يسعى رئيس التيار جبران باسيل إلى طرد من تبقى من الرعيل الأول المؤسس (المدن)
في رسالة موجهة ضد رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل، وعمّه "الجنرال" ميشال عون، قدم النائب سيمون أبي رميا استقالته من "التيار". واعتبر أن "كل قيادي يستمدّ شرعيته من تاريخه وحاضره ومساهمته في التيار على مدى أربعة عقود، تحوّل إلى هدف للإقصاء، لأنه لا تنطبق عليه مواصفات مشروع التوريث الذي يراد أن يقوم عليه "التيار الجديد". وقال فيها "قررت أن أنهي رحلتي كشاهد على تحلّل مؤسسة شاركت في تأسيسها وساعدت في تطويرها".
الخيانة والطعن بالظهر
كما سبق وكشفت "المدن"، قدم أبي رميا استقالته من "التيار" بعد خمسة أيام على فصل النائب الآن عون. التزم أبي رميا بالاتفاق المعقود بين النواب بمواجهة أي خطوة يتخذها باسيل بحق أي واحد منهم، وأبدى تضامنه مع رفيقه آلان عون. هذا فيما لم يصدر أي بيان مماثل عن نائب المتن إبراهيم كنعان بعد. وفيما يشير البعض إلى أن كنعان لن يتجرأ على الإقدام على هذه الخطوة، تلفت مصادر متابعة إلى أنه سبق وأرسل كنعان كتباً عدة إلى باسيل لحل الخلافات في "التيار". وأعرب عن امتعاضه من رد فعل باسيل في عدم مبالاته بكل الوساطات، التي انتهت باتخاذ قرار طرد عون من "التيار". وعما إذا كان سيقدم على خطوة مماثلة لتلك التي أقدم عليها أبي رميا، أكدت المصادر أن كنعان يعلم أن موسى جبران بات على رقبته. وحتى لو تراجع إلى الوراء، كما فعل النائب أسعد درغام، يعلم أن لا عودة إلى الوراء بقاموس باسيل. وبالتالي، سيكون له موقف من قضية طرد زميله ورفيقه في تأسيس "التيار" آلان عون، وربما يعلن استقالته أو يكتفي بإعلان موقف احتجاج.
وتلفت المصادر إلى أن عون بعد طرده من التيار، لم يطالب النواب الثلاثة (كنعان وأبي رميا وأسعد درغام) بإعلان أي موقف. تركهم يقدمون على ما يرونه مناسباً في كيفية إبداء التضامن، المتفق عليه سابقاً. لكن بعد استدارة نائب عكار أسعد درغام وإعلان موقف مؤيد لباسيل في طرد زميله من "التيار"، وجه النائب عون رسالة عنيفة حول "الخيانة" و"الطعن بالظهر" التي تعرض لها منه. فمنذ البداية كان درغام الحلقة الأضعف بين النواب الخمسة (يضاف إليهم نائب رئيس المجلس النيابي الياس بو صعب)، أو ربما أوهمهم أنه إلى جانبهم. وقد استغرب النواب كيف أقدم درغام على هذه الاستدارة، فيما كان بإمكانه الصمت أقله، طالما أنه مغلوب على أمره. فقد سبق وتعهد أمامهم وأمام قوى حزبية وشخصيات سياسية وعامة، بأن إقدام باسيل على طرد أي رفيق له سيكون موقفه واضحاً ولا لبس فيه بالاستقالة. لكنه تراجع وعاد للانضواء تحت جناح باسيل، رغم علمه المسبق أن باسيل قرر أن لا نيابة له في عكار في الانتخابات المقبلة.
القضاء على الرعيل المؤسس
ما أقدم عليه باسيل في قيادته لـ"التيار" وفي قراراته الأخيرة بحق النواب، هو طرد ما تبقى من الرعيل الأول المؤسس. فخوف باسيل من فقدان سيطرته المطلقة على "التيار"، بعد رحيل "الجنرال"، دفعه إلى اتباع سياسة "التشحيل" والطرد لكل الرعيل الأول، مبقياً على الأشخاص الذين "يبصمون له بالعشرة". ورغم تراجع شعبية "التيار" رويداً رويداً منذ تسلم باسيل، ما زال الأخير يسير في النهج عينه. ففي آخر انتخابات نيابية تراجعت شعبية التيار إلى عشرين بالمئة في جبل لبنان. ومن المتوقع أن تنحدر إلى ما دون العشرة بالمئة في الانتخابات المقبلة بعد استقالة المزيد من النواب والقياديين في "التيار". علماً أن باسيل حصل على ثمانية نواب بفضل حزب الله وليس بقوة "التيار" الذاتية. ما يعني أنه بات محكوماً أكثر برحمة الثنائي الشيعي. لكن رغم استدارة باسيل الأخيرة تجاه حزب الله ورئيس مجلس النواب نبيه برّي فالحسابات السياسية معقدة. والسؤال الذي يطرحه متابعون: هل يضع الثنائي الشيعي كل بيضه في سلة باسيل المثقوبة، فيما بات الثنائي يعلم أن شعبية باسيل المسيحية غير مفيدة؟
ووفق معلومات "المدن" لن تقتصر الأمور في "التيار البرتقالي" على استقالة النواب. بل ثمة قياديين في التيار يستعدون لتقديم استقالتهم أيضاً، لأنهم باتوا في تيار لا يشبههم ولا يشبه تاريخهم. وثمة أفكار عدة قيد التداول لتشكيل جبهة سياسية متنوعة تضم شخصيات من كل المناطق ولا سيما من جبل لبنان والجنوب والبقاع والشمال.
رسالة استقالة أبي رميا
كتب النائب سيمون أبي رميا في رسالة الاستقالة:
"منذ 18 ايلول 1988، منذ أن أطلق صرخة "لا" ضد كل من يتآمر على الوطن، وأنا ملتزم به قولاً وفعلاً وقلباً وجسداً… 36 عاماً جنباً إلى جنب وخلف العماد ميشال عون للمساهمة في تأسيس الحالة الوطنية السيادية ضد كل الاحتلالات الأجنبية وهيمنة الميليشيات. وبعد مرحلة النضال الصادق والتفاني المجاني، أسسنا معه ومع الرفاق الشرفاء تياراً وطنياً حرّاً ليكون نقيضاً لكل الموروثات الحزبية التقليدية، إجلالاً لكل الشهداء العسكريين والمدنيين الذين سقوا الوطن بدمائهم لكي يبقى لبنان ويبقى شعبه العظيم.
بدأت الرحلة إلى المعترك السياسي، وبعد "السيادة والحرية والاستقلال"، جاء زمن "التغيير والإصلاح"، ثم حلم بناء "لبنان القوي".
في مرحلة التأسيس كان نظامنا الحزبي يقوم على الشراكة الحقيقية والمشورة الجادة والديمقراطية الإيجابية. لكن سرعان ما بدأ الانحراف عن تلك الأسس، فتحوّل نظامنا تدريجياً إلى نظام رئاسي وبدأت مسيرة الانتقال من التعددية الفكرية الغنّية نحو الأحادية والتفرّد.
بموازاة هذه التعديلات التي ضربت في الصميم الفكرة الأساسية المتمثلة في تأسيس تيار ديمقراطي نموذجي، بدأت سلسلة التراجع الشعبي في الانتخابات النيابية المتعاقبة. وبعد تسونامي عام 2005، وصل التيار إلى أدنى نسبة من الأصوات في انتخابات 2022.
ورغم أن ذلك أثار أسئلة جادة من الضنينين على استمرارية التيار وطالبوا بتقييم المرحلة السابقة بجوانبها الإيجابية والسلبية، إلا ان هذه الأصوات لم تلقَ آذاناً صاغية، فاستمرت قيادة التيار بسياسة "دفن الرؤوس في الرمال" وعدم مواجهة الحقيقة. وبدأ العمل الجاد لطي صفحة التيار التاريخي الأصيل عبر إقصاء رموزه وخلق حالة جديدة موالية للشخص وليس لقضية أو برنامج. وقد ترافق ذلك مع تنفيذ أجندات شخصية ومصالح ضيقة على حساب المصلحة الوطنية الكبرى. واستكملت عملية "التطهير" التي بدأت منذ عدة سنوات، لتطال تباعاً الكوادر والناشطين المؤسسين، فضلاً عن الوزراء والنواب السابقين والحاليين.
اذ تحوّل كل قيادي يستمدّ شرعيته من تاريخه وحاضره ومساهمته في التيار على مدى أربعة عقود، هدفاً للإقصاء لأنه لا تنطبق عليه مواصفات مشروع التوريث الذي يراد ان يقوم عليه "التيار الجديد". واذ بنا نشهد تباعاً نسخة حزبية عن مسلسل "عشرة عبيد صغار" الشهير بفصول وسيناريوهات مختلفة لكل واحد منهم. ويحزّ بقلبي ان تتصادف كتابة هذا البيان مع ذكرى 7 آب 2001 للتأكيد على صحة ما أقول. وإذ بأكثرية المناضلين المعتقلين في هذا اليوم أصبحوا خارج التيار جراء الاقصاء او الطرد او الاستقالة.
ورغم كل الملاحظات والاختلافات على الادارة الحزبية، بقيت أميناً الى جانب العماد عون طالما كان في مهامه السياسية وكان آخرها رئاسة الجمهورية. اما وقد انتقلنا اليوم الى حصرية قيادة التيار عبر الرئاسة الحالية للحزب، فهذا ما يضاعف تطلّعنا وحاجتنا الى ادارة تشاركية لرسم خياراتنا وقراراتنا الاساسية والمصيرية على صعيد البلد.
لكن تخلّف قيادة التيار عن الاستجابة مع تطلّعاتنا لإدارة شؤون التيار والبلاد وحقنا في المشاركة في صياغة قرارات حزبية، بطريقة فعلية وليس فقط صورية، ولأن قصة الالتزام أصبحت كقصة "إبريق الزيت"، وهي حقّ يراد به باطل، لأنه واقعاً الزام بسياسات وخيارات لا شراكة فعلية في صياغتها، قررت أن أنهي رحلتي كشاهد على تحلّل مؤسسة شاركت في تأسيسها وساعدت في تطويرها.
إنه يوم حزين على المستوى الشخصي أن أعلن خروجي من "الإطار التنظيمي للتيار الوطني الحر"، لكنني سأبقى مخلصاً للمبادئ الوطنية لهذه الحالة السياسية التي رافقتها طويلاً، والتي انتجت ظاهرة استثنائية في تاريخ لبنان الحديث.
ان الانتماء الحقيقي والاخلاص للتيار الوطني الحر هو ليس بالعاطفة او الشعارات، بل بممارسة القناعات الصحيحة وبتقديم نموذج من الإداء والسلوك السياسي والنيابي الفاعل والبنّاء، وأنا على يقين أن ما أعبّر عنه في هذه الرسالة الوجدانية، إنما أتشارك به مع أغلبية كبيرة من مجتمعنا الحزبي والوطني، ولن اسمح لأي أصوات موجّهة ستسارع الى الافتراءات والاتهامات والتخوين، بأن تؤثّر على تصميمي لاستكمال عملي الايجابي في خدمة وطني".
تعليقات: