زراعة واعدة تغيب عنها اهتمامات الدولة.. الفستق يُنافس بجودته ومذاقه ومردوده عال

فتيات يعملن في قطاف الفستق في عكار
فتيات يعملن في قطاف الفستق في عكار


مع انتصاف شهر أيلول، استعجل مزارعو الفستق أو الفول السوداني في محافظة عكار جني محاصيلهم لهذا العام قبل أن تدهمهم الأمطار.

الفستق كان من بين أهم المحاصيل الزراعية التي تتميّز وتنفرد بها محافظة عكار، وخصوصاً سهل عكار أحد اكبر السهول الساحلية في لبنان (18 الف هكتار)، إضافة الى سهل البقيعة في منطقة وادي خالد الحدودية مع سوريا.

في الأعوام السابقة، كانت مواسم جني محصول الفستق عبارة عن أعراس سنوية تجتمع في خلالها عائلات المزارعين لتتعاون معاً على إتمام حصاد محاصيلهم قبل حلول الشتاء.

كما أن أصحاب مزارع الأبقار والاغنام والخيول ومربيها غالبا ما يشكل لهم بدء موسم جني الفستق، فرصة إضافية لتوفير علف لحيواناتهم في فصل الشتاء، إذ أن نباتات الفستق الخضراء تعدّ من أهم الاعلاف للحيوانات نظراً الى كونها طبيعية مئة في المئة وتتمتّع بقيمة غذائية عالية جداً، ويرون فيها أفضل أنواع الآعلاف .

لذلك، تراهم يتهافتون الى حقول الفستق لضمان تأمينحاجاتهم من الأعلاف، إما عبر شرائها وإما عبر "المفاعلة" بالعمل على اقتلاع نباتات الفستق وقطاف ثمارها لقاء حصولهم على النباتات.


إستعادة الثقة

المزارع جمال خضر يشير الى "أن زراعة الفستق كانت تعتبر من المداخيل الجيّدة للمزارع العكاري ومادة علفية أيضاً لمربي المواشي، لكن هذه الزراعة تراجعت منذ مطلع ثمانينات القرن الماضي لأسباب عدة أبرزها عدم اهتمام الجهات الرسمية المعنية بتوفير مساعدات عينية لدعم المزارعين، وإرشادية للمساهمة في تطوير هذه الزراعة".

ويلفت في هذا الصدد الى "أن مزارع الفستق صار يبيع محصوله للتجار الصغار من أجل عرضه وببعه على بسطات بيع الخضر والفاكهة مادة للتسلية والترفيه، بعدما كانت زراعة الفستق اللبناني تكفي حاجة المحامص والصناعات الغذائية ولا سيما منها صناعة الزيوت في لبنان" .

ويرى "أن الفستق البلدي المنتج محلياً وعكارياً بشكل أساسي، بات عرضة لمزاحمة الفستق المستورد من أميركا والصين ومن الدول الآسيوية، إضافة الى الفستق السوري، نظراً الى تدنى ثمن الفستق المستورد مقارنة بالتكلفة العالية لإنتاج الفستق اللبناني، حراثة ورياً وأسمدة وأدوية وعمالة زراعية وتخزيناً، خصوصاً في ظل هذا الواقع الاقتصادي الصعب".

غير أنه يؤكد "أن الفلاحين والمزارعين، إستعادوا في السنوات الأخيرة، ثقتهم بإنتاجية مواسم الفستق ومردودها، إذ اصبحت الثمار الطرية (الخضراء) أي قبل تجفيفها، تباع بسعر يراوح بين 70 و100 ألف ليرة لبنانية، إضافة الى بيع (الجموم) أو النباتات الخضراء من طريق كبسها بآلات أو طحنها تبناً عبر آلات الحصاد الزراعية، بسعر يراوح ما بين 300 الى 350 دولاراً للطن".

هذا ما ساهم هذا الموسم في ارتفاع نسبة المساحات المزروعة فستقاً في عكار والذي يعتبر الأجود نوعية ومذاقاً، مما يمنح أملاً في ضمان الإبقاء على هذه الزراعة التقليدية التي تتميّز بها عكار عن باقي المناطق اللبنانية.

ويتمنى على وزارة الزراعة "إيلاء هذا الأمر عناية خاصة لتطوير هذه الزراعة وإنمائها".


أين وزارة الزراعة؟

ويشير المزارع أيمن مخول الى "أن ما يعانيه قطاع زراعة الفستق في عكار هو بالدرجة الأولى غياب وزارة الزراعة وأجهزة الدولة عن هذا القطاع، خلافاً لما هو حاصل في سوريا ومصر والجزائر وتونس، حيث يجري تأمين البذار المحسّنة والمراقبة وتوفير آلات الإقتلاع والتنقية والكبس.

كذلك ارتفاع أسعار المحروقات للري وتوفير الأدوية ولاسيما منها تلك المتعلقة بمعالجة إهتراء الحبوب ومعالجة الذبول الذي يعدّ من أكبر الامراض التى تواجه زراعة الفستق اللبناني ".


طريقة زراعة الفستق

ويتطرق المزارع كريم الأحمد الى زراعة الفستق الذي يعدّ له المزارعون جيداً، ليقول شارحاً: "غالباً ما تبدأ الزراعة أوائل أيار من كل عام، بعد لأن يكون المزارعون قد أتموا تحضير حقولهم بشكل جيد لاستقبل بذار الفستق، بداية بفلاحة الأرض مراراً وإشباعها بالمياه، وحين تجفّ قليلاً من الخارج وتحافظ على رطوبة التربة من الداخل بالقدر الذي يسمح للبذار بالنمو، تجري حراثة الأرض وغرس البذور تباعاً في الأثلام على عمق مجد لطمرها بشكل التام بما يضمن نموّها على النحو المطلوب".

ويوضح "أن بالإمكان زراعة ما بين 7 الى 10 كيلوغرامات من بزار الفستق في كل دونم، تبعاً لنوعية التربة ومدى خصوبتها.

وبعد نمو البذار الذي يستغرق ما بين 5 الى 10 أيام تقريباً، تجري عملية الري بعد 25 يوماً على بداية النمو، ثم تتابع عملية العناية بالأرض لجهة التعشيب من الحشائش الضارة".

ويشدّد على "أن موسم نمو الفستق لا يحتاج الى الري سوى 4 أو 5 مرات، بين المرة والأخرى زهاء 15 يوماً بحسب طبيعة التربة، وذلك حتى منتصف أيلول، أي بعد مضي حوالى 4 أشهر على بدء النمو، بحيث تنضج حبوب الفستق بشكل جيّد، ويبدأ المزارعون بجني محاصيلهم، عبر اقتلاع النبات يدوياً بواسطة المدراة الخاصة أو شوكة الحقل. وتفصل حبوب الفستق التي تنمو تحت الأرض عن نباتاتها الخضراء التي تنمو فوق الأرض، والتي غالبا ما بعمل المزارعون على الإفادة منها بجمعها وتجفيفها واعتمادها علفاً للحيوانات يتمتع بقيمة غذائية عالية".

ويضيف "أن حبوب الفستق اليانعة ذات الغلاف الخشبي، فيجري جمعها بعد فصلها عن النبتة الأم وتجفيفها تحت أشعة الشمس، إما في الحقول مباشرة وإما على سطوح المنازل، وهذا أفضل لكي تجفّ تماماً وتيبس وتعبّأ بأكياس من (الخيش) وتنقل لبيعها في الأسواق المحلية".

أما في عكار، فغالبا ما يباع جزء لا بأس به من المحصول الأخضر، إذ أن العكاريين وكثيرين من الذوّاقة، مولعون بالفستق الأخضر المسلق وحتى من دون سلق، وتناوله مملّحاً.

ويخصّص المزارعون جزءاً من المحصول بعد تجفيفه جيّداً، لاستعماله بذاراً في الموسم المقبل ويحرصون على حفظه بعيدا من الحشرات.

حبوب الفستق تستخدم مشوية أو مقلية أو مدخّنة لتستهلك كباقي أنواع المكسّرات مملّحة أو من دون ملح. ويستهلك جزء أساسي من الفستق في صناعة أنواع عدة من الحلويات العربية ، وزبدة الفستق الشهيرة، كما بالإمكان إستخراج الزيت منها.

الفستق نبات مثمر ويتمتع بفوائد عدة، منها أن بالإمكان الإفادة من أوراقه وثماره، وحتى من القشرة الخارجية لهذه الثمار التي يمكن استخدامها للتدفئة وفي المواقد.







تعليقات: