ليلة الجنون بالضاحية: مئات بالعراء والعيون والقلوب تحت الركام

خسر مئات المواطنين من سكان الضاحية الجنوبية منازلهم فجأة (علي علوش)
خسر مئات المواطنين من سكان الضاحية الجنوبية منازلهم فجأة (علي علوش)


أحياءٌ مُدمّرة. عشرات المباني حُوّلت لرمادٍ. رائحة البارود الخانقة في كلّ مكان. قُصفت الأحياء ليلًا، فجّرت الصواريخ المباني السكنيّة، وبقيت ذكريات أهالي المنطقة عالقة تحت الرُكام.


يوم مأساوي

عاش سكان أهالي الضاحية الجنوبية ليل أمس الجمعة، 27 أيلول، ساعات قاسية. حلّت المأساة على منطقة كاملة. عُلّقت أرواحهم بين الأرض والسماء. فجأةً، اهتزت الأرض لثوانٍ، سقطت الصواريخ في منطقة حارة حريك، هُيء للمحيطين أنها القيامة، أو أنها ساعات الموت الأخيرة. ألقى الطيران الإسرائيلي 85 قُنبلة خارقة للتحصينات، تزن كل واحدة منها طُنًا من المُتفجرات. تصاعدت أعمدة الدخان المُلونة، الشبيهة تمامًا بانفجار الرابع من آب. صراخ وهلع وخوف، انقلبت موازين العيشة الطبيعية في لبنان، ظهر الشر فجأة متفوقًا على كل شيء، أما الموت، فكان سيد الموقف.

سبعة مبانٍ مُحيت عن الخريطة فجأة. اختفت. دُفن السكان بأرضهم. اختفوا فيها.

من الضاحية نحو بيروت، المأساة نفسها. بعد ساعات قليلة، انقض الطيران الإسرائيلي على الضاحية الجنوبية وأهلها. طُلب منهم إخلاء منازلهم في الحدث، وبرج البراجنة.

جنون في الشوارع، هرب السكان من منازلهم بغضون دقائق، ركضوا بين الأحياء وبين الناس، يريدون النجاة، والابتعاد عن الموت. بدأ الطيران الإسرائيلي بالهجوم على المناطق. غارات مكثفة على الضاحية الجنوبيّة لأكثر من 4 ساعات متواصلة. اللبنانييون، قضوا ساعات الفجر على شاشات التلفزة لمتابعة الأخبار، ورؤية ألسنة النار التي سيطرت على الضاحية الجنوبية فأحرقتها.


هروب السكان

تعذّر التنقل بالسيارات لشدّة القصف والدمار، فهرب المواطنون سيرًا على الأقدام. نحو الحدائق العامة، مراكز الإيواء، الشاطئ البحري وفي أي ساحة متاحة.

عند الثالثة فجرًا، امتلأت ساحة الشهداء بالمواطنين. افترشوا الأرض، لم يكن أمامهم أي حلول أخرى. وجلّ ما كان يُسمع عن الضاحية الجنوبية، هو أصوات القصف، وأعمدة الدخان. وما إن حلّ الصباح، حتى ظهرت آثار المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل.


تدمير الأحياء

حسن، شاب في العقد الثاني، من سكان منطقة المريجة، يقول لـ"المدن"، "لم يكن أمامي إلا بضع دقائق للخروج من المنطقة. زحمة السير خانقة، آلاف الأشخاص في الشارع، لم أتمكن من إخراج أي شيء من المنزل، وصلت إلى طريق المطار وبدأت الغارات الإسرائيلية على المنطقة، لم أعرف ما حلّ بها أو بأهلها. واليوم، أخبرني صديقي بأن منزلي دُمر بالكامل، وأصبحت من دون أي مأوى..".

حضر أهالي المنطقة لتفقد منازلهم، منهم من تبخّر منزله، فلم يعثر عليه، فالحي مُدمر بأكمله، ومنهم من لم يتمكن من الصعود إلى منزله بسبب ألسنة النار والحرائق. إلى جانب الركام، يقف رجل في العقد السادس، يتأمل الدمار بصمت وقهرٍ. تحت الردم، كان له حياة، وذكريات. فالمنزل ليس مجموعة من الأحجار فقط، بل هو حياة كل فرد فينا. آلاف المواطنين تمنّوا منذ أيام، لو أنهم حملوا منازلهم بكل ما فيها، وأخرجوها نحو منطقة آمنة.

صباح اليوم، جالت "المدن" في الضاحية الجنوبيّة. وهي المرة الأولى التي يصعب فيها التنقل بين الأحياء بسهولة. الدمار والرُكام في كلّ مكان. مئات المباني متضررة بشكل كبير، تحولت لمبان غير صالحة للسكن. عشرات المباني احترقت بالكامل. آثاث المنازل تطايرت من الشقق السكنية التي تجرّدت من أبوابها الحديد.

في منطقة المريجة، قصفت الطائرات الإسرائيليّة مجمعًا سكنيًا كاملًا، مؤلفاً من أكثر من 7 مبانٍ متلاصقة. اختفتوا بشكل كامل. كما أغارت على مناطق متنوعة بالضاحية الجنوبية، شارع الميكانيك (الحدث)، شارع القائم، وشارع سكني بالقرب من المجلس الدستوري، والشويفات.


فتح مراكز للإيواء

وعليه، نزح ليل أمس آلاف المواطنين نحو مدينة بيروت مرة أخرى، والمفارقة أن مراكز الإيواء ممتلئة بشكل كامل بسبب نزوح أهالي جنوب لبنان منذ أيامٍ. الأمر الذي دفع باللجنة الوطنية لتنسيق عمليات الكوارث والأزمات إلى فتح مراكز إيواء جديدة، بلغ عددها حوالى 53 مركزًا في محافظة بيروت، جبل لبنان، الشمال، عكار، البقاع. كما فُتح مركز البيال أبوابه لاستقبال النازحين. وقد طلبت وزارة الصحة اللبنانيّة، من مستشفيات الضاحية الجنوبيّة إخلاءها من المرضى لاستقبال جرحى القصف الإسرائيليّ، وتحسبًا لأي استهداف جديد.

يعيش اللبنانييون أياماً ثقيلة. آلاف المواطنين نزحوا من منازلهم في الضاحية الجنوبية، وفقدوا منازلهم صباح اليوم. خسروا كل شيء فجأة. قضت إسرائيل على حياتهم ومستقبلهم. أما الأحياء المتبقية، فما من شيء يؤكد حتى الساعة، إن كان سكانها سيعودون إليها في الأيام القريبة، أم أنها ستتحوّل أيضًا إلى ركام أسود. هذه أحوال أهالي الضاحية الجنوبية.

وتبقى الإشارة إلى المعاناة الفردية مباحة حتى في زمن الموت الجماعي. فأحوالنا جميعاً مُتشابهة.

أنا أيضًا، تركت منزلي هُناك، استودعته حيواتنا كعائلة والذكريات، ولا أعلم إن تحوّل إلى ركام أمس، أم أنه لا يزال يحمي قصصنا ويحنو عليها، حتى كتابة هذا التقرير.

تعليقات: