بيت ليف وراميا: ماء وبئر عسل.. ولعنة مجاورة العدو

بيت ليف واحدة من بلدات المواجهة والمنكوبة (المدن)
بيت ليف واحدة من بلدات المواجهة والمنكوبة (المدن)


بين مئذنتي مسجدي بيت ليف وراميا، ترتفع في بلدة القوزح، التي تتوسط البلدتين، كنيسة قديمة تعلوها قبة، تطل مجتمعة على هضاب وتلال وسفوح فلسطين المحتلة، التي كانت تنسج علاقات مختلفة مع جاراتها، قبل نكبة العام 1948.

فبلدتي بيت ليف وراميا، في قضاء بنت جبيل، كانتا قبل أيار العام ألفين، ضمن ما يسمى الشريط الحدودي. وقد عانى أهلهما طيلة فترة الاحتلال، التي امتدت من شهر آذار 1978 وحتى شهر أيار 2000، من المضايقات والاعتقال والإبعاد.

بعد التحرير عاد غالبية أبناء القريتين كغيرهم من جيرانهم، ليعيدوا نبض الحياة إلى حقولهم وبيوتهم. ولم تمض ست سنوات على هذه العودة، حتى هجرهم العدو مجدداّ في تموز 2006، لمدة 33 يوماّ، ليعيد الكرة مرة أخرى في تشرين الأول الماضي، حيث ما زالوا بعيدين عن منازلهم وكروم الزيتون وحقول التبغ وأشجار السنديان والملول والغار المعمر، في هاتين البلدتين امتداداّ إلى جارتهما عيتا الشعب والقوزح.


راميا المتباهية

تتوسط بلدة راميا بلدتي عيتا الشعب من الشرق، ومروحين من الغرب، وبلدتي بيت ليف والقوزح من الشمال، وتحدها فلسطين من الجنوب.

ومعنى إسم راميا حسب معاجم اللغة العربية، أن راميا- رامية، هي المتباهية والمتفاخرة، التي ترمي وراءها غير عابئة.

راميا، التي يشرف عليها أحد أكبر مواقع الاحتلال الإسرائيلي، فرغت من أهلها، نتيجة تعرضها الدائم للغارات الحربية الإسرائيلية وعمليات القصف والتمشيط المتواصل، مؤدية إلى سقوط عدد من الشهداء على ترابها، وتدمير عشرات المنازل والمحال واحتراق مساحات واسعة من زرعها، وحرمان أبنائها، الذين يعتاشون من مواسمهم الزراعية، من مواسم تبغهم وزيتونهم للسنة الثانية.


بيت ليف الواحة

تتربع بيت ليف، في قضاء بنت جبيل، على واحة خضراء بين بلدات راميا والقوزح وصربين وياطر، وتمتد أراضيها على مساحات واسعة. قسم كبير منها مغروس بأشجار السنديان والغار ونباتات عطرية، خولت بقعة منها، تتجاوز مئتي دونم، لتكون محمية طبيعية، تم إنشاؤها في العام 2011، بمرسوم من مجلس النواب.

لا يوجد معلومة ثابتة لأصل إسم بيت ليف، لكن المعلومات التي يحفظها الكثير من أهلها، وخصوصاً كبار السن، تقول إن شخصاّ كان يدعى "ليف" سكن في المنطقة وبنى فيها بيتاّ، ليصبح إسمها مع مرور السنوات "بيت ليف"، ويتناقل أهلها قصة بئر ماء، يقع بين بيت ليف وياطر، يسمى بئر العسل، وذلك على خلفية قيام أحد أبناء البلدة الحاج نصرالله حميٌد وآخرين، بإحضار جرار صغيرة من العسل للعمال المتطوعين، الذين كانوا يقومون بتجميل محيط البئر وتنظيفه. وكان يأتي لملأ المياه من هذه البئر عدد من أهالي القرى المجاورة، من بينهم أعداد من أهالي قرية سعسع الفلسطينية الملاصقة للحدود مع لبنان.

بعد التحرير بسنوات، أنشىء في بيت ليف، التي يتجاوز عدد أبنائها 8 آلاف نسمة، مستشفى حكومياً، أطلق عليه مستشفى الشهيد عبدالله فهد حميٌد، وقد تم تجهيزه عند جائحة كورونا بجهود من إبن البلدة النائب أيوب حميٌد، إلا أن التطورات الأمنية الأخيرة (حرب الإسناد والإشغال) أخّرت إتمام تجهيزه وتدشينه.


حميٌد: مقاومة بيت ليف متجذرة

يؤكد رئيس بلدية بيت ليف محمد حميٌد، أن بيت ليف هي واحدة من بلدات المواجهة مع العدو الإسرائيلي في كل المراحل والمحطات. وقدمت الكثير من أبنائها شهداء في سبيل الوطن وقضية فلسطين.

وقال لـ"المدن": "منذ بداية هذا العدوان، ارتقى في بيت ليف أربعة شهداء من أبنائها وهم: حسن حسين ملك، محمد نايف حمود، صالح مصطفى، وموسى محمد مصطفى، إلى جانب سبعة شهداء من خارجها سقطوا على أرضها". مضيفاّ، "نجم عن العدوان المتواصل على البلدة تدمير 35 وحدة سكنية تدميراّ كاملاّ، إضافة إلى أكثر من ستين وحدة تدميراّ جزئياّ ونحو 400 منزل متضرر بنسب مختلفة".

ويلفت حميٌد إلى أن مئات من أهالي بيت ليف ما زالوا صامدين في بيوتهم، إلى جانب أرزاقهم، التي تعادل الروح، فيما آلاف آخرين من البلدة المحاصرة بنيران العدو نزحوا قسراّ إلى مناطق بنت جبيل وصور وغيرها من المناطق اللبنانية، وقسم كبير من هؤلاء النازحين متعلقون بأرضهم، فلا يفوتون فرصة هدوء إلا ويستغلونها لتفقد بلدتهم أو المشاركة بتشييع الشهداء خصوصاّ.

ويشدد حميٌد على أن البلدية ورغم إمكاناتها المحدودة في هذه الظروف، تقف إلى جانب الصامدين من أبنائها، الذين يتجاوز عددهم 400 شخص. أما النازحون فيتلقون مساعدات مادية وعينية، من جمعيات وهيئات اجتماعية وإنسانية.

ويتابع حميٌد، أن بيت ليف مثل جاراتها القوزح وراميا وعيتا الشعب وغيرها من بلدات الحافة الأمامية، خسرت موسمي الزيتون والتبغ في العام الماضي، وعلى الأرجح ستخسر الموسمين الحاليين، بفعل استمرار الاعتداءات والقلق من تلوث الأشجار والتربة، جراء القنابل والقذائف الفوسفورية. مشيراّ أيضاً إلى تضرر مزروعات أخرى مثل الدوالي والتين والفواكه.


المختار عيسى: راميا بلدة منكوبة

يقول مختار بلدة راميا محمد عيسى، إن راميا الحدودية جارة فلسطين، ترتفع عن سطح البحر حوالى 650 متراّ ومساحتها حوالى 617 هكتاراّ، وتتميز بعدد من التلال والوديان والأحراج والأراضي الخصبة، المغروسة بأشجار الزيتون، وتزرع بالتبغ والقمح والخضار.

ويضيف المختار عيسى لـ"المدن"، أن عدد سكان راميا الإجمالي حوالى 5000 نسمه، يقيم منهم بشكل دائم حوالى ألف نسمة، وذلك ارتباطاّ بفرص العمل. ويقول: "أغلب أهلها المقيمين يعتمدون على زراعة التبغ والزيتون وبعض الخضار، فيما يتوزع الغالبية من أبنائها في ساحل صور وسائر المناطق اللبنانية. وهناك الكثير منهم طرق أبواب الهجرة والاغتراب إلى أصقاع العالم، مؤكداّ بأن راميا تتميز بـ"مرجها"، الذي يتحول في فصل الشتاء إلى بحيرة أخاذة تبقى مياهها لشهور طويلة.

وقال: "مع بداية حرب طوفان الأقصى والعدوان الإسرائيلي على المنطقة، نزح معظم أهلها إلى منطقه صور، وتركو أرزاقهم. وفي بداية سنة 2024 تعمّد العدو الإسرائيلي استهداف أحراجها وحقولها المزروعة بأشجار الزيتون والفواكه، وحرق مساحات واسعة وتدمير عدد كبير من بيوتها تجاوز 40 وحدة سكنية بشكل كامل وتضرر غالبية منازلها، وكثير منها غير قابل للترميم. مؤكداّ بأن راميا تعتبر بلدة منكوبة بفعل ما اقترفه العدو ببيوتها وأرزاقها وحقولها".

تعليقات: