فرنسوا ضاهر: في حقوق المودعين في لبنان

القاضي فرانسوا ضاهر: كيف يمكن لمصرف أن يقطّر على المودعين ودائعهم حتى بالعملة الوطنية بحجة ضرورة عدم إزدياد حجم الكتلة النقدية المتداولة
القاضي فرانسوا ضاهر: كيف يمكن لمصرف أن يقطّر على المودعين ودائعهم حتى بالعملة الوطنية بحجة ضرورة عدم إزدياد حجم الكتلة النقدية المتداولة


بأي حق يتقاضى موظفو الدولة رواتبهم ومخصّصاتهم الشهرية بالدولار الاميركي محتسباً على سعر صرف تفضيلي او ربحي وبدون سقوف، ويُحرم المودعون من استيفاء ودائعهم الاّ بالقطّارة، وفق التعميم ١٥٨ (٤٠٠ دولار اميركي شهرياً) او فق التعميم ١٦٦ (١٥٠ دولار اميركي شهرياً) او الى حدّ الف دولار اميركي شهرياً محتسباً بالليرة اللبنانية على سعر الصرف الرسمي (١٥٠٠٠ ل.ل./د.ا.)، أي بمعدل خمس عشرة بالمئة (١٥ ٪؜) من قيمته الدفتريّة او الاسميّة ؟؟


بأي حق يحجب مصرف لبنان عن المودعين ودائعهم المحبوسة لديه ويسدّد رواتب ومخصصات موظفي القطاع العام من احتياطاته بالعملة الصعبة التي تعود لتلك الودائع او تكون قد تكوّنت لديه من جباية وزارة المالية للضرائب والرسوم او من مضاربته على العملة الوطنية في السوق الحرة ؟؟


وكيف يمكن لمصرف أن يقطّر على المودعين ودائعهم حتى بالعملة الوطنية بحجة ضرورة عدم إزدياد حجم الكتلة النقدية المتداولة بتلك العملة وهو لم يحدّد سعر صرفها الانتقالي القانوني، وفق أحكام قانون النقد والتسليف، حتى يتبدّى له تقنيّاً حجم تلك الكتلة النقدية بالعملة الوطنية التي يمكنه ضخّها في التداول، بالتتابع وعلى التوالي، من دون أن تحدث تضخّماً وتدنيّاً لقيمتها ؟


وكيف أمكن مصرف لبنان أن يحدّد سعر الصرف المتداول لليرة اللبنانية على الدولار الاميركي على ٨٩٠٠٠ ل.ل. للدولار الواحد ؟ وما هي المعطيات المحاسبية التي إستند اليها لتثبيت سعر الصرف هذا ؟ ولماذا لم يبادر الى تثبيته على مستويات أدنى لتعزيز الاستقرار الاجتماعي وحماية ذوي المداخيل بالعملة الوطنية في القطاعين العام والخاص ؟ ولماذا إعتمد على مدى أربع سنوات سياسة سعر الصرف المتحرّك العشوائي نزولاً وصعوداً (en dents de scie)، حتى رفعَ مستوى المعيشة الى معدلات أفقرت ذوي المداخيل بالعملة الوطنية وأحدثَ تضخّماً بالإنفاق حتى بالعملة الاجنبية ؟


وكيف أجاز مصرف لبنان للمصارف أن تُصفيَ ودائع المودعين باقتطاع (haircut) وصل الى خمسة وتسعين (٩٥) بالمئة من قيمتها الاسميّة، وأن تُطفئَ، بالمقابل، ديون المقترضين منها، على حساب المودعين أنفسهم، بأقل من عشرة (١٠) بالمئة من قيمتها الأسميّة الدفتريّة؟

إنها السياسات المالية والنقدية المدمّرة عمداً التي سار عليها مصرف لبنان، منذ إندلاع الازمة المصرفية في ٢٠١٩/١٠/١٧، بغطاء كامل من منظومة الشؤم الحاكمة ومباركتها ودعمها، مقابل التسهيلات والمنافع الشخصية التي جناها حاكمه من ملف شركة فوري وتحصينه من الملاحقة القضائية والعقاب.


لكن، أين هم نواب الامة وأحزابها من كل هذا ومن هذه الظلامة الفاحشة اللاحقة بالمودعين ؟ إنهم مفتحةٌ عيونهمُ نيامُ … أم إنهم متواطئون في الباطن مع أركان منظومة الشؤم الحاكمة ؟؟

سيما وأن أزمات لبنان الخارجية والحدودية لا تثنيهم ولا تحجب مسؤوليتهم عن واجب تتبع هذه السياسات وتصويبها وتصحيحها، منذ إنطلاقة إعمالها. في حين أنهم يكتفون، لتضليل الناس، بإصدار القوانين الفضفاضة والملتبسة والخاوية والعصية على التطبيق…إنها قمّة الساديّة بحق

هؤلاء الناس.


* القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهر

تعليقات: