عدنان سمور: من كان يتصور؟


أن شاباً يخرج من جزيرة العرب، منذ ما يزيد على 1400 عام، داعياً أهله وعشيرته إلى بناءِ حياةٍ انسانية اكثر عدلاً ورحمةً بين بني البشر، فتنعته قبيلته بأنه ساحرٌ وكذابٌ ومجنون، ويرجمونه بالحجارة في الطرقات والأزقة، حتى يدموا جسده، فيقرر الصمود والمقاومة مع قلة أتباعه، الأمر الذي إعتبره قومه إنتحاراً وتهوراً، فيحاصرونه مع قلةٍ ممن آمن به وبدعوته في شُعبٍ تستحيل الحياة فيه، نظراً لوعورته وجفافه وحرّه، فيهاجر مع القلة الذين آمنوا به وبدعوته، خوفاً من بطش واجرام قبيلته، فيلحقونه مؤلبين القبائل عليه ومتعاونين مع يهود الجزيرة القساة الدهاة ضِدَّه، ويشنون عليه الحروب والغزوات بجيوشٍ مدجَّجة، فيصمد وينتصر عليهم ويكسر شوكتهم، وعندما يصل الى مرحلة الاقتدار والغلبة، يفاجأهم بأنه لا يريد الإنتقام منهم، بل يقول لجمعهم "إذهبوا فأنتم الطلقاء"، ويضيف "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

وما هي الا اعوام قليلة تمر، حتى تمكن أتباع هذا الرجل الذين كانوا قبله، تائهين وغارقين في حالة من العمى الحضاري والقسوة والتوحش وعبادة المادة، يتمكنون من إنشاء مشروع حضاري إنساني ممتدٍ من طنجة على ضفاف الأطلسي غرباً إلى جاكارتا في اندونيسيا شرقاً، ومن الاندلس في اوروبا شمالاً الى القرن الأفريقي جنوباً، وهذه البلاد الممتدة على قارات العالم القديم كانت قبل إتباعهم لهذا الشاب الشاب الأغر، محكومة من قبل فراعنة وأباطرة وقياصرة وملوك، ادعى معظمهم الألوهية، من رومان وإغريق وآكاديين واشوريين وبابليين وكلدانيين وسومريين وفرس ومغول وحثيين وآراميين وكنعانيين وفينيقين وغيرهم.

وهكذا تمكن المسلمون من اتباع ذاك الشاب الذي قاوم قبيلته في جزيرة العرب وانتصر عليها، من ان يؤسسوا مشروعاً حضارياً انسانياً، ساهم في تطوير الحياة والعلوم والتقنيات والعمران والفنون والزراعة والصناعة والثقافة ووسائل النقل، وأسس لما جاء بعده من تطور حضاري إنساني، أنتجته ثورات في العلوم والصناعة والتقنية وغزو الفضاء وغيرها،.

واليوم، فإن أتباع هذا الشاب المقاوم للباطل، يتابعون مشروع نهضته الإنسانية ويقاومون ويصمدون ويواجهون أشرار العالم، ويسعون بكل قوة للتحرر وليصلوا الى مرحلة الإقتدار، فيتمكنوا من تقويم الإنحرافات والتراجع والتخلف الذي وقعت فيه الحضارة المعاصرة، ويتزعم مشروع مواجهة ومحاربة والسعي لإبادة أتباع ذاك الشاب القرشي المقاوم للباطل والظلم والبغي، أميركا وغربها الجماعي بالتحالف والتعاون مع حَمَلة افكار وروحية قريش من الأعراب، وبالتعاون مع من يدَّعون أنهم من أتباع مرحب وحُيَي ابن أخطب وبني قُرَيضة وبني النظير وبني قينقاع، ولا شك أن أتباع ذاك الشاب العربي المقدس، عندما ينتصرون على اعدائهم كما انتصر هاديهم وقدوتهم على اعدائه، سيقولون للجهلة المتخلفين والمتحجرين، إذهبوا فأنتم الطلقاء، وسيدعون العالم لأن يتمموا مكارم الأخلاق كما قال فتى قريش الأغر لقومه، وسيدعون شعوب الأرض، للتراحم والعدل والتسامح والخير والصلاح، وهكذا ينتصرون لأهداف ورسالة نبيهم ومخلصهم، رسول الرحمة محمد ص، الذي جاء رحمة للعالمين،.

هذه هي حقيقة المعركة التي تخوضها اليوم الأمة الحاملة لهم الرسالات الإلهية، والحريصة على ضرورة الإبقاء على الرابطة الوثيقة بين الأرض والسماء، لأن الإنسان بلا سماء، لن يُنتج الا حياة وحوش الغابة، الذين يتناهشون بعضهم ولا توج أداةً أو وسيلة للتفاهم بينهم الا إستخدام القوة والبطش والحروب والقتل والإبادات الجماعية، من قبل الأقوياء ضد المستضعفين لإخضاعهم وهدر حرياتهم وكراماتهم وحقوقهم،.

كتب الله لأغلبن أنا ورسلي

ع.إ.س

باحث عن الحقيقة

25/09/2024

تعليقات: