يارين وأخواتها وحكايا التهجير: من أين أتت عشائرها العربية؟

تعرضت يلرين لتهجير أهلها وتدمير غالبية منازلها العام 1977 (Getty)
تعرضت يلرين لتهجير أهلها وتدمير غالبية منازلها العام 1977 (Getty)


حدب يارين، حدب البستان، بركة ريشا، الجرداح، والعرامشة، هي مجموعة مواقع للاحتلال الإسرائيلي، ترتبط أسماؤها بقرى حدودية لبنانية، تروي كل واحدة منها تاريخاّ من جذور العشائر العربية، من فلسطين إلى الأردن والعراق والسعودية والكويت.

تتآخى هذه البلدات الصغيرة عددياّ، يارين، مروحين- أم التوت البستان، الزلوطية، والضهيرة، التي يمتد تاريخ تأسيسها إلى حوالى ثلاثة قرون، مع جاراتها علما الشعب غرباّ، والجبين وشيحين شمالاّ، وراميا شرقاّ. ولبعض عشائرها "العرامشة"، صلات أرحام وقربى في الجانب الفلسطيني المحتل.

لم يبق في هذه القرى، التي تتعرض لاعتداءات إسرائيلية واسعة، منذ اليوم الأول لإندلاع حرب الإسناد والإشغال دعماّ لغزة، وسقط فيها عدد من الشهداء ودمرت وتضررت مئات المنازل وإحراق أشجار الزيتون.. أحد من أبنائها، لا سيما في المرحلة الأخيرة، تزامناّ مع تصعيد إسرائيل لقصفها وغاراتها، التي أوقعت شهداء من أبناء الضهيرة ويارين والزلوطية، وثلاثة أطفال من التابعية السورية في مروحين.

يتوزع الآلاف من نازحي هذه البلدات في ضواحي صور ، لا سيما الزراعة والمساكن الشعبية، وفي مراكز الإيواء وصولاّ إلى منطقة العاقبية، حيث توجد في المنطقة مئات العائلات من بلدة يارين، منذ التهجير الأول في العام 1977، وغيرها من المناطق اللبنانية، بما فيها بيروت.

كغيرهم من أبناء البلدات التي نزح أهلها عنها، من الناقورة، مروراّ بعيتا الشعب وعيترون وبليدا وكفركلا وميس الجبل وحتى كفرحمام وكفرشوبا، يعيشون على أمل دائم بالعودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم وزرعهم، الذي يبس وإحترق بالقنابل الفوسفورية.


يارين: بين تهجيري 1977 و 2024

بلدة يارين أكبر بلدات المنطقة، والبالغ عدد سكانها نحو خمسة آلاف فرد، من عشيرة عرب " القليطات"، يقيم نصفهم خارجها قبل بدء العدوان، سقط فيها شهيدان، هما علياء عبد الكريم، التي استشهدت بصاروخ من طائرة إسرائيلية مسيّرة، وإسماعيل علي مطلق، الذي سقط "شهيداّ على طريق القدس"، فيما دمرت وتضررت عشرات المنازل في البلدة والمدرسة والمسجد.

تعود حكاية يارين وأهلها مع اعتداءت العدو الإسرائيلي إلى تاريخ إنشاء دولة الكيان الإسرائيلي في العام 1948، حين انخرط الكثير من أبنائها في الدفاع عن القضية الفلسطينية، وتم تهجير أهلها وتدمير غالبية منازلها العام 1977، على يد إسرائيل وعملائها من ميلشيات سعد حداد.

لايوجد في بلدة يارين، التي تأسس فيها أول مجلس بلدي في العام 1963، مجلس بلدي قائم بعدما جرى حله على ضوء الخلافات بين المتنافسين الفائزين، في آخر إنتخابات بلدية العام 2016. فتعمل قائمقامية صور على تسيير أمورها الإدارية.

يؤكد رئيس بلدية يارين السابق غسان مطلق، أن ليارين تاريخاً مشهوداً في المقاومة ورفض التعامل مع العدو الإسرائيلي، الذي وفر الدعم لميسلشيات سعد حداد، بمهاجمة البلدة في الثاني من تموز العام 1977، فسقط من أبنائها 16 شهيداّ وشهيدة، ودمرت غالبية بيوتها، التي ما يزال الكثير منها من دون إعادة بناء، لتبقى شاهدة على هذا العدوان على البلدة، بينما سقط في العدوان نفسه آنذاك، شهيدان من بلدة البستان، كان سبقهم استشهاد مدير مدرسة المقاصد في يارين عطا إسماعيل الخليل، ونزيه مطلق دياب، بهجوم لقوة كومندوس إسرائيلية في شباط 1976.

ويقول مطلق لـ"المدن"، إن أهالي بلدة يارين، الذين هجرهم العدو حينها، توزعوا في أنحاء لبنان، وصولاّ إلى منطقة البقاع والشمال، وأنشأوا منطقتهم على أرض بلدة البيسارية، في منطقة الزهراني، والتي تعرف بإسم يارين الثانية. مؤكداّ بأن العدوان الحالي تسبب بنزوح كل أهالي يارين الذين كانوا يقيمون فيها، ويتعدى عددهم الألفين وخمسمئة شخص، حيث يسكن غالبيتهم في منطقة صور، ويهتم بتأمين سكنهم حزب الله، إلى جانب مساعدات مالية وتموينية وأدوية إسوة بالنازحين من المناطق الحدودية.

ويضيف مطلق، إن العدوان الإسرائيلي حرم الأهالي، مثلهم مثل جيرانهم في الضهيرة ومروحين والبستان وعلما الشعب والجبين وسواها، من موسم الزيتون، الذي احترقت كميات كبيرة منه، وخسارة موسم التبغ، إلى جانب الخسائر والأضرار في الثروة الحيوانية. مؤكداّ بأن غالبية الذين كانوا يقيمون في البلدة قبل العدوان، يعتمدون في عيشهم ورزقهم على القطاع الزراعي، فيما يعتمد الكثير من الأهالي على تأمين متطلبات حياتهم من الوظيفة العامة في الأسلاك المدنية والعسكرية والتعليم.


يارين الجديدة في العاقبية

يوجد في منطقة العاقبية التابعة لبلدة البيسارية، جنوب مدينة صيدا، حوالى 270 عائلة من بلدة يارين، من بينها 70 عائلة نزحت مع بدء العدوان الإسرائيلي، فيما استقرت العائلات الأخرى على التوالي، منذ العام 1979، أي بعد تهجير اهالي البلدة في العام 1977.

ويلفت سامر العقلة، وهو مختار سابق لبلدة يارين، يقيم في هذا التجمع السكاني الكبير، أن عدد عائلات يارين يقارب 800 عائلة، من ضمنها 190 عائلة كانت تقيم في يارين قبل بدء العدوان الحالي، و200 عائلة في العاقبية، بينما تتوزع العائلات الباقية في صور وضواحيها، لا سيما الزراعة والمساكن الشعبية وأبو الأسود والسماعية ومنطقة بئر حسن قرب بيروت وغيرها من المناطق اللبنانية.

ويؤكد العقلة لـ"المدن"، أن يارين التي دمرت في العام 1977، لم تنل حقها من التعويضات بعد التحرير وعودة الأهالي، مشيراّ إلى ان غالبية النازحين الى العاقبية يتواجدون في بيوت أقاربهم، وهناك عائلات قليلة استأجرت منازل. وجميع هذه العائلات تحصل على مساعدة مالية شهرية وحصة غذائية من حزب الله.


أصول عرب "القليطات"

ينتمي أهالي يارين والزلوطية ومروحين، إلى عشيرة " القليطات"، فيما ينتمي أهالي بلدة البستان، إلى عشيرة عرب "الخريشة"، وهي أحد أفخاذ القليطات، بينما ينتمي أهالي بلدة الضهيرة إلى عشيرة عرب "العرامشة"، الذين سلخهم ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين عن بعضهم البعض العام 1923، فبقي قسم منهم داخل الأراضي الفلسطينية، في ضيعة العرامشة، التي يفصلها جدار إسمنتي عن أهلهم في الضهيرة.


الاسماعيل: موجودون منذ 3 قرون

يطل إبن بلدة الزلوطية، المربي حسن دياب الإسماعيل 86 عاماّ، في دراسة توثيقية على تاريخ قدوم جد عشيرة "القليطات" إلى الجنوب واستقراره عند عين بلدة يارين كبرى بلدات المنطقة.

يقول الإسماعيل إن هذه العشيرة هي فرع من قبيلة "عنزة" الموجودة بكثرة في المملكة العربية السعودية والكويت وسوريا والعراق والأردن، ومنها آل علي الصغير في لبنان وغيرهم. وقبيلة عنزة تنسب إلى عمرو ابن ربيعة ابن نزار ابن مُعد وابن عدنان. والعنزة هو الرمح القصير، الذي كان يحمله عمرو دائمًا.

ويتابع الإسماعيل في بحثه التوثيقي، الذي لم ينشره بعد أن "القليطات" تنسب إلى قليط وهو لقب لرئيس قبيلة، ومعنى قلط أنه شجاع وصاحب رأي، مضيفاّ أن قاسم القليطي جاء إلى عين بلدة يارين مع رعيه من الماشية، وسكن المكان نظرًا لوجود المياه لتلبية حاجته وحاجة قطيعه قبل نحو ثلاثة قرون، قبل قانون "فرمان" تملك الأراضي الذي أقره العثمانيون حينذاك.

ويضيف المربي الاسماعيل لـ"المدن"، أن قاسم القليطي ذهب من يارين إلى "المنوات" في فلسطين المجاورة، لطحن كمية من الحنطة في إحدى المطاحن الحجرية هناك، حيث التقى في طريقه بشابين قادمين من شرقي الأردن إلى شمال فلسطين بحثًا عن الرزق، ودار بينهم حديث، ثم أخبراه أنهما من بني وائل، فقال القليطي أنا أيضًا من بني وائل وأقيم في يارين، فاصطحبهما في طريق العودة إلى مكان إقامته، فسكنوا المنطقة معاّ ثم تكاثروا، ولهم حاليًا أجباب من الخبابزة والبدادرة من ضمن عشيرة القليطات التي تتفرع منها أيضًا "النهيشات والخبابزة والبدادرة وعرب الخريشة".

تعليقات: