المهندس عدنان سمور
هو الصراع الجاري اليوم ، يدفعنا لإيجاد طريقة تساعدنا على فهم الأسباب العميقة الكامنة خلف الأحداث والتحديات الصعبة التي يعيشها عالمنا اليوم ، ويجمع الباحثون والخبراء ان العالم منقسم اليوم أكثر من أي وقت مضى بين معسكرين عريضين ، لكلٍّ منهما وجة نظر خاصة به ، تملي عليه فهمه للوجود وكيفية تعاطيه مع أحداثه ، وجهة نظر الفريق الأول لا ترى فاعلاً في حركة التاريخ والحاضر والمستقبل البشري غير الإنسان والطبيعة المادية ، وأصحاب وجهة النظر هذه هم الغرب الجماعي بزعامة أميركا وربيبتهم الصهيونية ، يعتبرون ان محرك التاريخ البشري الأوحد يكمن في عامل القوة وحده لا شريك له ، لذلك سعوا بكل ما اوتوا من طاقة وإمكانات لإمتلاك القوة بشتى انواعها التسليحية والعلمية والتكنولوجية والإقتصادية والسياسية والعلمية والإعلامية وكل ما يخطر على بال بشر ، وبرأي هؤلاء المتربعين باسم القوة والتسلط والتحكم على عرش الحضارة الإنسانية ، وبإعتقادهم أنهم يمسكون بكل إقتدارٍ ، بمفاتيح صناعة مستقبل البشرية ، الأمر الذي يمكنهم من تأبيد هيمنتهم ونهبهم لثروات العالم ورسم مصائر شعوب الأرض ، بما يخدم مصالحهم ويوظف الآخرين أياً كانوا لخدمتهم وخدمة مشاريعهم الجشعة البشعة . أما أصحاب وجهة النظر الثانية فهم يؤمنون بأن هذا الوجود ، الذي يبدو بظاهره مكوناً من الإنسان والطبيعة ، هو وجودٌ مشبعٌ بروح غيبية إلهية تنساب برفق بين ثنايا القوانين المادية التي تحكم مسارات المادة وحركتها ، ومسارات الأحداث التي تصنع التاريخ وحركته وترسم مسارات التدافع بين بني البشر ، ويؤمنون بأن لهذا الوجود سُنَنٌ ومساراتٌ ، وأن للغيب في صناعتها والتحكم في مآلاتها ومصائرها أثر فاعل وحاسم ، والبشر الذين يؤمنون بأنهم يمتلكون في عمق وجودهم من الغيب أبعاداً ومواهب ووعي ، ومن الطبيعة اجساداً ووسائل وأدوات وطبيعة ، يراهنون على ان المحرك الغيبي الأساسي ، واضع السنن التاريخية المتحكمة بهذا الوجود ، كما يؤمنون بأن لهذا الغيب الإلهيِّ حضورٌ فاعلٌ ومتألقٌ ومبدع في رسم حركة التاريخ ، للوصول بها إلى الأهداف الكبرى التي حددها الغيب منذ الأزل لهذا الوجود وقبل خلق العالم ، والذي يؤكد صحة هذا الإيمان وهذا الإعتقاد لدى هؤلاء ، أن المؤمنين بأحادية تأثير القوة في صناعة احداث التاريخ ومساراته ، هم رغم امتلاكهم لأسباب القوة القاهرة التي تفوق أي تصور ، فإنهم يعانون اليوم من حركات مقاومة بالغة الأثر ، باتت تفشِل وتعيق مشاريع هيمنتهم وتسلطهم وبلطجتهم في هذا العالم ، رغم ان قوة المقاومين والممانعين لا تكاد تقارن بقوتهم وبما يمتلكون من ادوات وتقنيات قتل وتدمير .
فمن أين يأتي فارق التأثير بين القوة المادية المتواضعة التي يمتلكها المستضعفون الذين يؤمنون بقوة عامل الغيب ويراهنون عليها ؟
وبين القوة الطاغية الهائلة التي يمتلكها الذين لا يؤمنون بوجود أي أثر لعالم الغيب في هذا الوجود ؟ وإلام يشير صمود وثبات غزة المستضعفة والمحاصرة والمدمرة والمذبوح اهلها ، في وجه الحرب الكونية التي تخوضها أميركا وغربها الجماعي وربيبتهم الصهيونية ضدها ؟ ألا يشير هذا الإنجاز الإستثنائي والعجائبي لفلسطين وشعبها الجبار بكل المقاييس ، ان الفلسطينيين يمتلكون اسباب قوة ، يجهل معناها ويعجز عن فهمها ، الغرب المتغطرس والظالم والمغتر بقوته وبما يمتلك ، هذه القوة ليست سوى الإيمان بالغيب الذي يعطي المؤمن قدرات نوعية فائقة ، قادرة على هزيمة وكسر وإفشال كل قوى الطبيعة والمادة مهما عظمت وتعملقت .
وكأن فلسطين وانصارها اليوم في المنطقة والعالم يقولون للذين يراهنون على قوتهم المادية الحاسمة ، ولا يلتفتون لتأثير الغيب المتغلغل في تفاصيل هذا الوجود " أيها المؤلِّهون للمادة ولقدرتها ، انظروا الى أمم كانت قبلكم تركت خلفها معجزات تحكي حكايا قوتها العمرانية التي ما زال العقل البشري تائهاً في فهم حقيقة الآدوات والقوى التي استخدمت في تنفيذها ، ولا يجد أجوبة مقنعة في هذا المجال ، رغم تقدم العلوم والفنون ، ورغم ذلك فقد طوى الزمان ذكر هؤلاء العمالقة واستبدلهم لما افسدوا ، بأقوام غيرهم ، هم اكثر منهم نفعاً للبشرية وحضارتها ، لذلك لا يغرَّنكم ايها الماديون ، المعجزات العلمية التي ستتركونها خلفكم بعد ان يستبدلكم الغيب بمن هم انفع منكم لبني البشر ، ولن يغني عنكم يومها غزوكم للفضاء ولا علوم الذرة المتقدمة التي طورتوها ، ولا النانو تكنولوجي ولا الحواسيب العملاقة ولا الأسلحة الفتاكة ولا الطاقة البديلة ولا العمران الهائل والمعقد فوق الأرض وتحتها وفي البحار وفي القفار ، وكأن لسان حال فلسطين ومستضعفي العالم اليوم يقول : "أيها العميان الماديون ، إن الله حيٌّ لا يموت ، وهو غالبٌ على امره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
عدنان ابراهيم سمور - باحث عن الحقيقة
10/09/2024
تعليقات: