أم سورية وطفلتها في جنوب لبنان بعد غارة إسرائيلية (Getty)
في الأوّل من آب الجاري، وبالتزامن مع خطبة أمين عامّ حزب الله، حسن نصرالله، الّتي اتسمت حينها بحيثيةٍ مصيريّة بُعيد اغتيال القياديّ في الحزب فؤاد شكر (راجع "المدن")، ومعه عددٌ من المدنيين وتحديدًا من الأطفال، شنّت الطائرات الإسرائيليّة غارةً على منزلٍ في بلدة شمع- قضاء صور، أدّت إلى سقوط أربع ضحايا وخمسة جرحى. ليتبين لاحقًا أن الضحايا الأربعة هم أمّ وأولادها الثلاثة (فاطمة، سليمان، محمد، أحمد الحجي) من اللاجئين السّوريّين، ليرتفع بذلك، عدد الضحايا السّوريين في لبنان منذ بداية الحرب إلى 19 ضحية. وللمفارقة، أنّه ومنذ لحظة وقوع هذه المجزرة، غابت أسماء هؤلاء الأطفال وحُجبت صورهم عن التداول، فيما لم يتمّ استدعاء السّخط والغيرة الوطنيّة الّتي شهدناها قبل يومٍ واحد على هذه المجزرة، بُعيد سقوط ضحايا من الأطفال في الضاحيّة الجنوبيّة.
التمييز والتهميش
في حديثه إلى "المدن" يُشير اللاجئ السّوريّ م.أ. القاطن في بلدة شمع الجنوبيّة، إلى أنّه وبُعيد المجزرة الّتي ارتكبها العدوان الإسرائيليّ على البلدة، متسببًا في مقتل مدنيين من اللاجئين، وحالةٌ من الخوف استبدت بهؤلاء، قائلًا: "لسنا قادرين على الفرار، لأن البلديات الأخرى لا تستقبلنا فيها، ولا نملك رفاهية التنقل في الأراضي اللّبنانيّة بسبب الحملات الأمنيّة علينا، وكل هذا وعندما نُقتل، نشعر وكأننا أضرار هامشيّة لا أحد يلتفت إليها جديًّا".
الحال، أنّه وفيما اضطر جزءٌ من اللّبنانيين وتحديدًا سكان القرى الحدوديّة الجنوبيّة وسكان الضاحية الجنوبيّة، المتململة والمُهَددة، إلى ترك منازلهم مؤقتًا، هربًا من الاعتداءات الإسرائيليّة، ممارسين حقّهم البديهيّ بالنزوح، الذي رافقته غالبًا تسهيلات أتاحتها السّلطات المولجة، يبدو أن مصير اللاجئين السّوريين والفلسطينيين وسائر المقيمين من الأجانب، لا يزال مبهمًا، فيما يتمظهر التقصير الرسميّ جليًّا، مُتيحًا المجال لصعود الظواهر العنصريّة وغير القانونيّة (راجع "المدن")، السّلطويّة والشعبيّة. وصولًا للتمييز حتّى بين الضحايا المدنيين، الذين تقتلهم آلات الإبادة الإسرائيليّة، ممعنةً بالطبش.
وفي هذا السّياق تؤكد الباحثة والمتحدثة باسم منظمة "العفو الدوليّة"، سحر مندور، أنّ الخطّ الأحمر في أي صراع هو المسّ بالمدنيين وممتلكاتهم ومساكنهم، وكل الفئات الّتي تتعرض لمضايقات وتُعتبر مهمشة قانونًا، تكون عرضة أكبر لأن تتحمل كلفة الحرب بشكلٍ أكبر، ووزر الوضع الحربيّ، وطبعًا التمني على الدولة اللّبنانيّة، هي أن تُعد الخطط اللازمة لتلقف وتدارك هذا الوضع، لكمّ الجماعات الّتي هي بحاجة، على أمل ألا يتوسع النزاع ونصلّ إلى وقف إطلاق النار.
وعليه، وأمام واقع حركة النزوح التّي يصعب تقييم وتيرتها حاليًّا، فضلًا عن التهافت النسبّي لشراء المؤون والمحروقات، والمقرونة غالبًا بحالة من الفزع العموميّ وتضارب الرؤى بين التشاؤم والحذر، وتفاوت مقدرة النازحين (في حالة الحرب أم لا)، في الوصول إلى الأساسيات التّي تضمن أمنهم الشخصيّ والغذائي.. يبدو التّساؤل مشروعًا، عن أوضاع مصير أولئك اللاجئين السّوريّين والفلسطينيين والأجانب عمومًا في الجنوب وكذلك في حالة اندلاع حربٍ إقليميّة شاملة، وهل تُبطن الجمعيات والمنظمات الإنسانيّة، أي نيّة لتدارك هذا الواقع، لجهة وضع خطة طوارئ حقيقيّة، تزيح عبئًا إضافيًّا عن السّلطات في هذه الحالة؟
دور المنظمات
وقد تواصلت "المدن" مع عددٍ من المنظمات الأمميّة والحقوقيّة لمساءلتها تحديدًا عن أدوراها اليوم، في خضّم ما يجري، وتحديدًا لجهة استعدادتها وخطط الإجلاء المقترحة فضلًا عن جهود الإغاثة في الجنوب اللّبنانيّ، في وقتٍ تتضاءل تدريجيًّا فيه ميزانيات المنظمات الأمميّة بسبب الشحّ في التمويل الدوليّ، وتغيب خطط الطوارئ الرسميّة.
بما يختصّ بوضع اللاجئين السّوريّين في الجنوب الذي يترواح أعدادهم بين 80 و90 ألف لاجئ بحسب بيانات المفوضيّة، والذين يقاسون أساسًا تبعات هذا الوضع المتعثر، ويعيشون تحت تهديدين مستمرين، الأوّل والمتمثل بحربٍ أخرى، والثاني المتمثل بالحملات الأمنيّة المستمرة والاقتلاع المنهجيّ لهم من مساكنهم (راجع "المدن")، صرّحت المفوضيّة السّاميّة لشؤون اللاجئين UNHCR، في حديثها إلى "المدن" أن: "الأعمال العدائيّة الحاليّة في جنوب لبنان وأي تصعيد محتمل إضافي –بالإضافة إلى الوضع الاجتماعي والاقتصادي الحالي– تخلق تحديات لجميع المجتمعات، وكلها تستحق الوصول المتساوي إلى السلامة والكرامة. ويتحمل جميع الجهات الفاعلة مسؤولية الالتزام بالمبادئ الإنسانية التي تشمل الحياد وعدم التمييز ومبدأ "عدم الإضرار"، وذلك في سياق توفير الوصول المتساوي إلى المأوى الآمن، بما في ذلك للاجئين من سوريا وجنسيات أخرى"، مضيفةً: "تحت القيادة العامة لحكومة لبنان، تدعم المفوضيّة السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين التحضير والاستجابة، بالتنسيق الوثيق مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى والشركاء".
وأشارت: "منذ بداية الأزمة في تشرين الأوّل 2023، دعمت المفوضية النازحين، من لبنانيين ولاجئين، في جنوب لبنان من خلال توفير المواد الأساسية للإغاثة، بما في ذلك أكثر من 34,000 سترة شتوية، و23,350 حصيرة نوم، و19,450 مرتبة، و18,200 بطانية، و6,250 مصباحًا شمسيًا، و6,300 مجموعة أدوات مطبخ، و185 لوحاً بلاستيكياً، و120 موقد خشب، و114 سخان غاز.. تم توزيعها من قبل وحدة الحد من مخاطر الكوارث في صور والزهراني ووحدة إدارة مخاطر الكوارث في محافظة النبطية. وقد تم تجهيز مواد إغاثة طارئة أخرى من قبل المفوضية وشركائها ليتم إرسالها في حالة حدوث تصعيد إضافي للأعمال العدائية. واستفاد حوالى 6,320 لبنانيًا ولاجئًا ضعيفًا من المساعدة النقديّة الطارئة للحماية، والتي تستهدف الأشخاص الذين يواجهون خطرًا جديًا أو حادثًا قد يؤدي إلى ضرّرٍ جسيم أو الذين يحتاجون إلى دعم للوصول إلى خدمات إنقاذ الحياة". مؤكدةً أنّ: "خطط الطوارئ لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين موجودة، وهي مستعدة لمواصلة دعم احتياجات النازحين".
اللاجئون الفلسطينيون
أما بما يتعلق بموضوع اللاجئين الفلسطينيين، ونتيجةً للخطر الذي يحدق بمستقبل "الأونروا" تسود حالة الذعر في مجتمعات اللاجئين الفلسطينيين وخصوصًا في الجنوب، أولئك الذين لم يستفيقوا بعد من خضّة دمار مخيم "عين الحلوة" منذ أشهرٍ قليلة جراء الاشتباكات، ومع احتمال توقف نهائيّ لخدمات الأونروا في لبنان، وما يتبع ذلك من انهيار تامّ لما تبقى من شبكة الحمايّة الاجتماعيّة لهذه الفئة، المنفيّة تاريخيًّا عن لائحة اهتمامات السّلطات اللّبنانيّة، أكان في الحقوق أو في مضمار العدالة الاجتماعيّة، يبدو التساؤل مهمًا عن وضع هؤلاء اليوم، ومصيرهم في حال اندلاع الحرب الشاملة.
أولئك الذين تُقدَّر أعددهم في لبنان بنحو 220-250 ألف لاجئ، حسب مدير مكتب الإعلام والمتحدث باسم الأونروا في لبنان، فادي الطيار، ويعيش حوالى 45% منهم في 12 مخيمًا في لبنان. والأوضاع في هذه المخيمات مزرية، حيث الاكتظاظ وظروف السكن السيئة والبطالة المرتفعة والفقر. وفي مسح أجرته الأونروا عام 2024، تبين أن 72% من اللاجئين هم "فقراء" أو "فقراء للغاية". وقد ارتفعت معدلات الفقر بين اللاجئين الفلسطينيين بسبب الأزمة الاقتصادية الأخيرة في البلد المضيف، ناهيك عن القيود المفروضة على حقهم في العمل على مدى عقود من الزمن. يعتمد اللاجئون الفلسطينيون في لبنان بشكل اساسي على الأونروا للحصول على الخدمات الأساسية والانسانية.
في حديثه إلى "المدن" يُشير الطيار، إلى أنّه "منذ شهر تشرين الأول الماضي، تعمل الأونروا في لبنان بالتنسيق مع المنظومة الإنسانية في البلد، بما في ذلك منظمات الأمم المتحدة، والحكومة اللبنانية والشركاء، على التخطيط لأنشطة الجهوزية والاستجابة للطوارئ في حال حدوث تصعيد في البلد. تشمل أنشطة الوكالة في مجال الجهوزية والاستجابة للطوارئ إعداد ما يُسمى بـ"مراكز الإيواء الطارئة" في مناطق مختلفة من البلد، تم تحديدها وتجهيزها لاستضافة اللاجئين النازحين الذين ليس لديهم مكان آخر للاحتماء به. تتضمن الخطّة أيضًا تخزين المواد الطبية والغذائية والوقود وتوفير الأدوية المزمنة للمرضى مسبقًا. وخلال الاشهر الماضية، اطلعت الأونروا الفصائل الفلسطينية واللجان الشعبية في المخيمات والتجمعات الفلسطينية على خطط الجهوزية هذه".
ويُضيف الطيار بالقول: "اعتمدت الأونروا على التمويل المحدود المتوفر لديها لاستكمال تدابير الاستعداد للطوارئ (إعداد 11 مركز ايواء وتخزين المواد الغذائية وغير الغذائية والوقود والأدوية). وحتى نتمكن من توسيع نطاق المساعدة والدعم إلى ما بعد أول 72 ساعة من توسع النزاع والتصعيد ان حصل، ولتغطية السكان غير المقيمين في مراكز الايواء وبالتالي التعامل مع ازدياد الحاجات، سيتطلب ذلك حينها توفير تمويل إضافي للوكالة".
خطط الطوارئ الإغاثية والطبيّة
من جهتها تُشير منظمة أطباء بلا حدود، إلى "المدن"، أنّه وفي حال تحقق سيناريو الحرب الشاملة، "إن جهود المنظمة تتركز على ضمان ودعم إدارة الإصابات على مستوى المستشفيات وخدمات الطوارئ الطبية في حال توسع النزاع، مع ضمان الوصول إلى الرعاية الصحية في منشآتنا في جميع أنحاء البلاد. نحن ملتزمون بتكييف استجابتنا لتلبية الاحتياجات المتطورة. وعلى الرغم من أننا لا نستطيع التنبؤ بالنتائج المحددة، فإن هدفنا وتركيزنا هو تعزيز جاهزية وقدرة النظام الصحي والتدخل على الأرض لمعالجة التحديات الناشئة ضمن إمكانياتنا ومواردنا". مضيفةً:" تتعاون منظمة أطباء بلا حدود وتنسق بشكل وثيق مع وزارة الصحة العامة وجميع الجهات الصحية الأخرى لضمان حسن إدارة الموارد من أجل استجابة فعالة حيثما تكون الحاجة ماسة. فقامت فرقنا بتقديم تدريبات في رعاية الإصابات وإدارة الإصابات الجماعية في مستشفيات بعلبك والهرمل الحكومية كجزء من خطة الاستعداد للطوارئ. كما وقمنا بوضع الإمدادات الطبية في المستشفيات المذكورة تحسبًا لأي احتياجات طارئة. تستجيب منظمة أطباء بلا حدود حيث تكون الاحتياجات أكثر انتشارًا، والتي تتركز الآن في الجنوب. وفي حال ظهور الحاجة في أماكن أخرى، سنظل مستعدين لإعادة التقييم والاستجابة وفقًا لذلك.
وبما يرتبط بأوضاع المجتمعات الهشّة، أكدّت المنظمة، أن هذه المجتمعات، مثل اللاجئين والأقليات والمهاجرين، تواجه صعوبات متزايدة في الوصول إلى الرعاية الصحية، حيث يواجه البعض منهم تحديات مضاعفة تحول دون حصولهم على الرعاية اللازمة، بغض النظر عن وضع/ديناميات النزاع. قائلةً: "بجانب استجابتنا الطارئة، وبصفتنا منظمة طبية، نحرص على ضمان استمرارية الخدمات الأساسية والوصول إلى الرعاية الصحية عبر منشآتنا. تواصل عياداتنا في بيروت وطرابلس وبعلبك-الهرمل العمل بشكل طبيعي. في حال توسع النزاع، سنبذل قصارى جهدنا لضمان استمرار الرعاية لمرضانا من مختلف المجتمعات، طالما يسمح الوضع الأمني بذلك. لدينا إمدادات طبية ومخزون جاهز يمكننا من الاستمرار في تقديم خدماتنا الطبية".
تعليقات: