(أليكس فاين)
أنت لست «معقلاً للمساواة والتقدم، وأنت وصفت اللغة العربية بأنّها لغة العدو، وقد تمّت مقاضاتك بسبب التمييز العنصري مرّات عدّة، وشراؤك تويتر يهدف إلى تحويله إلى مصرف وجمع بيانات المستخدمين لمصلحة الاستخبارات الأميركية والإسرائيلية»! هذا غيض من فيض من التصريحات التي أطلقتها ابنة مالك إكس (تويتر سابقاً) فيفيان جينا ويلسون ضدّ والدها الذي حوّل المنصّة معقلاً لليمين والفاشية ومنبراً لزرع الفتن والتحريض على الحروب الأهلية
في الآونة الأخيرة، يحتلّ إيلون ماسك عناوين الصحف والمواقع الإلكترونية بشكل متزايد. بين تحريضه على الرئيس الفنزويلي المنتخب نيكولاس مادورو ومحاولته زرع الشقاق والكراهية ضدّ المهاجرين في بريطانيا والتحريض على الحرب الأهليّة، وتصوير نفسه على أنّه حامٍ لحرّية الرأي فيما رجلاه غارقتان في وحول الاستخبارات الصهيونية ومحاربته المعلنين على موقعه، تطلّ ابنته المتحوّلة جنسيّاً فيفيان جينا ويلسون لتفضح نواياه وتسبّب له صداعاً حقيقيّاً. في الأيّام الماضية، انتشرت بشكل كثيف على مواقع التواصل الاجتماعي تعليقات لويلسون أدلت بها يوم الإثنين، اتّهمت فيها والدها بأنّه «زانٍ متسلسل». تصريحات ويلسون، التي غيّرت قانونيّاً جنسها واسمها من زافيير ألكسندر ماسك بعد بلوغ سنّ الـ18 عاماً في عام 2022، أتت على أثر تعليق آخر كتبه ماسك على منصّة X المملوكة له، ردّاً على مقطع يظهر فيه مع أطفاله، مفاده: «جميع الأولاد الخمسة سعداء جداً». علماً أنّها صرّحت من قبل بـ «أنني لم أعد أعيش مع والدي البيولوجي، ولا أرغب في الارتباط به بأي شكل من الأشكال».
«انظر، لا أعرف إن كنت تصدّق ذلك حقّاً أم أنّك تعيش في أرض الخيال الوهمية الخاصّة بك، وبصراحة لا يهمّني» كتبت ويلسون على موقع «ثريدز» الذي أطلقته «ميتا» كي يكون منافساً لإكس (تويتر سابقاً). وأكملت: «يبدو لي أنّك تحاول ترميم صورتك التجارية كأب حنون، وهو ما لن أسمح بمروره مرور الكرام. صدقاً، إنّه أمر مثير للشفقة تماماً»، متّهمةً إيّاه بعدم قول الحقيقة بشأنها. وردّاً على استخدامه تعابير في وصفها مثل «نيوماركسية/ شيوعية غُسل دماغها في المدرسة لتكون متحوّلة جنسيّاً» و«تعتقد أن الثراء شرّ»، سألت ويلسون والدها: «هل هذا أفضل ما لديك؟».
ما سبق لم يكن أهمّ ما كتبته ويلسون، إذ إنّ ما أكملت به هو ما جعل تعليقاتها تنتشر بسرعة البرق: «أفهم أنّ زاويتك الجديدة هي «رجل العائلة المسيحي ذو القيم الغربية» لكنّه خيار غريب. أنت لست رجل عائلة، أنت زانٍ متسلسل لا تكفّ عن الكذب بشأن أطفالك. أنت لست مسيحيّاً، وعلى حدّ علمي لم تطأ قدماك كنيسة يوماً. أنت لست «معقلاً للمساواة والتقدم». أنت وصفت اللغة العربية بأنّها «لغة العدو» عندما كنتُ في السادسة من عمري، وقد تمّت مقاضاتك بسبب التمييز العنصري مرّات عدّة، فضلاً عن كونك من جنوب أفريقيا معقل «الأبارتايد». أنت لا «تنقذ الكوكب»، ولا تكترث لتغيّر المناخ، وتكذب بشأن الحضارة متعدّدة الكواكب لاستخدامها كذريعة وكي تظهر بصورة شخصية المدير التنفيذي كما في فيلم Ready Player One. كنت أودّ أن أذكر مسألة معدّل المواليد (في إشارة إلى موقف ماسك السلبي من انخفاض معدّل المواليد والإجهاض، ودعوته إلى التكاثر)، ولكن لا أقترب من هذا الهراء حول التكاثر والمكوّن من 14 كلمة، حتّى ولو كان بيَدي عصا بطول عشرة أقدام. لقد خيّبت أملي بمفردك بسبب مدى سذاجتنا كجنس بشري، فالناس مستمرّون في تصديقك كما يبدو، لأسباب لا تزال تفوتني».
وبعد إعادة نشرها تعليقات ويلسون وتلقّيها تعليقات تدافع عن ماسك، ردّت فيوريلا إيزابيل، الصحافية في قناة RT ذات التوجّهات الماركسية، في منشور آخر: «كثر يدافعون عنه ويتحّدثون عن مشكلات ابنه النفسية. أوّلاً، من يهتمّ؟ لا أكترث للمشكلات الجنسية، ولستم علماء نفس. ثانياً، إيلون يدفع بعمليّات تغيير نظام في فنزويلا وبسرديّات «فرّق تسد» في المملكة المتّحدة. هو متورّط مع الاستخبارات الإسرائيلية. ما يقوله الولد عنه أمر مهمّ وفاضح، والمشكلات الجنسية لا تغيّر من شخصية إيلون».
وكان ماسك قد قال في مقابلة مع عالم النفس اليميني المحافظ جوردان بيترسون الشهر الماضي، إنّه فقد ابنه زافيير (اسم فيفيان جينا ويلسون قبل تغييره) بعدما «قتله فيروس عقل الـwoke»، كما وصف نفسه بأنّه «مسيحي ثقافي». وأضاف أنّ «الأطبّاء لم يشرحوا لنا بأنّ الأدوية التي سيتناولها ابني ستجعله عقيماً إلى الأبد، ثمّ تحوّله إلى أنثى مشوّهة وعقيمة بالتأكيد»، متّهماً الأطبّاء الذين يشجّعون على تغيير جنس الأطفال بأنّهم «طواغيت ينشرون فيروساتهم»، ومعقّباً: «هم أجبن من قول الحقيقة العلمية خوفاً من نبذهم». وادّعى ماسك في حينه بأنّه قرّر مواجهة «الفيروس» وتدميره، وأنّه يحرز بعض التقدّم في هذا الخصوص. وكان قد قال سابقاً إنّه فقد ابنه إلى الأبد بسبب تغيير جنسه، معتبراً أنّه «ميت»، ما استدعى ويلسون إلى وصفه في مقابلة مع CNN بالأب «البارد وغير المبالي والنرجسي وسريع الغضب»، مضيفةً أنّ والدها «ضايقها عندما كانت طفلة بسبب صوتها العالي ومظهرها الأنثوي».
وكانت ويلسون قد انتقدت في مقابلة مع الصحافية ويتني ويب «مَن يصفون أنفسهم بمخلّصي الصحافة» بما في ذلك إيلون ماسك، مشيرةً إلى أنّ ماسك لا يهدف من شراء «تويتر» سوى إلى تحويله إلى مصرف، وجمع بيانات المستخدمين لتدريب منظومة الذكاء الاصطناعي الخاصّة به (المندمجة الآن مع X تحت اسم Grok، وهي متوافرة بعد الاشتراك بالخدمة المدفوعة فقط، مع الإشارة إلى أنّ ماسك رفع دعوى قضائية ثانية ضدّ شركة OpenAI المالكة لـChatGPT يوم الثلاثاء، بزعم انحرافها عن أهدافها التي لا تبغي الربح)، ووصل حسابات المستخدمين بهويّاتهم لدى الحكومة الأميركية و«مكتب التحقيقات الفيدرالي» وجهاز «الخدمة السرّية» والاستخبارات الإسرائيلية من أجل إنهاء وجود الحسابات الوهمية. وأضافت أنّ من أوائل شركاء ماسك في مطابقة المستخدمين مع هويّاتهم هي شركة Authentics التي أسّسها أعضاء سابقون في «الشاباك». وتضيف أنّه بسبب ردّة الفعل الجماهيرية على هذا التعاون، انتقل أخيراً للتعاون مع شركة Stripe المنافسة لشركة PayPal، وكلاهما أسّسهما بيتر ثيل الصديق لماسك، علماً أنّ PayPal أسّسها بالشراكة مع ماسك، قبل أن يبيعاها إلى شركة eBay.
ملياردير تقف خلفه نخبة حاكمة، بات يشكّل خطراً على الحرّيات الشخصية وسيادة الدول في مقابل ابنته التي لا تملك شيئاً
ويستخدم ماسك المال لتأسيس SpaceX، ثمّ يستثمر في Stripe لاحقاً. كما فضحت ويلسون شركات أخرى مثل Palantir المجاهرة بدعمها لكيان الاحتلال «التي كانت من أوائل مَن أخطروا الحكومة الأميركية بضرورة تدمير موقع ويكيليكس»، وتكلّمت عن استهداف جوليان أسانج وغلين غرينوالد بالتحديد». وأسهبت في الشرح عن علاقات SpaceX مع أجهزة الاستخبارات، وكيف يوظَّف ماسك وثيل وغيرهما في خدمة الدولة العميقة بغضّ النظر عن موقفهم السياسي المعلَن.
ظاهريّاً، هي مجرّد نسخة جديدة من قصّة «عقدة أوديب» الكلاسيكية. يراها المحافظون معركة «حفاظ على العائلة» في وجه «اليقظين» الذين «يريدون تدميرها»، ينما يراها الليبراليّون معركة حفاظ على «انفتاحهم» في وجه «المتطرّفين الذين يريدون القضاء على حرّية الرأي». لكنّ الظاهر لا يعدو كونه لعبة «فرّق تسد» القديمة الجديدة. ففي الباطن، هناك ملياردير خلفه نخبة حاكمة، بات يشكّل خطراً على الحرّيّات الشخصية وعلى سيادة الدول على حدّ سواء، في مقابل ابنته لا تملك شيئاً وبالتالي تفضح ارتباطاته وأهدافه من دون أن تهاب شيئاً، ويُستخدم جنسها حجّةً لإسكاتها، تماماً كما تفعل الإمبراطورية وأدواتها في إستراتيجيّاتها حول مختلف قضايا المعمورة.
تحريض على المهاجرين والمسلمين
بعد تدخّله الوقح في الانتخابات الفنزويلية وتشكيكه في نتيجتها وصولاً حتّى دعوة الجيش الفنزويلي إلى اتّخاذ إجراءات ضد «الديكتاتور» و«انتخاباته المزوّرة» («الأخبار» 2/8/2024)، نقل إيلون ماسك تركيزه أخيراً إلى رئيس الحكومة البريطاني كير ستارمر، مدّعياً أنّ بريطانيا تتّجه نحو حرب أهلية، وسط موجة احتجاجات وشغب من اليمين المتطرّف غير مسبوقة في البلاد. وفي أحد تعليقاته الكثيرة المهاجمة لستارمر، قال ماسك إنّ «الحرب الأهلية أمر لا مفرّ منه»، وهو ما رفضه المتحدّث الرسمي باسم رئيس الحكومة. إلّا أنّ تعليقات ماسك لم تتوقّف، بما في ذلك منشور تساءل فيه عن قرار ستارمر بتوفير حماية إضافية للمساجد. كما لعب في بعض المنشورات على الوتر الديني، متماهياً مع حجج اليمين المتطرّف حول المهاجرين والمسلمين وتصويرهم على أنّهم «مجرمون»، رغم أنّ الاحتجاجات اندلعت بسبب جريمة ارتكبها شخص ليس مهاجراً ولا مسلماً!
تعليقات: