زيارة دريان والمفتين إلى السعوديّة: محاولات «ضبط» المشايخ لم تفلح


يُحاول مفتو المناطق ومقرّبون من مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بتعميم من الأخير، إشاعة أجواء إيجابية عن زيارتهم الأخيرة للسعودية، والإيحاء بإمكان رفع المملكة الحظر عن المساعدات العربية التي كانت تُقدّم سابقاً إلى مشايخ دار الفتوى الذين قلبت الأزمة الاقتصادية أحوالهم المادية، والتأكيد أنّ «السعوديّة لا تزال تحتضن المشايخ ومن خلفهم الطائفة السنيّة، ولبنان».مع ذلك، لا يقدّم زوّار المملكة أجوبة مقنعة عما إذا كانوا قد سمعوا من المسؤولين في الرياض وعوداً بخطوات ملموسة في هذا الشأن، فيتهرّبون منها بالإشارة إلى إمكانيّة توقيع بروتوكول تعاون مع السعوديّة (على غرار التّعاون الأخير بين الهيئة العُليا للإغاثة و«مؤسسة الملك سلمان») من دون أن يكون لديهم تصوّر حقيقي لمضمون هذا البروتوكول وآلياته.

التزم المفتون التعميم من دون تعليقات سلبيّة، وهم الذين تركوا لبنان في عزّ تهديدات العدو الصهيوني، ممنّين أنفسهم بزيارةٍ سياسيّة تتضمن لقاءات مع مسؤولين من الصف الأوّل، والعودة بمساعدات للمشايخ وموظفي دار الفتوى، وبمنحة سعودية تحلّ محل المنحة القطريّة التي لم ترَ النور، وكان مفترضاً تخصيصها للمشايخ وأئمة المساجد والموظفين.

غير أن أياً من ذلك لم يحدث، وفقاً لمصادر متابعة. إذ عاد المفتون خالي الوفاض، فلا لقاءات سياسيّة خُصصت لهم باستثناء استقبالهم من قبل وزير الشؤون الدينيّة والدعوة والإرشاد السعودي، ولا وعود بمساعدات مالية أُعطيت لهم، وعلموا في نهاية الزيارة أنّها كانت لأداء مناسك العُمرة، ليس إلّا.

اتصالات من مقربين من السفارة السعودية والمفتي بُخطباء الجمعة لعدم التصعيد


ولكن، «الجمل بنيّة والجمّال بنيّة أخرى». فآمال المشايخ وطموحاتهم لا علاقة لها بما أراده المخططون للزيارة، خصوصاً الكاتب رضوان السيّد الذي تقول مصادر مُتابعة إنّه حاك تفاصيل الزيارة مع السفير السعودي في بيروت وليد بخاري. «مولانا»، كما يُلقّبه المشايخ، زار الرياض أخيراً، وأقنع المسؤولين السعوديين بدعوة دريان ومفتي المناطق للبناء على الأثر الذي يُمكن أن تتركه في الشّارع السني بأنّ السعوديّة وحدها من يملك في جيْبها مفاتيح السّاحة السنيّة وتستخدمها متى أرادت. وبعد التحول الذي شهده الشارع السني عقب «طوفان الأقصى» لجهة دعم القضية الفلسطينية والمقاومة، أراد السيد إعطاء دار الفتوى قوّة دفع لـ«قمع» المشايخ الذين «انجرفوا في هذا التيار» وتقليم أظافرهم، وتأكيد أنّ السعوديّة لا تزال «الراعي الرسمي» لهم، وأنّها تملك مشروعاً سياسياً بديلاً عليهم الانضواء تحته وعدم الخروج عن النص.

ولكن، لأن السعودية لا خيل عندها تهديها ولا مالَ، ولأن لا قدرة لدريان ومفتي المناطق على تهدئة حماسة المشايخ وضبط الخطاب الديني، في ظل استمرار إقفال حنفية المساعدات السعودية، تبيّن أن الزيارة لم تحقق أهداف المخططين لها. فرغم اتصال مقربين من السفارة السعوديّة ودريان بعدد من خُطباء المساجد في بيروت، الخميس الماضي، للاستفسار منهم عن عناوين خطبهم طالبين عدم التصعيد، شهدت خطب الجمعة الماضي تصعيداً غير مسبوق ضد العدو الصهيوني بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لـ«حركة حماس» إسماعيل هنيّة. وبحسب المعطيات، فإن المشايخ باتوا في جو آخر، خصوصاً بعدما خاب ظنّهم ممّا وصل إلى مسامعهم من أجواء فشل زيارة المفتين، واعتبر عدد منهم أنّ هذه الزيارة كانت أشبه بالفرصة الأخيرة الممنوحة إلى السعوديّة لاستعادة نبض الشارع والوقوف إلى جانبهم في ظلّ الأزمة المالية، بعدما طرقوا مراراً «أبواب السفارة السعوديّة، ليخرجوا منها بـ«حبّة تمر». ونبّه هؤلاء إلى أن استمرار السياسة السعودية على حالها قد يدفع بكثيرين من المشايخ في المدة المُقبلة إلى أحضان خصوم «المملكة» ثأراً من آذانها الطرشاء.

تعليقات: