صبحي القاعوري: مواقيت الصلاة


اختلف المسلمون في تحديد عدد مواقيت الصلاة، حيث قال بعضهم إن هناك ثلاث مواقيت، بينما قال آخرون إنها خمسة. لكن الجميع اتفقوا على أن الفرائض خمس صلوات وهي من المسلمات التي لا يجوز النقاش فيها.

هذا البحث يتناول مسألة مواقيت الصلاة وجواز الجمع بين صلاة الظهر والعصر، وصلاة المغرب والعشاء. بدايةً، أود التأكيد أن هذا البحث لا يتعارض مع ما أرسى قواعده علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم، إذ لا يشمل البحث الفرائض.

المسلمون مجمعون على أن الفرائض خمس، ولكن الخلاف يكمن في تحديد المواقيت والجمع بين الصلوات. قال بعض العلماء إن النبي (صلى الله عليه وسلم) جمع بين الظهر والعصر بسبب المطر، فيما قال آخرون إنه جمع مرتين. قبل أن نستعرض المصادر، يجب أن نذكر أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو القدوة لكل مؤمن ومؤمنة، ويجب الالتزام بما قاله وفعل وفقًا لقوله تعالى:

"وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ" (الحشر: 7).

حديث صلاة الجمع

هذا حديث مشهور رواه البخاري ومسلم في "الصحيحين"، وفيه: أن النبي (عليه الصلاة والسلام) جمع بين المغرب والعشاء، وبين الظهر والعصر، دون أن يكون هناك خوف أو مطر، وفي روايات أخرى: ولا سفر.

اتفق علماء المسلمين على أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد صلى الجمع بالمسلمين، ولكنهم اختلفوا في أسباب هذا الجمع. بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، اجتهد العلماء وقالوا:

إنه قد جمع لعذر غير الخوف أو المطر أو السفر، وقد يكون مرضًا أو ظروفًا أخرى.

ولكن، ما قاله العلماء بشأن هذه الأسباب لا يستند إلى أدلة قوية تُثبت أن الجمع كان بسبب المطر أو المرض أو وباء عام، كما أنه لا يوجد دليل يثبت أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد نهى عن الجمع. الاجتهاد في هذا السياق قد يكون مخالفًا للآية الكريمة التي سبق ذكرها.

أسباب الجمع المحتملة

المرض: يُراد به تخفيف الجهد عن المرضى أثناء أداء الصلاة. ولكن نلاحظ أن بعض الأئمة، عند إمامتهم للمصلين، يقرأون سورًا طويلة مثل سورة الجمعة أو سورة محمد، دون مراعاة لحالة المرضى. مع أن الله قد أعطى المريض رخصة في العديد من الأمور، ومنها الصلاة، كما في قوله تعالى: "ليس على المريض حرج".

الدحض: يُعني الزلق أو البطلان. ويُقصد به في هذا السياق الطين الذي يسبب انزلاقًا في الأسواق بعد هطول المطر. ومع ذلك، الطين ليس حالة طارئة بل قد يستمر طوال فصل الشتاء، فكيف يكون إحضار المسلمين للصلاة مرتين يوميًا مبررًا في مثل هذه الظروف؟

الوباء: وهو مرض معدٍ يصيب عددًا كبيرًا من الناس في منطقة معينة. إذا كان الأمر كذلك، اذاً ليس من المنطق أن يأتي الرسول (ص) بالمسلمين إلى المسجد للصلاة جماعة في ظروف الوباء، مما قد يؤدي إلى انتشار المرض.

بعض العلماء استنتجوا أن الجمع كان لعذر شرعي، أو لتجنب الحرج عن الأمة، إلا أنهم لم يذكروا سببًا واضحًا لهذا الحرج. ويقول البعض إن الجمع كان قبل استقرار الشريعة في وجوب كل صلاة في وقتها.

لا يجوز الاستنتاج والاجتهاد في أفعال الرسول (صلى الله عليه وسلم) التي لم ينه عنها ولم يحرمها، ولا يجوز الركون إلى احتمالات غير مؤكدة لتقييد ما أباحه.

الرسول (صلى الله عليه وسلم) جمع بين الصلوات تنفيذًا لقوله تعالى:

"أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ" (الإسراء: 78).

وهذه الآية تحدد مواقيت الصلاة بأنها ثلاث: الدلوك (ميلان الظل بعد أذان الظهر)، الغسق (بعد غروب الشمس التام)، والفجر (قبل طلوع الشمس).

الجمع بين الصلوات لا يعني دمجها في صلاة واحدة كما يعتقد البعض، لأن الإقامة واجبة في كل صلاة. المسلم مخير بين الجمع والصلاة في الأوقات ما بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء، طالما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) جمع دون نهي أو تحريم.

تعليقات: