بدأً من مهاتير محمد في ماليزيا ، مروراً بالإمام الخميني في إيران ، وصولاً لنصير الفقراء محمد يونس في بنغلادش ، وآخرون ينتظرون ان ينصفهم الدهر ليكونوا في بلادهم بخدمة الفقراء المسحوقين والمستضعفين ، ضحايا الفساد وضحايا انظمة الهيمنة المتسلطة على العالم ، هذه الأنظمة الساعية باستمرار لنهب الثروات ، وإعاقة مشاريع النمو والتطور لهذه الشعوب المستضعفة .
من هو محمد يونس ؟
هو الفتى التاسع في اسرته ، ابن الصائغ البنغالي المسلم ، والعائلة الميسورة التي ادخلته الى جامعة معتبرة في بنغلادش ليتعلم الإقتصاد ، وليكون رجل اعمال ناجح ، وصاحب ثروة عظيمة ، يتمتع بها مع اسرته ، لكن محمد يونس المتأثر بوالدته المتعاطفة مع الفقراء والمستضعفين ، لفت نظره الفارق الهائل بين الإقتصاد الذي درس عنه في الجامعة ، وبدأ يدرِّسه فيها بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من الولايات المتحدة الأميركية ، وبين الفقر الموجود في محيط الجامعة ، وفي كل مكان في بنغلادش ، فإيقن أن هناك مشكلة في بنغلادش ، لا تحلها علوم الجامعة ومقرراتها ، فشمر عن ساعديه وكلف احد طلابه ، بالقيام بجولة احصائية على اصحاب المهن الصغيرة ، في محيط الجامعة ، خاصة النساء ، ليطَّلع على حاجاتهم والمشاكل التي يعانون منها ، وكم كانت صدمته كبيرة ، حين إطلع على نتيجة الإحصاء ، الذي تبين فيه أن 42 امرأة عاملة في صناعة الخيزران تحتاج مجتمعةً الى 27$ لتؤمن استقلالاً مادياً في عملها وتتخلص من المرابين الذين يؤمنون لها ما تحتاج من خيزران ويبقونها مرتهنة لديونهم مدى الحياة ، رغم صغر المبالغ ، فأقرضهم محمد يونس من جيبه الخاص بدون ضمانات ، واعادوا له امواله بعد مدة وشكروه ، وهكذا بدأ يطور فكرته ويمأسسها ، رغم استخفاف اصحاب البنوك بأفكاره ، حتى تمكن في نهاية المطاف من تأسيس بنك غرامين (بنك الفقراء) ، الذي ساهم في إحداث نقلة نوعية في محاربة الفقر في بلاده ، وفي انجاز حالة من النمو التي تحتاجها الطبقة المستضعفة ، وقد وصل بنك الفقراء الى مرحلة من التطور ، وفقا للموقع الإلكتروني للبنك ، بحيث افتتح فروعه في 40 منطقة، ويمتلك 40 مكتب تدقيق، و2568 مكتبا فرعيا، ويبلغ عدد موظفيه حتى شهر كانون الثاني عام 2024 نحو 22 ألف موظف ، وصار له فروع في كل من (ماليزيا والفلبين ونيبال والهند وفيتنام) إضافة لماليزيا .
بسبب مشاريعه الناجحة في محاربة الفقر ، حصل محمد يونس على 50 شهادة دكتورا فخرية من 20 دولة ، و113 جائزة دولية اخرى .
كما فاز محمد يونس بجائزة نوبل للسلام .
مرشح المحتجين
اندلعت احتجاجات شعبية أطلق عليها المحتجون "حصار بنغلاديش" منتصف عام 2024، بسبب توزيع الوظائف الحكومية بطريقة محاصصة، وتسببت هذه الاحتجاجات بمقتل المئات واندلاع أعمال شغب في مختلف أنحاء البلاد، الأمر الذي جعل رئيسة الوزراء حسينة واجد تستقيل من منصبها وتفر إلى الهند عبر طائرة عسكرية في الخامس من أغسطس/آب.
وطالب المحتجون عقب استقالة حسينة بأن يرأس الحكومة المؤقتة محمد يونس، فعاد من العاصمة الفرنسية باريس -حيث كان يتلقى العلاج- إلى بنغلاديش يوم الخميس 8 آب 2024، وأدى وحكومته المؤقتة اليمين الدستورية مساء اليوم نفسه.
علينا ان نشجع هذه الظواهر الإيجابية في العالم ، لأنها تساهم في تنمية المجتمعات المحرومة والمتخلفة ، وتخلِّصها من أنظمة ، الفساد المتحكمة بالعباد , وتؤكد ان الشعوب اذا تركت حرة فإنها قادرة على اكتشاف طرف خلاصها ، ورقيها ، وتحقق لها التطور والحياة الكريمة التي تستحقها ، بدل مشاريع التحديث الغربية التي تفرض على مجتمعاتنا بالقوة ، متهمةً إيانا بأننا ظلاميون وارهابيون وعاجزون عن مواكبة ركب الحضارة ، وتتهمنا بأننا عشاق موت ، وهم رغم قتلهم وذبحهم لنا ، وهدمهم لعمراننا ، ومحاولاتهم إبادتنا ، فإنهم حضاريون وعشاق حياة وعصريون ومتمدنون وصناع حضارة متفوقة ، وعلينا اتباعها واتباع تعاليمها ، وإلا فإنه يجب شطبنا على أيديهم من قائمة الوجود .
إن العقل الإستعماري المتسلط والساعي للهيمنة والمدعي للتفوق على بقية شعوب الأرض ، ما زال مستحكماً في هذا النظام العالمي المعاق ، الذي تعتبر منظمة الأمم المتحدة فيه ، هي المؤسسة الدولية التي يفترض بها أن تكون ناظمة لعلاقات الدول ، ولحل مشاكلها بالطرق السلمية والحوار البناء ، تتعرض هذه المنظمة منذ نشأتها لعملية تعطيل ممنهجة للدور الذي أنشئت لأجله ، من قبل الأولغارشية العالمية المحتكرة للثروات وللقوة ، وتحرص هذه العصابة العالمية كل الحرص ، على إبقاء الواقع العالمي المأزوم والمتفجر ، على حاله ، لكن أيها الأعزاء ، سيعيد الجنوب إختراع العالم مجدداً ، كما قال برتراند آبد ، المفكر الفرنسي من أصل إيراني ، لأن الإذلال التاريخي والحرمان والظلم والعدوان التاريخيين لشعوب الجنوب ، إستفحل وضعها ، وبدأت علامات مشاريع نهوض الشعوب ، وثورتها وإنتفاضتها ، تتضح وتتسع ، وسيتم تخليص الكوكب من الأشرار المتوحشين في الآتي من الأيام بإذن الله ، والى مزيد من القيادات القادرة على تأمين حياة أكثر عدلاً وإنصافاً لبني البشر ، لتتكاتف الجهود ، ويتم إلغاء الهرمية المفتعلة بين الشعوب والأنظمة ، ويبدأ الإنسان بالتعاون والتكامل والحرية ببناء ، حضارته ، بدل التسلط والفرض والحروب والقتل والإبادة .
إن الإنسان المستضعف يستحق خلاصه ، ويستحق ان يتمتع بحقوقه وحريته ، مثل بقية شعوب الأرض .
عدنان ابراهيم سمور
باحث عن الحقيقة
08/08/2024
تعليقات: