عيناثا: قمة جبل عامل التي بكّرت في المقاومة

عيناثا بلده العلماء والأدباء والفقهاء والشهداء
عيناثا بلده العلماء والأدباء والفقهاء والشهداء


"بير الزبيب" في وسط بلدة عيناثا القديمة، معلم من معالمها، لم تفسده الطريق التي شُقّت على جانبيه. بقي البئر يختزن ذاكرة الأجيال، التي كانت تتحلق حوله لملء المياه وسرد حكايا النهارات والأماسي، عند مصطبة دكان المرحوم عبد الحسن فضل الله المقابلة للبئر، كما هو حال عين الجوزة وعين السفلي وعين فريز وعين البيدرة وعين البلانة وعين البستان .

لوفرة عيون الماء هذه، أطلق على البلدة اسم "عيناتا" او "عيناثا"، فيقال إن أصل الأسم، هو كلمة آرامية مركبة من جزئين "عين" وتعني عين المياه و"آثا" اسم لأحد الأمراء، الذي فقد عينه في معركة في عيناثا، فسميت البلدة "عين آثا"، وأصبحت تلفظ عيناثا.


بكّرت في المقاومة

تمتد أرض عيناثا الواسعة، إلى بنت جبيل وعيترون وكونين ومحيبيب، على مساحة تتجاوز 35 مليون متر مربع. وعلى هذه الأرض حصلت أحداث تاريخية كبيرة، قبل أكثر من 300 عام، ثم توالت مشاركة العديد من أبنائها، في مقارعة العثمانيين والإنتداب الفرنسي وصولاّ إلى الإحتلال الإسرائيلي، الذي إرتكب فيها، واحدة من أكبر المجازر في العام 2006. سقط حينها أكثر من 20 شهيدة وشهيداّ مدنياّ، إلى جانب 14 شهيداً مقاوماً في مواجهات مباشرة مع جيش الإحتلال، عند محاور مثلث بنت جبيل، عيناثا، عيترون، ومارون الراس، إلى جانب تدمير اكثر من 250 منزلاً وتضرر المئات .

تواءمت في عيناثا، المتداخلة جغرافياً وإجتماعياً مع بنت جبيل، مسيرة علماء الدين والفقه والمعرفة والشعر والأدب والسياسة، مع إنخراط الكثير من أبنائها في الإنتفاضات الشعبية، والإبكار في المقاومة المسلحة على أرضها، فكان الشهيد علي حسن أيوب "أبو حسن" فاتح عهد الشهداء، في العام 1972، والذي إستشهد بمواجهة مع جنود العدو في وسط البلدة، لتكر بعده سبحة الشهداء، في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي.

يومها رثا الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني الشهيد جورج حاوي، في مراسم تشييع الشهيد أيوب في عيناثا، في اواخر شباط من العام 1972 قائلا:

"نحن الشيوعيون… واحد منا أبو حسن.

استيقظ على صوت دبابات العدو، حمل سلاحه، قاوم، أطلق الرصاص على الغزاة…سقط وهو يقاتل.. وأنقذ شرف لبنان.

نحن الشيوعيون، واحد منا علي أيوب (أبو حسن)، يعمل طوال النهار وعند المساء يحمل سلاحه، ويتوجه الى إحدى قواعد الحرس الشعبي، يحرس قريته، ويشارك في المهام والكمائن حتى الفجر. يذهب لينام قليلاً ثم يمضي إلى عمله ويعود في المساء و في كتفه بندقيته.

نحن الشيوعيون واحد منا علي أيوب. بندقيته التشيكية، جمعنا ثمنها ليرة ليرة من كل أنحاء لبنان، وكذلك الرصاصات الثلاثون التي وجدت بجانبه فارغة".

بعد إستشهاد أيوب، تكررت الإعتداءات الإسرائيلية على عيناتا، فسقط شهداء كثيرون، خصوصاً في العامين 1977 و 1978، وصولاً إلى استشهاد آخرين في إطار "المقاومة الوطنية" و"المقاومة الإسلامية"، وأفواج المقاومة اللبنانية "أمل" وصولاً إلى شهداء حرب الإسناد والمشاغلة، حيث سقط ثلاثة من أبناء البلدة شهداء، على طريق القدس وهم: محمود فضل الله، محمد علي سمحات، وعبد الكريم سمحات، إضافة، إلى سميرة عبد الحسين أيوب، التي إستشهدت مع حفيداتها الثلاثة من آل شور، بغارة بين عيناثا وعيترون، اضافة إلى الطفلين الشقيقين حسن وأميرة فضل الله، اللذين إستشهدا، في العدوان على ضاحية بيروت في 30 تموز الماضي، أثناء إستهداف القائد الجهادي في "حزب الله" الشهيد فؤاد شكر.


بلدة محبة للشعر

يحفظ كثير من الناس، الذين تتعدى جغرافيتهم، بلدة عيناثا، بيتاً خالداً ومشهوراً من الشعر، (ما يزال صاحبه وتاريخه مجهولين) يقول "على عين عيناثا عبرنا عشية، عليها عيون العاشقين عواكف".

وفي مكان آخر يرد إسم عيناثا، في أبيات من الشعر، غناها الفنان مارسيل خليفة عنوانها "حكاية جدي" من كلمات الشاعر بطرس روحانا وذلك في سبعينيات القرن الماضي، ومن كلماتها:

وراح جدي نهار

لبعد عيناتا

ناس قالو ضاع

وناس عملو اسبوع

والزغار زغار

بيتفركشو بدمعة

راح يخلصو الكبار

اسبوع بعد اسبوع

راح روح جيب الشمس

وروح جيب جدي

وروح جيب الحلم

واذا كان بعيد

جدي اذا ضاع

في بعيناتا

عقد نار وعيد

وبواريد


فضل الله: البلدية وأهلها

تأسس أول مجلس بلدي في بلدة عيناثا، في العام 1963، ما لبث ان قدم استقالته وتولى قائم مقام بنت جبيل إدارة البلدية حتى العام 2002. ومنذ ذلك التاريخ، لعب أدواراً إنمائية، توزعت بين البنى التحتية والخدمات.

في زمن العدوان الإسرائيلي، الذي إعتادت عليه عيناثا مع جاراتها، عيترون وبنت جبيل ومارون وغيرها، يصمد في البلدة، عشرات العائلات من أبنائها، تقدم لهم خدمات ومقومات الصمود صحيا وخدماتيا وانمائيا.

يؤكد رئيس البلدية الدكتور رياض فضل الله، أن عيناثا اعتادت على الإعتداءات الإسرائيلية، منذ مطلع السبعينيات، وقدمت عدداّ كبيراّ من ابنائها شهداء، في سبيل قضية فلسطين والمقاومة، وتحرير الأرض والدفاع عنها، وما زالت على هذا المنوال إلى اليوم، إنطلاقاّ من ثوابتها الوطنية والعقائدية .

ويضيف فضل الله لـ "المدن" أن عيناتا قدمت في عدوان تموز- آب 2006، أكثر من اربعين شهيداّ، بينهم ما يفوق على العشرين سقطوا في مجزرة مروعة، مؤكداً أن حوالي ثلاثين بالمئة من الأهالي صامدون بأرضهم حالياّ، رغم الإعتداءات والغارات الإسرائيلية التي أوقعت شهداء وجرحى ودمرت منازل بشكل كامل .

ويشير فضل الله، إلى انه مع بدء العدوان، تم تشكيل خلية أزمة، من البلدية وفعاليات وإمام البلدة، لمتابعة شؤون وشجون الأهالي الصامدين والنازحين إلى مناطق لبنانية متعددة، منها صور والنبطية وبيروت وضواحي البلدة، حيث تؤمن مساعدات مالية، ومعونات غذائية وإستشفاء ودواء، مشيراّ إلى أن البلدية لم تتوانَ عن واجبها تجاه أهلها، فعمدت في فترة الهدنة، إلى زراعة أكثر من 30 دونم قمح، تم حصادها ودرسها، وتواكب باستمرار أعمال البنية التحتية، لا سيما المياه والكهرباء، التي تضاء 24 ساعة يومياّ، بواسطة مولدات البلدية، التي تنفذ أعمال نظافة وجمع نفايات ومتابعة اعمال الصيانة ولا سيما تأهيل شبكة المياه، والعمل على ايصال المياه الى جميع حارات البلدة .

ويشير فضل الله إلى أن عيناثا، التي يبلغ عدد أبنائها اكثر من 13 ألفاً، شهدت هجرة مبكرة في اوائل الخمسينيات إلى الخليج العربي، خصوصاً دولة الكويت، وأن عيناثا تقوم بجناحيها المقيم في لبنان والمغترب، الذي يتوزع في افريقيا واوروبا واميركا وغيرها، وأن هؤلاء المغتربين لهم بصمة واضحة في عمليات الإنماء والمشاريع الخدماتية والإجتماعية والصحية والتربوية، التي تنفذ في البلدة. مشيراً في هذا السياق، إلى مشروع دعم المدرسة الرسمية واعادة تأهيلها وافتتاحها، وتتحمل البلدية لغاية الان رواتب عدد من المعلمات .


سمحات : تاريخ عيناثا الغني

يؤرخ الدكتور قاسم سمحات لحقبة طويلة من تاريخ بلدته عيناثا، يسرد فيها مراحل من تاريخها الحديث، ويُفرد مساحات واسعة للمرجعيات الروحية والفكرية والشهداء، في سبيل لقمة العيش والدفاع عن الأرض، في مواجهة الإحتلال الإسرائيلي .

ويعرض الدكتور سمحات في كتابه (عيناثا قمة في جبل عامل، نوافذ على التاريخ والتراث) لجذور العائلات العيناتية، ومن أبرزها عائلة شكر، التي أقامت فيها إمارتها لحوالي خمسماية عام، وإنتهت سلطتها في العام 1607 بمعركة طاحنة مع قوات علي الصغير، أحد الزعماء الوائليين، الذي ثأر لافراد عائلته، بمن فيهم والده، الشيخ حسين الصغير، الذي قتل على يد "الشكريين" قبل سنوات، حيث جرى قتل وتهجير الغالبية من أركان العائلة خارجها، وبقاء أفراد قليلين جداّ، مؤكداّ بأن والدة علي الصغير، التي نجت وحدها، كانت حاملاّ به عند قتل الشكريين افراد عائلتها، ولجأت إلى قبيلتها "السوالمة" وبعدما وضعت صبياً أسمته علياً، أخبرته عندما كبر عن حادثة قتل الشكريين لوالده، فثأر لعائلته مستعيداّ الإمارة من الشكريين في عيناثا وقانا .

ويؤكد سمحات لـ "المدن" أن شباب عيناثا، أبكروا في مواجهة الظلم، وإستشهد منهم إثنان في إنتفاضة التبغ في بنت جبيل العام 1936، ضد إحتكار شركة "الريجي"، هما محمد الجمال وعقيل دعبول وولوج المئات من شبابها في الأحزاب اليسارية في مرحلة المد اليساري، وخصوصاّ حزبي البعث والشيوعي .

ويشير سمحات، إلى إغتناء عيناثا بعلماء وفقهاء الدين، من آل فضل الله، ومنهم المرجع المرحوم السيد محمد حسين فضل الله، نجل السيد عبد الرؤوف فضل الله، وتبوأ احد أبناء هذه العائلة مقعداّ نياباً عن منطقة بنت جبيل، النائب حسن فضل الله، كما يسجل للكثير من ابنائها النجاح في مختلف الميادين .

تعليقات: