دير سريان، القنطرة، علمان القصير، طلوسة، ورب ثلاثين، محيبيب، وبني حيان.. بلدات جنوبية، في قضاء مرجعيون، تقع على خط نيران الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، منذ قرابة أحد عشرة شهراّ، حيث سقط العديد من أبنائها شهداء، ودمرت فيها عشرات المنازل وأحرقت أشجار مثمرة وحرجية، ونزح كثير من أهلها إلى أماكن بعيدة عن ساحة العمليات والمواجهات.
واد تاريخي
تنعم هذه البلدات، التي كانت واحدة من قرى ما يسمى الشريط الحدودي المحتل، وتحررت في أيار العام 2000، بطبيعة خلابة وغطاء حرشي واسع ومطاحن وادي الحجير التاريخية الثمانية (مطحنة الرمانة، مطحنة السمحاتية، مطحنة أبو شامي، مطحنة الشقيف، مطحنة قرين، مطحنة العين، مطحنة الجديدة، مطحنة السلمانية) ونبع هذا الوادي، الذي انعقد حوله مؤتمر وادي الحجير في شهر نيسان من العام 1920، دعا خلاله المؤتمرون من أعيان شيعة جبل عامل، إلى الوحدة مع سوريا، والمناداة بفيصل ملكاً، ورفض الانتداب الفرنسيّ.
شكلت محمية وادي الحجير الطبيعية، التي أنشئت في العام 2012 على مساحة تقارب 26 كيلو متر مربع، وسبقها شق وتعبيد طريق في أعقاب التحرير، يربط بلدات وقرى المنطقة، إبتداء من قعقعية الجسر، في منطقة النبطية، وصولاّ إلى عيترون، في بنت جبيل، مروراّ على جنباته قرى، فرون والغندورية وتولين ومجدل سلم وقبريخا والقنطرة ودير سريان وبني حيان ورب ثلاثين وطلوسة وغيرها، متنفساّ فعلياّ وحقيقياّ لهذه البلدات، التي وضعت بفعل مقوماتها الطبيعية وخضرتها الدائمة ومجاري وينابيع المياه والطواحين، على الخريطة السياحية، التي تعدت الجنوب إلى كل لبنان.
تتشابه تلك البلدات والقرى، في طبيعتها وطيبة أبنائها وزرعها، من زيتون وتبغ وأشجار السنديان المعمرة، التي تتآلف جذوعها مع صلابة وصخور أرضها، ولم تسلم من القذائف الفوسفورية الحارقة.
القنطرة: بوابة التحرير
اكتسبت بلدة القنطرة، التي يقارب عدد أبنائها الأربعة آلاف نسمة، وتمتد على آلاف الهكتارات المكسو قسم كبير منها بالثروة الحرجية، ميزة "بوابة التحرير" الذي تحقق في الواحد والعشرين من أيار العام 2000.
تعود مسيرة القنطرة المقاومة، التي شكلت منحدراتها وبساتينها، عند نقطة وادي الحجير "وادي الشهداء"، حاضنة المقاومين وممراً لهم لتنفيذ العمليات ضد المواقع الإسرائيلية والمتعاملين معها.. إلى سبعينيات القرن الماضي. فكانت مع جاراتها الطيبة ودير سريان وغيرهما، تتعرض لهجمات واقتحامات العدو على أرضها، حيث سقط العديد من أبنائها شهداء، وخصوصاً في الاجتياح الإسرائيلي الأول في آذار العام 1978، ودمرت فيها العديد من البيوت.
يستذكر مختار البلدة، زينو حجازي، مرحلة الاعتداءات الإسرائيلية على البلدة، التي تمتاز بموقع جغرافي استرتيجي يطل على وادي الحجير. ويقول حجازي إن القنطرة لعبت دوراّ في التصدي لكل انواع الاعتداءات الإسرائيلية، التي طالت البلدة في العام 1974، ثم في العام 1977، حيث سقط إبنا البلدة يوسف عبد الحسين حجازي (حركة أمل)، وشارك في تشييعه آنذاك الإمام موسى الصدر، وأيضاّ الشهيد حسن قاسم عبدالله.
وحول محطة الاجتياح الإسرائيلي في العام 1978 يوضح حجازي أن عدد شهيدات وشهداء البلدة بلغ خمسة، هم: سعدى الحسين، حسين ملكاني، وردة حيدر، تفاحة بشارة، وعلي حسن صبرا. ومؤخراّ سقط ثلاثة شهداء من أبنائها بغارة إسرائيلية، على منزل كانوا يقيمون فيه، في بلدة الصوانه، وهم الشقيقان الطفلان محمد وأمير جلال محسن، ووالدة أمير روعة المحمد. مؤكداً سقوط شهداء آخرين في مسيرة التحرير والمقاومة، ارتوت بدمائهم أرض القنطرة والجنوب.
ويضيف المختار حجازي لـ"المدن"، أن القنطرة التي أعيد الإعمار فيها والبنية التحتية بعد التحرير، يعتمد المقيمون فيها على العمل في قطاع الزراعة، لا سيما زراعة الزيتون التي تشتهر فيها القنطرة، ويليها التبغ بنسبة قليلة في الوقت الحالي. مؤكداّ بأن أرض البلدة استضافت مؤتمر وادي الحجير، برئاسة الإمام عبد الحسين شرف الدين. كما يوجد في نطاقها العقاري ثلاث مطاحن تاريخية، وعدد من المطاعم والشاليهات السياحية، التي أعطت حيوية اقتصادية للمنطقة بأكملها.
دير سريان: أرض الخيرات
تشاركت بلدة دير سريان، مع جارتها القنطرة في اليوم الأول للتحرير. وهي الأخرى قدمت العديد من شبانها شهداء، كان آخرهم في حرب الإسناد لغزة، الشهداء حسن كريم ويوسف يحيى وحسن كريم، إضافة الى عدد من الجرحى والأضرار في المنازل والممتلكات.
يغلب على دير سريان، التي تمتاز بتربتها الحمراء الخصبة، الطابع القروي الزراعي الموسمي، لا سيما القمح والتبغ والشعير والسمسم وسواها.
معظم أبنائها الفلاحين، الذين يقيمون فيها على مدار السنة، تمسكوا بأرضهم، التي زرعوها بالتبغ والقمح، وأعتنوا بزيتونها المنتشر في أرجائها، ما أبقى الحياة في هذه البلدة المتكئة على كتف نهر الليطاني، شبه طبيعية، رغم الاعتداءات الإسرائيلية والغارات التي تطاولها.
يلفت مختار دير سريان علي إبراهيم، إلى أن البلدة تمتد على مساحة أكثر من ثمانية آلاف دونم، من بينها حوالى 2800 دونم أملاك عامة، "مشاعات" تشكل واحة خضراء، فيما يقارب عدد أبنائها المسجلين في قلم النفوس، نحو أربعة آلاف فرد، وترتفع أكثر من 500 متر عن سطح البحر.
ويقول المختار إبراهيم لـ"المدن"، إن نسبة كبيرة من أهالي دير سريان، منخرطون في أسلاك الدولة، وخصوصاً السلك العسكري، فيما يعتمد غالبية المقيمين فيها على النشاط الزراعي، إضافة إلى نسبة قليلة من المغتربين.
تعليقات: