علينا أن نعود إلى أرضنا، وألا نطيل البقاء خارجها (يحي حبشيتي)
بعد مرور أقل من أسبوع على التصعيد الحربي الإسرائيلي على لبنان، لا بد من الاعتراف أن واقع التهجير الكبير والمتعمّد من قبل العدو، غير قابل للاستمرار على المدى القريب، ولا على المدى البعيد.
ولأن أحد أبرز أهداف إسرائيل هو التهجير، فإن إفشاله مهمة وطنية أولى وأساسية.
هنالك مصلحة استراتيجية أن يتم ضمان عودة أهل الجنوب والبقاع إلى قراهم ومدنهم. ومن الضروري أن يتقاطع الجميع حول هذه المسألة، لأن ذلك ليس فقط مصلحة لأهل الجنوب ولكن للجميع في البلد. وهنا لا أقصد بـ"الجميع" الطوائف، والجغرافيا، والديموغرافيا فقط، بل البنية الاجتماعية والخدماتية والتعليمية.
هدف العدو هو فرض التهجير القسري، والذي قد يصل إلى حد تكرار سيناريو تهجير 1976 و1978 و1982 (عدا عمليات التهجير التي حدثت عامي 1993 و1996). في حينه عاش الجنوب هجرة واغترابًا امتدا لعقود، وغيّرا من بنية المجتمع بشكل جذري. لقد استمرت هذه التغريبة طوال ثلاثة عقود، منها عقدان تحت احتلال دائم.
هنالك مسؤولية وطنية وتاريخية تقع على عاتق الجميع، على كل المجتمع اللبناني، على من يحارب كما على من يفاوض، في ضمان هذه العودة المستدامة.
هنالك واقع ميداني جديد يفرض نفسه على السياسة، ويترافق مع فتح ثغرة تفاوضية غير واضحة المعالم حتى هذه الساعة. ضمان العودة يجب أن يتقدم على أي تسويات وأي مصالح إقليمية أو داخلية ضيقة لأي فريق سياسي. وهذه القضية لا بد أن تكون مطلبًا غير قابل للتفاوض أو التنازل، وأن تتقدم سلم أولويات أي ترتيبات وتسويات سياسية أو أمنية أو عسكرية.
فإذا كان وقف الحرب هو الأولوية القصوى اليوم، كذلك هي العودة. وبالتالي، يجب أن تكون جزءاً لا يتجزأ من معركة الدفاع عن لبنان وشعبه، وصولاً إلى حماية لبنان من سمسرات التفاوض الإيراني-الأميركي.
اليوم، وبالرغم من الجهود الإنسانية الرائعة وحالة التضامن، علينا أن نعترف أيضًا أن إدارة أزمة نزوح طويلة نسبيًا وعلى هذا النطاق الواسع هي مسألة شبه مستحيلة.
فنحن أصلاً مجتمع منهك، يسدد اليوم فاتورة السنوات العشرين من الإدارة الكارثية التي أوصلتنا إلى الانهيار التام. السياسة مغيبة والمؤسسات الدستورية معطلة، القضاء والمحاسبة غائبان تمامًا. الدولة شبه متحللة وهي عاجزة تمامًا عن التعامل مع الأزمة. البنية الخدماتية والتحتية منهكة. كل ذلك في ظل انقسام سياسي عامودي في حالة تصاعد منذ زمن مديد.
الجنوب ممنوع أن يُفرغ. هذه أولوية. من غير المقبول أن تتجرع الناس هذه الكأس مرة أخرى، وأن يعيد التاريخ نفسه على شكل مأساة جديدة. لا الجيل الأكبر مستعد أن يعيد تجربة التهجير في خريف عمره، ولا الجيل الأصغر مستعد أن يحرم أطفاله من قراهم كما سبق وحُرم هو بنفسه.
خطر عدم العودة ليس مسألة نظرية، بل هو احتمال وارد وقائم وحاضر. علينا أن نرى الصورة بكليتها: نحن أمام لحظة تحوّل على نحو ستكون فيه التداعيات مشرعة على كل الاحتمالات الكارثية. أن مخاطر عدم قدرة الناس على العودة مرتبط بحجم الدمار. وهو ما يصعب أن تكون ممكنة في المدى القريب والمتوسط. والخطر الأكبر أن يحصل احتلال يجعل من هذه العودة مسألة مؤجلة على المدى البعيد.
لذلك، فإن المسؤولية تقع أولاً على حزب الله في كيفية إيقاف النزوح، والذي يتطلب موقفاً شجاعاً يرتقي إلى مستوى المصلحة الوطنية وليس أية مصلحة أخرى. وتقع المسؤولية ثانياً على الدولة التي مهما بلغ مستوى ضعفها، فعلى عاتقها واجب الحل والتفاوض و وإدارة الأزمة وحماية مواطنيها وعودتهم إلى قراهم ومدنهم. فمن شروط تحقيق هذا الهدف أن تتحمل الدولة كامل المسؤولية تجاه الناس وأن تتصرف كمرجعية وحيدة لإيجاد الحلول وتأمين شروط تطبيقها.
هذه أولويتنا. علينا أن نعود إلى أرضنا، وألا نطيل البقاء خارجها، علينا أن نتمكن من إعادة إعمارها وأن نضمن أن تكون قابلة للعودة المستدامة.
في ذلك مصلحة لأهل الجنوب والبقاع وكذلك للوطن ككل.
تعليقات: