ميثاق النساء عند الدروز بين الرواية والواقع والعقيدة


ميثاق النساء عند الدروز بين الرواية والواقع والعقيدة: محاولة جديدة لمقاربة المجتمع عند الموحدين الدروز في لبنان

قرات في شهر رمضان المبارك رواية جديدة للكاتبة والشاعرة اللبنانية حنين الصايغ وهي بعنوان: ميثاق النساء وقد صدرت عن دار الآداب في العام 2023 وقد لفتني إليها الزميل الصحافي حسين جرادي عندما نصح بقراءتها على صفحته على الفايسبوك.

وانا لم أكن اعرف الكاتبة ولم اطلع على نتاجها الادبي ولذلك وجدت من المهم قراءة الرواية خصوصا ان موضوعها كما اشار الزميل حسين جرادي يتعلق بمجتمع الموحدين الدروز في لبنان بشكل خاصة والكاتبة عملت في روايتها لنقل بعضا من هذا الواقع.

وميثاق النساء هو أحد كتب الحكمة عند الموحدين الدروز ويتناول العلاقة مع النساء.

والكاتبة اخذت العنوان كي يصبح عنوان روايتها المهمة جدا وقد اثارت الرواية الكثير من ردود الفعل على الصعيد الاعلامي والثقافي وتم ترجمتها الى الالمانية والكاتبة شاعرة لبنانية من احدى قرى جبل لبنان وتخرجت من الجامعة الأميركية ولديها ثلاث مجموعات شعرية.

واهمية الرواية أنك لا تستطيع خلال قراءتها ان تميز هل هي رواية خيالية او قصة حقيقية من السيرة الذاتية للكاتبة او حكاية شخصية حقيقية تعرفها الكاتبة وعاشت معها لان هناك تشابه كبير بين حياة الكاتبة وبطلة الرواية امل بو نمر.

والرواية تدور حول شابة درزية تزوجت صغيرة في السن وكان عمرها 16سنة من شاب ثري من الدروز وهدفها من الزواج ان يسهل لها زوجها متابعة تعليمها لان والدها لم يكن يرغب بذلك ولم يكن زواجها عن حب او عن معرفة كاملة بمن تريد الزواج منه.

وتروي الرواية قصة هذه الشابة ومعاناتها في زواجها وخصوصا بعد ان تأخرت في الإنجاب مما اضطر زوجها للذهاب الى عيادة خاصة لتحقيق الانجاب عبر التلقيح وفشلت هذه المحاولات الى ان انجبت بشكل طبيعي لكن ذلك ادى الى معاناة كبيرة لديها وان كانت نجحت في متابعة تعليمها الثانوي ومن ثم فرض دخولها الى الجامعة على زوجها ومتابعة تعليمها الجامعي.

وخلال كل هذه المراحل تروي لنا الكاتبة او البطلة حكاية مجتمع الموحدين الدروز وتعرض لبعض عقائدهم واخلاقياتهم ودور النساء في المجتمع من خلال سيرة جدتها ووالدتها وكيف تعاني النسوة من ظروف الحياة الصعبة وكيف تتغلب عليها، كما تروي قصة شقيقتها والتي تزوجت من خلال التعارف من شاب درزي ولد في اميركا ولكنها اكتشفت لاحقا انه قد لا يكون درزيا مما اوجد لها مشكلة في الإنجاب منه واضطرت لاحقا لطلاقه واجهاض الطفل والتحول إلى الالتزام الديني.

واما بطلة الرواية فقد تابعت الدراسة في الجامعة الأميركية وخلال ذلك تعرفت على باحث مصري يدعو الى تحرر المرأة ومتأثر بالكاتبة المصرية نوال السعداوي ورغم ان البطلة انجبت طفلة من زواجها وسمح لها زوجها بالدراسة والعمل لكنها في لحظة وعي خاصة بها قررت الطلاق منه وبناء حياتها الخاصة ومن ثم الزواج من الباحث المصري زواجا مدنيا والانتقال الى المانيا للعيش معه بعد أن تدهورت الاوضاع في لبنان خلال السنوات الاربع الاخيرة.

وخلال كل ذلك تروي البطلة او الكاتبة الكثير الكثير من احوال مجتمع الموحدين الدروز وتصف لنا الخلوات والمقامات الجميلة وتتعرض للعلاقة مع الاهل والابناء وتروي ايضا حكاية الاستاذ الشاعر خلدون والذي ينتحر لأنه لم يوفق للزواج ممن أحب من ديانة اخرى.

الرواية جميلة جدا ومكتوبة بلغة شاعرية وفيها الكثير من الاشكالات الفكرية والمجتمعية والفلسفية وهي تتحدث عن قدرة بعض النساء في مجتمع الموحدين الدروز في كيفية تجاوز بعض الصعاب والمعاناة التي يوجهنها كي ينطلقن في الحياة الجديدة.

انها رواية جريئة وتقدم صورة واقعية عن بعض ما يواجه المجتمع اللبناني من إشكالات بسبب التنوع والتعددية وكيف يمكن مقاربة هذه الإشكالات على ارض الواقع وان كان بعض ما كتبته الكاتبة قد يكون مبالغا فيه في ظل ما يشهده مجتمع الموحدين الدروز من انفتاح وتطور وخصوصا على صعيد تعلم النساء وخروجهن الى المجتمع.

من الواضح ان الكاتبة وعلى لسان بطلتها امل بو نمر حرصت على أكبر قدر ممكن من الموضوعية في مقاربة عقائد الموحدين الدروز وتفسير هذه العقائد وكذلك مقاربة الواقع الاجتماعي والديني في هذا المجتمع.

انها رواية تستحق النقاش والحوار بغض النظر ان كانت تعبر عن الواقع بصراحة أو فيها بعض الخيال الادبي الجميل.


تعليقات: