الطيبة.. إحدى أكبر بلدات قضاء مرجعيون (الأرشيف)
تعرفت إلى الطيبة للمرة الأولى في الواحد والعشرين من أيار العام 2000، حيث كانت واحدة من أوائل البلدات المحررة التي وطأناها، مع جاراتها، دير سريان، القنطرة، وعلمان القصير، التي تطل على مجرى نهر الليطاني (قعقعية الجسر) ووادي الحجير، الذي كان ممراّ للمقاومين، ولاحقاّ مقبرة لدبابات الميركافا الإسرائيلية في العام 2006.
كانت ساحة الطيبة الواسعة، في تلك الظهيرة، مغمورة بالفرح والابتهاج، وكأن الاحتلال قد زال عنها منذ سنوات طويلة. وهو الذي استمر جاثماّ على أرضها لإثنين وعشرين عاماّ، توقفت فيها الحياة، ولم يبن منزل واحد. إذ بقي عدد منازلها من العام 1978 وحتى العام ألفين 450 منزلاّ، فيما ظل مشروع مياه الطيبة، الذي أنشىء في خمسينيات القرن الماضي، يضخ شريان الحياة إلى القرى والبلدات.
"كعبة" جبل عامل
بلدة الطيبة، إحدى أكبر بلدات قضاء مرجعيون، بعد الخيام وميس الجبل، وترتفع 730 متراّ عن سطح البحر، شكّلت لعقود طويلة "دارة" لزعامة جبل عامل، توالى عليها الجد خليل الأسعد، ونجله عبد اللطيف، الذي عين في المجلسين النيابيين الأول والثاني في عهد الانتداب الفرنسي، وأحمد عبد اللطيف الأسعد، ومن ثم نجله كامل أحمد الأسعد، فتولى إثنان منهم رئاسة المجلس النيابي، أحمد كامل الأسعد 1952- 1953، وكامل أحمد الأسعد، الذي تولى رئاسة المجلس النيابي ثلاث مرات، بعدما كان انتخب نائباّ للمرة الأولى عام 1953.
وبعد انتهاء الحقبة الأسعدية، احتفظت بلدة الطيبة، بأحد مقاعد منطقة مرجعيون النيابية الشيعية، فحل إبن البلدة نزيه منصور، لدورتين 1996 و2000، ثم احتل المقعد مجدداّ إبن الطيبة علي فياض، منذ العام 2009 وحتى اليوم. وهما ينتميان لحزب الله.
ولكثرة الوفود التي كانت تحج إلى دارة آل ألأسعد، حيث زارها رؤساء وشخصيات ومؤيدون، وكانت تقام فيها المهرجانات الانتخابية، أطلق على الطيبة "كعبة جبل عامل" حيث زار هذه الدارة الرئيس اللبناني شارل حلو، الذي دشن المدرسة التكميلية في البلدة في العام 1967، وقبله أيضاً رئيس الجمهورية بشارة الخوري، وغيرهما من الرؤساء والمسؤولين اللبنانيين وغير اللبنانيين.
عين الطيبة الأثرية
على أرض الطيبة، التي تحاذي نهر الليطاني، "الخردلي"، وتحدها العديسة وديرميماس وكفركلا ودير سريان والقنطرة، توجد "عين الفوقا"، التي تعد تحفة معمارية لا يوجد مثيل لها إلا في فلسطين المحتلة وإيطاليا، وتختلف الروايات والأحاديث حول الحقبات والمراحل التي بنيت فيها، وشهدت إعادة تأهيل من جانب بلدية البلدة بعد عملية التحرير.
لا يوجد تعريف واحد لأصل أسم البلدة، فهناك عدة روايات، الأولى: تقول إن إسمها مشتق من اللغة السريانية- الآرامية ويعني الحسن والنعمة والجود، والثانية تفيد بأن معناها الأرض المهيأة ومعدة للزرع والبذار.
بخلاف جاراتها التي تعتمد على القطاع الزراعي، فإن بلدة الطيبة، رغم مساحة أراضيها الواسعة، غردت خارج سربها، وتوجهت الغالبية من أبنائها نحو التجارة والأعمال الحرة والتعليم، وباتت تشكل سوقاّ تجارياّ لمحيطها، حيث يتوافد إليها المتسوقون للتبضع وشراء حاجياتهم المنزلية بكافة أنواعها. فشهدت البلدة بعد عدوان تموز 2006 نهضة اقتصادية وتجارية وعمرانية هائلة وأعمالاً وأشغالاً في البنية التحتية.
دياب: مقاومة الطيبة تاريخية
كغيرها من البلدات عند الحافة الأمامية، تتعرض بلدة الطيبة للاعتداءات اليومية، ويبلغ عدد المسجلين في دفاتر دائرة نفوس مرجعيون 17 ألف فرد، يعيش منهم حوالى أربعة آلاف وخمسمئة شخص في البلدة صيفاّ وشتاءّ، قبل بدء الإعتداءات الإسرائيلية منذ تشرين الاول 2023، حسب رئيس البلدية عباس دياب.
وعلى الرغم من ضراوة الاعتداءات الإسرائيلية، التي أوقعت شهداء من بينهم مختار البلدة وعدداّ من الجرحى، ولم تسلم منها محطة تحويل الطاقة الكهربائية التي تغذي مشروع مياه الطيبة، فإن الحياة في البلدة لم تنعدم، حيث يصمد عدد كبير من العائلات فيها..
ويؤكد دياب لـ"المدن"، أن الطيبة قدمت شهيداّ مدنياّ، هو المختار حسين علي منصور، وتسعة شهداء من خيرة أبنائها "على طريق القدس"، وهم: علي محمود مرمر، علي سعيد يحيى، محمد جودات يحيى، عباس علي مبارك، ابراهيم حسين مستراح، محمد باقر عبد الصاحب دياب، حسن علي نجم، حسين علي رسلان، محمد علي بو طعام.. ودمرت فيها طائرات الاحتلال، سبعة عشرة منزلاّ تدميراّ كلياّ، فيما تضرر أكثر من 100 منزل بأحجام مختلفة، وإحراق محوّل الكهرباء المغذي لمحطة مشروع مياه الطيبة، الذي يمد عشرات القرى في قضائي بنت جبيل ومرجعيون بالمياه، وتم إستبداله حديثاّ بمحول آخر، بجهود من البلدية ونائب البلدة الدكتور علي فياض وجمعية العمل البلدي واتحاد بلديات جبل عامل ومؤسسة كهرباء لبنان. مذكراّ بأن العديد من شبابها المقاومين، من أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية، قد سقطوا في مسيرة التحرير والمواجهات مع الاحتلال الإسرائيلي، إضافة إلى شهداء آخرين في عدوان تموز 2006.
وقال دياب: سبق لهذه البلدة أن كانت في صلب المواجهات مع العدو الإسرائيلي، الذي نفذ عملية كومندوس على أحد منازل البلدة، بتاريخ 1/ 1/ 1975، واشتبك مع مجموعة من المقاومين، الذين استشهد منهم الأب علي حسين شرف الدين وولديه فلاح وعبدالله. كما استشهد في الاعتداء الإسرائيلي نفسه إبن البلدة محمود قعيق. وقد شارك في تشييعهم الإمام موسى الصدر. وقبل ذلك، نسفت إسرائيل في السبعينيات 13 منزلاّ في محيط مشروع الطيبة وسوتها مع الأرض.
ويشير دياب لـ"المدن" إلى أن الطيبة تغتني بأجمل عيون المياه وأقدمها في لبنان، كما أنها تضم واحات كبيرة من الأراضي، التي تم تشجيرها مؤخراّ وتتجاوز مساحتها 600 دونم، تم غرسها بأشجار الصنوبر والخروب والأرز، وأقيم فيها مدرسة ثانوية، دشنها رئيس المجلس النيابي الحالي نبيه برّي. مضيفاّ أن الطيبة تميزت بمهرجانها الصيفي (عطيبة لاقونا) وكان يتضمن فعاليات فنية ورياضية وعشاء قروياً وغيرها من مباهج الفرح في ساحتها، التي تحافظ على تراثها. لكنها توقفت منذ جائحة كورونا.
تعليقات: