ضجيج معارك وهمية في زحلة.. الخواء يتمدّد

اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور المتناقضة حول زيارة باسيل (المدن)
اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور المتناقضة حول زيارة باسيل (المدن)


تغرق زحلة (كحال لبنان كله) منذ مدة ليست بقصيرة، في نوع من الخواء، يملأه بين الحين والآخر ضجيج معارك جانبية تخاض في معظم الأحيان، من دون أهداف محددة، ولكنها مع ذلك توقظ عصبيات محلية، سواء على المستوى السياسي، وحتى الطائفي والمناطقي، وطبعاً العنصري.


زيارة باسيل وما أشعلته

ليس هذا الخواء بالتأكيد حكراً على ثالث أكبر مدن لبنان، وقضائها، الفاقدين لمرجعية محلية قادرة على احتضان "مزهرية" التنوع الطائفي المميز لمحافظة البقاع عموماً. إلا أن زحلة تشكل نموذجاً حياً لتجلياته، بما يوفره واقعها السياسي الناتج عن تسلل الأحزاب "المركزية" إليها، من عناصر إلهاء بمعارك جانبية، أهدافها تصب في معظم الأحيان بمصلحة تصفية الحسابات، أو حتى الإمساك بمفاتيح القواعد الانتخابية والشعبية، حتى لو أسقطت من عناوينها همومهم الاجتماعية والاقتصادية وحتى السياسية، وبالطبع سبل معالجتها.

تجليات هذا الواقع برزت في نهاية الأسبوع الماضي، من خلال ردود الفعل التي رافقت زيارة رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل إلى زحلة، بما تضمنه برنامجها من لقاءات وزيارات، أشعلت القضاء بمعارك وانتصارات "افتراضية"، بقيت أهدافها غير محددة، مثلما كان عنوان هذه الزيارة وأهدافها.

على وسائل التواصل الاجتماعي تفاعل الزحليون والبقاعيون، سلباً وإيجاباً، مع ما رافق الزيارة من تهليل لمنع موكب باسيل عبور طريق تعلبايا، الذي لم يكن بالضرورة من ضمن خطة الانتقال المحددة، ومن تصدٍ لتلبيته دعوة رئيس بلدية سابق في بلدة مجدل عنجر إلى منزله، أو حتى للقائه أحد المشايخ "الممانعين" في بلدة برالياس. ومع أن أسلحة هذه المعارك كانت حاضرة، من إشعال للإطارات، ورفع لسقف الخطاب وحتى تخط لأصول التخاطب الاجتماعية، وصولاً إلى تعيير كل طرف للآخر بزلّاته، ومن ضمنها طبعاً تفضيل "استضافة" اللاجئين السوريين على إيجاد أرضية مشتركة مع شركاء لبنانيين، فإنها تجنبت السقوط في رد فعل طائفي، سواء أكان ذلك على مستوى أهالي القرى التي قيّدت حركة موكب باسيل باتجاهها، أو من مؤيدي باسيل، حتى لو تصدرت صورة بعض رجال الدين هذه المعارك والتصريحات المرافقة لها. ليبقى الوقع الأكبر لمثل هذه "المعارك" داخل المجتمعات نفسها، وفيما خلّفته من فئات منبوذة، ومحاولات لتقييد حرية ولو أقلية من أبنائها، وحقهم بالاختلاف عن رأي الأكثرية. ليقابل كل ذلك تلميع صورة "الزعيم" الذي خرج بالنسبة لمناصريه كحريص على سلم أهلي كاد جدول زيارته يشعله.


الصور المتناقضة

فضاء زحلة المدينة، والتي كانت الوجهة الأساسية في زيارة باسيل، لا ينفصل عن واقع هذا الخواء، وإن كانت تجلياته أبعد من ردود الفعل التي رافقتها. وعليه شهدت المدينة ترددات "المعارك الوهمية" نفسها، والتي ركّزت في مجملها على شكل الزيارة، وما تضمنته من مواكبة أمنية مضخمة، استفزت الخصوم، وحتى من نواب المنطقة. أما مواجهتها بالنسبة لمناصريه، فكانت بصورة "الزعيم" الذي نزل على الأرض ليتمشى على بولفار المدينة وفي أسواقها التجارية، الخاوية من الزبائن كنتيجة لإخفاقات الطبقة السياسية، في معالجة مجمل الملفات السياسية- الاقتصادية. هكذا اشتعلت وسائل التواصل الاجتماعي بالصور المتناقضة حول زيارة باسيل، مسقطة البحث عما تحمله في أجندتها المحلية، والتي يبدو أنها بقيت خاوية، إلا من ناحية الحديث المتكرر عن زحلة ودورها. فاعتبر باسيل أن زحلة تملك من المقومات ما يجعلها قادرة على لعب دور أفضل من مدينته المنتعشة سياحياً، "البترون"، لتبدو استنتاجاته خميرة ما تكرر على مسامعه خلال لقاء الفعاليات الاقتصادية، من أسطوانة الأحلام المزمنة حول إعادة تأهيل مطار رياق واستحداث "بور جاف" وغيرها من المشاريع، التي هرم الكثير من البقاعيين وهم يسمعون عروضها المستنسخة أمام زعماء الأحزاب والحكومات المتولدة عنها، وبالطبع لا من مجيب.


سوق البلاط والصليب

خاضت زيارة باسيل لزحلة أصغر المعارك، وهي معركة "سوق البلاط" المستنسخة عن زيارته السابقة في مثل هذا الشهر من العام الماضي، فحضر أحد أقدم أسواق مدينة زحلة، والذي يصلح ليكون سوقاً تراثياً، في كلمته الرسمية التي ألقاها في العشاء السنوي للتيار، موقظاً خلافات تناتش تأهيله مع القوات اللبنانية، والتي انتهت إلى تقديم القوات مشروعاً بإعادة تأهيل نحو 150 متراً من السوق. وعلى رغم امتداد السوق على تفرعات أوسع، فإن ذلك لم يكن كافياً لإيجاد أرضية مشتركة أمام الفريقين اللذين يتشاركان الرأي والقرار على طاولة المجلس البلدي، وبالتالي انسدّ الأفق أمام رؤية أوسع حول مستقبل المدينة.

لم يكن هذا الخواء في زحلة، بحاجة لزيارة باسيل حتى ينكشف. فالمعارك الوهمية كانت قد خيضت قبل أيام فقط على صليب، اختلفت وجهات النظر حول تثبيته في مكان عام بمدينة ترتفع قبب كنائسها التي تتخطى الخمسين، ولا تحتاج إلى مزيد من الصلبان لتعبر عن هويتها الدينية. فاستُنزفت الجهود السياسية والحزبية والدينية والبلدية وحتى الشعبية على معركة محلية وهمية، انتهت كواحدة من تلك المعارك التي لا بد منها بين الحين والآخر، كوخزة تملأ الفضاء بضجيج.. فيما زحلة كما لبنان عموماً ماض بخواء.

تعليقات: