بائع الخضار وشاحنته
البقاع ـ
لا يحتاج سكان قرى البقاع النائية إلى منبّه يوقظهم صباحاً. فكل يوم، مع ساعات الصباح الأولى، يستيقظون على أصوات بائعي الخضر والفاكهة الجوّالين ينادون، بمكبّرات الصوت، على بضائعهم.
قد تصدر عن بعض محبّي «نوم الضحى» شتائم واحتجاجات، لكنها لا تصل أبداً إلى حدّ التصدي لهؤلاء الباعة، ومنعهم من مهنتهم التي تمثّل مصدر عيش أساسياً لهم. فالشتائم التي يتلقّاها الباعة من السّاخطين سرعان ما يختفي مفعولها أمام «تطييب الخاطر» الذي تستقبلهم به ربات المنازل.
يمتلك أحد هؤلاء الباعة، أحمد كرمة، سيارة بيك آب قديمة، يملأ صندوقها بأصناف متنوعة من الفاكهة والخضر، يكون قد وضّبها في صناديق بلاستيكية، ويبيعها في قرى البقاع الشرقي النائية: «نبيع بأسعار أقل من تلك المعتمدة في المحالّ، لأننا نحضر الخضر والفاكهة من المزارعين مباشرةً، أو نشتري معظمها من أسواق الخضر بأسعار تنافسية، أي بأقل بـ250 أو 500 ليرة لكل صنف. هذا ما يشجع الزبائن على ابتياع بضاعتنا، وخصوصاً أن البعض يفضّل عدم التنقل للتسوق». يتناول كرمة ثمن 2 كيلوغرام بندورة باعهما للتو، ويستمع إلى نصيحة أحد زملاء المهنة بعدم سلوك الطريق الرئيسية للبلدة بسبب وجود حاجز أمني مؤقت يقوم عناصره بحجز السيارات المخالفة لقوانين السير. يبتسم معقّباً «والله مش عم فينا ندفع ميكانيك، مكسور عليي خمس سنين. إذا حجزوا السيارة بقعد بلا شغل، كل اللي بطلعوا ما بيكفّيني أنا وعيلتي أكل وشرب، كيف بدي سدد الميكانيك؟».
فالأرباح التي يجنيها كرمة يومياً، كما يشرح لنا، تراوح بين 30 و50 ألف ليرة لبنانية، من ضمنها مصاريف المحروقات وإصلاح السيارة.
يمثّل كرمة وزملاؤه «الخطر الاستراتيجي» الأول لمحالّ السمانة والخضر. وحين نمازحه لافتين إلى غيظ أصحاب هذه المحالّ منه ومن أمثاله يجيب: «كل واحد بياكل رزقتو. ليش ما كانو يعترضوا على البياعين السوريين قبل أربع سنين؟»، مشيراً إلى الضريبة الشهرية التي تطالبهم بعض البلديات بتسديدها، ما يجعلهم يتفادون المرور بالقرى التابعة لها، ومتمنياً «أن تتحسّن الأوضاع المعيشية ويستتب الأمن، ليتمكن كل مواطن من دفع ما يستحقّ عليه من ضرائب للدولة».
تعليقات: