تحالف متحدون: اختفاء الودائع عذرٌ أقبحُ من ذنب وإجراماً بحق لبنان وأهله


بعد سرقة العصر ونهب جنى عمر المودعين وفي إطار متابعة جهود محامي تحالف متحدون حثّ النواب على تبنّي اقتراح القانون المعجّل المكرّر الخاص بضمان وإيفاء الودائع، لا زلنا نسمع ممّن يدّعون حرصهم على حقوق المودعين من "نواب الأمة" مصطلح "اختفاء الودائع" بكل أسف والذي لا يمت إلى الحقيقة بصلة ولا يستقيم والدور الأساسي لأي نائب مهمته الأولى الحفاظ على حقوق الناس عبر تتبّع كل تعدّ عليها وإزالته من خلال عمله التشريعي الواجب الأداء.

فكيف تختفي أموال في مصارف لا زالت قادرة على التسليف ومنح القروض واستثمار أصحابها مليارات الدولارات في مشاريع في دول عديدة منها شراء مصارف أو فروع لها وتملّك عقارات وسوى ذلك؟ ولماذا لم تفلس هذه المصارف وتغلق فروعها في لبنان والخارج؟ هذا إن لم نأتِ على ذكر "تبييض أموال" المودعين والمضاربات الجارية بها وجني أرباح فاحشة من ورائها!

إن تحالف متحدون سيعمد إلى الإعلان عن كل نتائج اللقاءات بالنواب ونشر حصيلتها بالأسماء والمواقف في الوقت المناسب، أقلّه لكي يكون جميع المودعين "الناخبين" على اطلاع وافٍ على أفعال من يُفترض به أن يمثّلهم، ولتحديد الموقف ممّن سيمثّلهم لاحقاً، فعذر اختفاء الودائع ليس سوى ذريعة للتملص من المسؤوليات والمحاسبة، والعقاب القادم لا محال، حيث لا سرقة دون مسروقات يوجب قانون العقوبات ردّها حتماً، ناهيك عن معاقبة الفاعلين ومافيات المال التي دمرت اقتصاد وطن وأعادته إلى العصور المظلمة، قبل أن تعيده أي حرب إليها، لا بل ودمرت حياة ملايين من المودعين الذين وثقوا بالمصارف وسلّموها جنى أعمارهم، معوّلين على "سمعة" التشريع اللبناني والقوانين المصرفية التي خذلهم القيّمين عليها.

ومن هنا فإن البعض الذي يجهد في تحميل الدولة مسؤولية اختفاء الودائع يهدف في محاولة منه لتضليل الرأي العام عن ماهيّة الطابع الجرمي لما حصل للهروب من العقاب كونه "مستفيداً" من رشاوى المصارف وأصحابها. طبعاً، الدولة فشلت في حماية حقوق الناس وأموالهم من النهب على أيدي هؤلاء وداعميهم من داخل السلطة والمحاسبة تبقى واجبة، ولكن المجرم هنا يبقى المصرف الذي هرّب وأخفى مئات المليارات من الدولارات وكلها من أموال المودعين، لبنانيين وأجانب، مقيمين ومغتربين.

لا يتكلّم عن كل هذا إلا الأرقام. الوثائق الرسمية للمصرف المركزي تفنّد بالأرقام عدد الحسابات المفتوحة في المصارف التجارية بين عامي ٢٠١٩ و٢٠٢٢ وحتى الآن، وعدد الحسابات التي أُقفلت أو تم ترصيدها إلى الخارج. وهذه الوثائق هي الكفيلة بإظهار التغيّر البالغ ليس فقط في عدد الحسابات التي تبيّن انخفاضها إلى النصف تقريباً، بل أيضاً في قيمة الأموال بين فئات المودعين، إلخ.

في النهاية، لا بد من الانطلاق من تلك الأرقام، والأرقام وحدها تتكلّم، سواء أكنا نتعامل مع دكّان سمانة أم مع ميزانيات دولة، وهذا ما اعتمده اقتراح القانون الذي أعدّه محامو التحالف، حيث يبقى السؤال الأهم: إلى متى سيستمر مصرف لبنان بالمماطلة في تبيان البيانات الخاصة بالمصارف، إن لأصحاب الحقوق أو للجهات القضائية المولجة الحفاظ على الحقوق وتطبيق العدالة؟ أوليس الأجدى به الإسراع في ذلك كي يحجم النواب عن أي تواطؤ مع السارقين والمستفيدين من السرقة، والوزراء عن تهريب إجرامهم بحق المودعين واللبنانيين عبر بدعة "دولار محلّي" اليوم وسط انشغال الناس بالحرب، في خطوة معيبة مقيتة تضاف إلى التلطّي وراء بدعة صندوق أسود لا صلاح فيه لا للمودعين ولا للدولة ولا للأجيال المقبلة؟!

تعليقات: