأميركي ، هو نمط عيش استهلاكي ، تبنَّاه الغرب الجماعي بضغوط أميركية عملت على فرض هيمنتها بداية على حلفائها الغربيين ، الذين يعتبروا ، هم الآباء الأوائل المؤسسين لأميركا وحضارتها وحلمها ، وبعد ذلك بدأت أميركا تسعى لبسط هيمنتها على بقية العالم ، وبرأي أميركا وغربها الجماعي فإن هذا الحلم الذي تتحقق فيه اعلى درجات الرفاه للإنسان ، الذي يتوقع منه أن ينجذب إليه ، ليتمتع في ظله بالأمن والسكينة والأمان وأعلى درجات الإستمتاع والشعور باللذة ، ولشدة انجذابه اليه ، عليه أن يتخلى عن خصوصياته الحضارية ، وكل ما انتجه اجداده ، من ابداعات وقيم وأديان ومعتقدات ومن عادات وتقاليد وطقوس وأحلام وأمنيات ، على مدى آلاف الأعوام ، ولكن صاحب الحلم الأميركي وأعوانه الغربيين ، إضافة إلى كل ما سبق ، يروا انفسهم في موقع طليعي متقدم ومتفوق بالأصالة ، وهم اصحاب النموذج الحضاري الأكمل للبشرية ، وهم الأقدر على تشخيص مصلحة بني البشر ، من أي إنسان أو شعب آخر ، وكل من يعترض من الشعوب على عولمة الغرب الجماعي لحلمه وقيمه وتوزيعه للأدوار على البشر في مسرحية الحياة ، فهو كائن أو مجتمع متمرد على الحضارة الغربية الراقية ، وكائن أو مجتمع عاجز ومتخلف عن اللحاق بركب التمدن ودورة الحياة السوية ، لذلك على الغرب الجماعي بقيادة اميركا في هذه الحالة ، ان يؤهلوه أو يؤدبون ليصبح جديراً بأن ينعم بالجنة التي يمثلها الحلم الأميركي والنموذج الحضاري الذي انتجه الإنسان الغربي للبشرية .
هذا هو بإختصار المشروع التبشيري الغربي للإنسان بزعامة اميركا ،
ومن هذا المنطلق فإن الغرب الذي اهدانا نظام الإنتداب بناء على إتفاقية سايكس بيكو ، بعد الحرب العالمية الأولى ، ليؤهلنا لنصبح شعوباً جديرة بالإستقلال وبأن نعيش ونستمتع في جنة النموذج الحضاري الغربي ، وأن ننهل من نعمة الحداثة والليبرالية والسوق ، حوَّل هذا الغرب الجماعي عن سابق إصرار وتصميم عالمنا ، إلى دول متصارعة وممزقة ، وفاقدة لبوصلتها الحضارية ، نتيجة عدم إعتمادها انظمة ونماذج حضارية ، نابعة من تجربتها التاريخية ومن حاجاتها الواقعية ، ومن إراداتها وفهمها لطبيعة المشكلات التي تعاني منها ، لتكون هذه النماذج الحضارية منسجمة مع عقلها وروحها وتراثها وتجربتها ، وتكون مقتنعة بها ، لتحياها بعد ذلك بكل حماس وتوجه ودافعية ، وتتمكن من تطويرها ومعالجة نقاط ضعفها وأخطائها ، ولكن الغرب المستعلي والمستكبر ، ظلَّ راكباً راسه ومصراً على غيِّه وعلى صوابية خياراته وتفوقه ، ويعمل على فرضها بكل قوة وصلف وتوحش وقسوة ، رغم المآسي والويلات والخسائر والتضحيات ، والدمار والخراب والأحزان والحروب والكوارث التي تسببت بها مشاريعه وخياراته الملتوية والخاطئة ، وها هو الغرب الجماعي اليومَ ، يتابع دعمه للمشروع الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين بدعم تأسيسي هائل منه ، ولولا هذا الدعم الخارق والمارق ، لما تحقق نشوء هذا الكيان السرطاني في قلب منطقتنا منذ خمسة وسبعين سنة مضت ، وهذا الدعم الغربي الجماعي بزعامة أميركا للكيان الصهيوني يتسبب للمنطقة ولشعب فلسطين على وجه الخصوص ، بنزف بشري مُفجع فيما تبقى من تجمع بشري من ابناء فلسطين بعد الطرد والإبعاد والمجازر والحروب اللامتناهية .
امام هذا الواقع المتوحش الذي تمارسه أميركا وغربها الجماعي وكيانها الصهيوني الغاصب لفلسطين ، وأمام هذا الإجماع من شعوب المنطقة ، الرافضين للتدخل الغربي في شؤون منطقتنا والعالم ، تُصِرُّ أميركا وغربها الجماعي وقاعدتهم المتقدمة ، ان يقنعونا بأن نتعلق بالحلم الأميركي ، ونتخلى عن الجهاد والتضحيات والممانعة والمقاومة ، وإلا فإنهم سيدمرون حياتنا وامننا وعنفواننا واحلامنا واستقلالنا وثقافتنا وتاريخنا ومستقبلنا ، وحجرنا وبشرنا وشجرنا وعصافيرنا وفراشاتنا وورودنا وزهراتنا ، وقرآننا وانبيائنا وأوليائنا ، كلُّ هذا من أجل الحلم الأميركي الموعود .
هل سمع بشريٌّ في يومٍ من الأيام بمبشِّرٍ بحلمٍ ونموذجٍ حضاريٍ ، أكثر توحشاً وإجراماً وتسلطاً من اميركا وغربها الجماعي ؟
إن التوحش يا احبتي لا يصلح ديناً ولا يصلح مذهباً إلا للوحوش ، وعلى البشرية أن تسعى بكل ما أوتيت من قوة ، إلى حماية الإنجاز الحضاري الإنساني العظيم من وحوش الحداثة المتمردين على الفطرة الإنسانية وعلى خالق الفطرة الإنسانية ، لأنه بغير هذا الخيار ، لن يكون هناك خلاص للبشرية .
عدنان ابراهيم سمور
باحث عن الحقيقة
03/08/2024
تعليقات: