قطاف الزيتون يلغي الطبقية في الهبارية


في موسم القطاف، يترك الرجل العنان لرغبته الجامحة في الغناء ودندنة المواويل. أما أبيات الزجل فيحمى وطيس تبادلها مع أقرانه المزارعين في جولات من التحدي، وهم يقطفون الحبات الخضراء التي تزدحم بها الغصون المثقلة، أفراداً وجماعات. جولات تنتهي بضحك ورضى يغمر القلوب حتى ولو لم يكن الموسم، كما هذه السنة، وفيراً. أوتي أبو محمد، وهو مزارع من العرقوب، موهبة الأدب، وإن لم يهتم بها بما يتجاوز حاجته إلى التسلية المحلية. يصف لنا كيف تتحول الحقول في الهبارية «إلى ما يشبه الحفل الموسيقي المتنقل» خلال القطاف. ويضيف أن «الغناء والمزاح وتبادل النكات وسرد الحكايات تبعد شبح الروتين عن القاطفين وتخفف من تعبهم، وخصوصاً إن كانت المحصلة مخيّبة للآمال». وحصيلة موسم الزيتون هذا العام لا تسرّ القلب كما يقول. وهو يصف الموسم بأنه «موسم خل» أي شحيح، ويعزو السبب «إلى موجة الصقيع التي ضربت وقت عقد الثمرة، ثم أتت الرياح القوية على ما بقي من الزهر». لكنّه يختم بشكر الله «في كل الأحوال. فالنتيجة واحدة، والزيت يبقى في الخوابي لأنه لا تصريف لإنتاجنا». ولأنّ الموسم شحيح، يطرق زميله أبو بسام رأسه مبدياً أسفه على جهوده في الحراثة ورش المبيدات وتنظيف التربة. يقول «قمت بتوكيل أحد المزارعين بقطاف الموسم، على أن يكون له ثلث الإنتاج. لكن موسم السنة لا يرد حتى تعب القطاف». ويعزّي الرجل النفس «بالأجواء الحلوة. فالتعاون على القطاف يزيد ألفة الناس في هذه الأيام الصعبة». ويضيف ممازحاً أن موسم الزيتون «يلغي الطبقية في القرية، فالجميع ينخرط في العمل: الميسورون والأطباء والمهندسون. لا بل إن أبناء القرية المقيمون في العاصمة يعودون خلال فرصتهم الأسبوعية لجمع محصولهم، حتى لو كان شحيحاً». ويشرح أبو بسام كيف أنه «أصبحت لقطاف الزيتون في منطقة العرقوب طقوس خاصة: من إعداد مسبق للخوابي، إلى شراء المدّات التي تفرش تحت الشجرة تسهيلاً لجمع المحصول. هذا فضلاً عن بهجة عصر الزيتون في المعصرة، وخصوصاً عند تناول وجبة الخبز المرقوق المغموس بالزيت الجديد أو ما يسمّى مولد السنة».

ولأن منطقة العرقوب منطقة زيتون بامتياز، إذ يتجاوز عدد أشجار الزيتون في الهبارية وحدها 75 ألف شجرة، فقد تزايدت معاصر الزيتون فيها. ويلفت الحاج محمد نبعة، صاحب إحدى معاصر الزيتون الأربع الموجودة في الهبارية، إلى أنه على الرغم من شحّ الثمار هذا العام، إلا أن كمية الزيت الموجودة في الثمرة جيدة نسبياً. وأضاف «معدّل القطاف بلغ حتى الآن ما نسبته 6,25 كلغ زيت لكل 20 كلغ زيتون». ويستغرب نبعة أن يكون الموسم شحيحاً للعام الثاني على التوالي، «ما رفع سعر تنكة الزيت إلى 180 ألف ليرة لبنانية. لذلك يحرص المزارعون على دفع تكاليف عصر محاصيلهم نقداً، لا باقتطاع المعصرة نسبة من الزيت. كما أنهم ضنّوا ببقايا العصر من الجفت، فعمدوا إلى لمّه للتدفئة بدلاً من المازوت

تعليقات: