شكلت الضربات الإسرائيلية أذى كبيراً معنوياً وعسكرياً وأمنياً داخل الحزب (Getty)
سقطت كل الحسابات القديمة. لم تعد القراءات التقليدية للحروب تنفع لتقدير ومعرفة ما الذي يجري. هو التغيير الكلّي لقواعد الاشتباك بين إسرائيل وحزب الله. إنها عملية مخطط لها منذ أشهر، تتداخل فيها عوامل كثيرة داخل لبنان وخارجه. تغيّر هذه العملية كل قواعد اللعبة. هي تنهي منظومة الردع التي أرساها حزب الله منذ العام 2006. ما يضع الحزب أمام قرار واضح يحتاج إلى اتخاذه مع الإيرانيين، إما تنفيذ هجوم كبير لاستعادة منظومة الردع، أو الإستمرار في تلقي الضربات المماثلة. وهو ما تتركز حوله النقاشات داخل الحزب، إلى جانب التحقيقات الجارية لكشف أي اختراق أمني محتمل منذ بداية رحلة شراء هذه الأجهزة والتي مرّت بدول عديدة.
حرب جديدة
تساؤلات كثيرة تُطرح حول توقيت هذه العملية المتزامنة والتي تشكل أذى كبيراً معنوياً وعسكرياً وأمنياً داخل الحزب وفي صفوفه. بعض التقديرات تشير إلى مخاوف إسرائيلية من اكتشاف الحزب للخرق وأن الأجهزة التي بحوزته مفخخة، فاضطر الإسرائيليون إلى تنفيذ العملية سريعاً خوفاً من إفشالها. ما وراء ذلك كلام كثير يمكن أن يقال، خصوصاً إذا كان الإسرائيليون يفكرون جدياً في تفجير هذه الأجهزة بالتزامن مع شنّهم لعملية عسكرية، موسعة أو برّية، ضد حزب الله. عندها فإن الهدف كان شلّ قدرات الحزب الميدانية وقطع وسائل الاتصال وتوجيه ضربة كبيرة، يمكنها أن تشكل انهياراً في معنويات العناصر والكوادر والبيئة خلال حصول هذه المواجهة أو الحرب.
عملت إسرائيل على تحضير أرضية ميدان لحرب يعتبرون أن الحزب ليس لديه أسلحة فيه. ولذلك، هم سيصرّون على مواصلة هذا النوع من الحرب، مقابل تجنّب أي عمليات مواجهة مباشرة أو برّية يظهر فيها الحزب تفوقاً أو قدرات عسكرية وبشرية كبيرة جداً، ستكبدها خسائر هائلة. الميدان الذي يعمل فيه الإسرائيليون هو صفر خسائر بشرية بالنسبة إليهم، في مقابل إلحاق خسائر بشرية بالآلاف في صفوف الحزب، وهو يضعها في مكان لا تكون فيه بحاجة للدخول في حرب تقليدية أو معتادة مع الحزب، والتي يمتلك فيها الحزب وسائل ردّ مؤذية جداً. هذه هي صيغة الحرب الجديدة.
تحديات كبيرة
لكن ذلك لا بد له أن يستدعي ردوداً عنيفة من قبل الحزب، لضرب السردية الإسرائيلية القائمة على فكرة أو هدف إعادة سكان المستوطنات الشمالية. فسيعمد الحزب على زيادة منسوب التهجير بتوسيع عملياته. ما يعيد فرض تحديات جديدة أمام تل أبيب لتنفيذ عمليات توفر لها القدرة على إعادة السكان، بينما سيسعى الحزب لإبقاء "شمال إسرائيل" خالياً من مستوطنيه على وقع طول أمد هذه الحرب، إلا إذا عادت وتغيرت قواعد الاشتباك وميدان المعركة في المرحلة المقبلة.
ما جرى يفرض على الحزب تحديات كبيرة. يقف الحزب والإيرانيون على مفترق طرق، إما اتخاذ قرار يعيد تجربة ما بعد العام 2006، أو انهيار كل التوازنات العسكرية والسياسية والأمنية التي أرستها طهران مع حلفائها في كل المنطقة. لا سيما أن الإسرائيليين يلجؤون إلى توجيه ضربات عميقة للجانب المعنوي لدى الحزب والإيرانيين والبيئة الحاضنة، بشكل تريد فيه تل أبيب منع حزب الله من الخروج لإعلان الانتصار وكسر المشروع الإسرائيلي.
نصب الفخ
ثمة من يعتبر أن إسرائيل لن تبادر بهجوم واسع، ولو أرادت ذلك لفعلته بالتزامن مع تنفيذ العملية التي قطعت أجهزت الاتصال وعناصر التواصل بين كوادر الحزب. ما تريده إسرائيل هو وضع الحزب في موقع حرج جداً، أو تنصب له فخاً، أي أن يُستدرج إلى ردّ عنيف فتستغله لتوسيع العملية العسكرية وتصعيدها، ووضع الأميركيين تحت الأمر الواقع. أو أن يتجنّب الردّ المتوازن الذي يتيح له استعادة منظومة الردع، ما يعرّضه للمزيد من العمليات المشابهة أو المفاجئة.
ما بعد العملية، جرت اتصالات كثيرة على المستويات الدولية والإقليمية في محاولة لمنع انفجار الأوضاع. تم تمرير رسائل وضغوط على حزب الله لدفعه إلى التراجع أو التنازل، خصوصاً بعد الاستناد إلى القدرات الإسرائيلية على تحقيق إصابات وإظهار حجم التفوق التكنولوجي. ويعتبر ديبلوماسيون أن الحزب سيعيد حساباته كثيراً قبل التفكير بالمزيد من التصعيد. لا بد من انتظار زيارة وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن إلى إسرائيل في نهاية الأسبوع الحالي، والتي بناء على نتائجها يمكن معرفة الوجهة للمرحلة المقبلة، ومدى انخراط الولايات المتحدة في هذه المعركة أو المواجهة، لا سيما بعد إعلان أميركا عن التزامها بالدفاع عن إسرائيل.
خيار تصعيد الحرب بالنسبة إلى حزب الله ليس سهلاً، إنما قد يؤسس لكارثة كبرى على مستوى البلد، وعلى مستوى بيئته الحاضنة، عسكرياً واجتماعياً. إنها حرب أو صراع على وجهة المنطقة، والطرف الذي يريد ريادتها. وفي حال انتهت المعادلة على هذا النحو ستكون إسرائيل هي التي ربحت في هذه المعركة. وهو ما كانت إيران وحزب الله قد أعلنا عزمهما على منعها من ذلك، ولو طالت آفاق المعركة واتسعت الحرب لتشمل الإقليم كله.
تعليقات: