ضاعت في متاهات سياسة غض النظر.. مرجة رأس العين في بعلبك في قبضة مستثمريها!

مرجة رأس العين في بعلبك. (الصورلوسام إسماعيل)
مرجة رأس العين في بعلبك. (الصورلوسام إسماعيل)


بعلبك -

لطالما كانت مرجة رأس العين في بعلبك، المساحة الخضراء الكبرى، قلب هذه المدينة السياحية، تعكس هويتها وتراثها المحلي وتعدّ موضعاً للإسترخاء والترفيه بالنسبة الى السكان والزوّار على حد سواء. لكن ياللأسف، شهدت هذه المرجة تحولاً مؤسفاً في السنوات الأخيرة.

وبدلاً من أن تظل مساحة حضارية للعموم يستمتع بها الجميع، تحولت تجمعاً لمجموعات معيّنة تفترش مساحاتها ومقاعدها بطرق غير قانونية، حيث انتشرت الطاولات والمقاعد والأراكيل والبرّادات و"الإكسبرسات" وغيرها الكثير الكثير من العربات الثابتة وألعاب "البيبي فوت" وغيرها، بهدف إستثمارها في ربوعها، مما قلّل من مساحتها، من دون أي تدخل من السلطات المعنية كالبلدية والمحافظة.

هذه الممارسات العشوائية، حرمت الأهالي والزوارالإستمتاع بهذه الفسحة الخضراء، بل وصل الأمر جرّائها إلى إقدام "مستثمريها" على منع دخول الباعة الجوالين لتسويق بضائعهم البسيطة كالحلوى للأطفال، والتعرض لهم بالضرب والإساءة.

سياسة غضّ النظر

هذا التحول المؤسف يطرح تساؤلات عديدة حيال دور المسؤولين والجهات المعنية. فلماذا غضّ النظر عن هذه الممارسات غير القانونية طوال سنوات، وكيف يمكن استعادة هذه المرجة لتخدم أهالي المدينة والزوار على حد سواء؟

وباتت المعالجة الجذرية لهذه المشكلة، تتطلب تدخلاً حاسماً من السلطات المحلية ووضع خطة شاملة لتنظيم استخدام المرجة بما يحافظ على طابعها التراثي والعام، مع توفير بدائل للأفراد الذين "استولوا" عليها بطريقة غير قانونية.

ويتساءل عدد كبير من المواطنين الذين يترددون عليها يومياً عن الجهة المسؤولة، معتبرين أن الأزمة بدأت تتفاقم مع تهاون رؤساء البلديات المتعاقبين في الولايات الثلاث الأخيرة، واستمرت تداعياتها حتى يومنا هذا. وزاد طول مدة التراخي من تعقيد الأمور، فتنظيم هذا الفوضى وإزالة المخالفات التي لا حصر لها، مثل تلك الموجودة في بعض "الأكسبرسات" المجاورة للبياضة وغيرها، أو على الطرق ارئيسية، يتطلب اتخاذ قرار حازم وجريء.

بدل مالي للمقعد!

فرأس العين تمثّل الرئة التي يتنفس من خلالها سكان بعلبك، الذين يتوافدون إليها في شتّى أوقات النهار والليل، سواء للاستمتاع بجمال الطبيعة أو لممارسة الرياضة أو للقاء الأصدقاء. اليوم، تبدو هذه المساحة الساحرة ضيّقة، كأنها تتشارك مع المقاهي في هذه المعاناة. فإذا لم تسنح لك فرصة العثور على مقعد شاغر، ستضطر إلى الجلوس على المقاعد بتكلفة مالية قد تكون صادمة!

يعبّر الدكتور حسين الجمّال، أحد أبناء المدينة والناشط في مجالاتها الثقافية وعضو العائلة البعلبكية، عن استيائه العميق مما يحدث، مشيراً الى "أن تصرفات المسؤولين، وعلى الأخص القيّمين على العمل البلدي الحالي أو الذين سبقوهم، لا تعكس التزام الواجب حفاظاً على الأملاك العامة"، ويؤكد "أن من واجبهم التصدي لكل الممارسات غير القانونية التي تهدّد هذه الممتلكات. فالناخبون، نحن أبناء البلد، وضعنا ثقتنا فيهم كأعضاء منتخبين ليكونوا حرّاساً على مقدراتنا العامة وليس ليكونوا سبباً للتفريط بها".

صورة سلبية عن المدينة

ويقول: "قامت العائلة البعلبكية وهي مجموعة أفراد تمثل معظم العائلات البعلبكية، بزيارة رئيس البلدية الحالي وعرضت المشكلة وآثارها الجسيمة، وأهمية الحفاظ على هذا الموروث العام الذي تتفاخر به المدينة. إن مرجة رأس العين تعدّ بمثابة ذاكرة حيّة لكل مواطن في بعلبك أو زائر لها، ولكن ما يحدث اليوم من انتهاكات داخل هذا المتنفس الأكبر والأوحد في المدينة، هو نتيجة ممارسات يقوم بها من نصّبوا أنفسهم قيّمين عليها، مستغلين معظم مساحاتها لتحقيق منافع شخصية. لقد بدأوا بفرض رسوم على الزوار بدلاً من توفير مقاعد لهم، إضافة إلى ما لا يمكن ذكره، مما يشدّ الخناق على الزائرين. إن هذا الوضع يعكس صورة سلبية عن مدينة بعلبك، حيث أن المتنفس العام المجاني الوحيد يتعرض للانتهاك".

ويضيف: "لا يتعلق الأمر بمشكلة شخصية مع هؤلاء الأفراد، فهم أبناء مدينتنا. غير أن مسؤوليتنا جميعًا تقتضي الحفاظ على هويتنا المدنية وتقديم أبهى صورة حضارية عنها. على المعنيين العمل جاهدين لإيجاد حلول ملائمة لأولئك الذين يسعون الى تأكيد مصدر رزقهم. نحن ندرك مشاعرهم وتطلعاتهم، لكن لا ينبغي أن يكون ذلك على حساب هوية المدينة وثقافتها الرفيعة".



تعليقات: