نازحون. (نبيل اسماعيل)
بالتلفون بلّشنا ومكمّلين. بهذه الكلمات تصف فاطمة جعفر، ابنة الثمانية عشر عاماً، المبادرة التي أطلقتها مع أصدقائها لمساعدة #النازحين في #لبنان، في ظلّ الظروف الصعبة التي يمرّ بها البلد نتيجة الحرب الإسرائيلية المستمرّة. وفي الوقت الذي تواصل فيه آلة الحرب قصف المنازل والمدنيين، اختار هؤلاء الشباب اللبنانيون أن يمدّوا يد العون للمحتاجين بعيداً عن أيّ مظلّة رسمية أو جمعيات، معتمدين على أرواحهم النبيلة ورغبتهم العميقة في العطاء.
تقول فاطمة جعفر ابنة الجنوب، وصاحبة فكرة إنشاء مجموعات واتساب لتأمين منازل للنازحين: "عندما لاحظت كثرة الأشخاص الباحثين عن بيوت وأعداد النازحين، قرّرت التحرك". استقبلت فاطمة رابطًا لمجموعات للمساعدة من صديقتها، وقرّرت أن تأخذ زمام المبادرة، فأنشأت مجموعات واتساب تحت اسم "المنازل الموجودة لأهلنا النازحين". كانت فكرتها بسيطة لكنها أثبتت فاعليتها، إذ بدأت تتلقّى الكثير من الرسائل من الناس الذين يبحثون عن مأوى. تضيف فاطمة: "بدأ بعضهم بالتبرّع بشققهم، وكان المجتمع متعاونًا بشكل كبير".
مع ذلك، واجهت فاطمة وفريقها العديد من التحدّيات، أبرزها التحقّق من صحّة الأرقام التي كانوا يتلقونها. كانت بعض الأرقام وهمية، وأخرى كانت خاطئة. تشرح فاطمة: "اضطررنا إلى الاتصال بكلّ رقم للتأكّد من صحته". ومع مرور الوقت، أدركت جعفر وأصحاب تلك المجموعات أهمية التنظيم لحماية الأشخاص وضمان عدم حدوث لبس، لذا قرّروا أن يكونوا وسطاء بين أصحاب البيوت والمحتاجين، مع هدف واضح هو التطوّع من دون انتظار مقابل.
شباب آخرون من المنطقة، مثل جلال، يشاركون في هذه الجهود. يقول جلال: "لكوننا بقينا في الجنوب، ولأنه باستطاعتنا مساعدة، أهلنا الذين بقوا هنا، وتأمين خروج العائلات من الجنوب إلى المناطق الأمنة، فهذا واجبنا الديني والإنساني والأخلاقي". يضيف أنه بالرغم من الصعوبات اللوجستية الناتجة عن القصف المستمرّ، فإنهم مستمرون في البحث والتواصل مع العائلات المحتاجة، قائلًا: "نحاول التواصل مع فاطمة لتلبية احتياجات العائلات، مثل الاتصالات، الأدوية، والأغراض الأساسية".
ويشير محمد غندور، أحد المتطوعين، إلى أهمية توسيع نطاق هذه المبادرة، ويقول: "نتمنى نشر هذه المجموعة على أوسع نطاق ممكن لنكون عونًا لمن يحتاج، أو لمن يرغب في تقديم مساعدة". يعبّر غندور عن أمله في أن يتمكّنوا من مساعدة أكبر عدد ممكن من الناس، مشدّدًا على أهمية العمل التطوعيّ في تلبية احتياجات المجتمع.
تؤكّد جعفر أيضاً على أهمية المبادرات الشبابية، مشيرةً إلى أن بإمكانها من منزلها تقديم المساعدة للعديد من العائلات. "إذا انضم المزيد من الشباب الموثوقين إلينا، فإن ذلك سيعزّز جهودنا بشكل كبير".
بالرغم من الصعوبات اللوجستية الناتجة عن القصف المستمر، يبقى هناك أمل. يفتح الكثير من أصحاب المنازل بيوتهم للنازحين، وبعض المراكز، مثل المطاعم والمدارس، بدأت تقدّم الدعم. ويقول محمد: "نأمل أن لا يبقى أحد في الشوارع، ونسعى جاهدين لتقديم الدعم اللازم للمحتاجين".
تجسد مبادرة فاطمة وأصدقائها روح الشباب اللبناني الذي يرفض الاستسلام بمواجهة الأزمات. إنهم ليسوا مجرّد متطوّعين بل رمز للأمل والتضامن في زمن الحاجة. بتواصلهم مع العائلات المتضرّرة، وفتحهم قلوبهم وبيوتهم، يثبت هؤلاء الشباب أن العمل الجماعي قادر على إحداث تغيير حقيقي.
مع كلّ رسالة يتلقّونها، ومع كلّ شقة تُفتح لأسر نازحة، تتعزّز قيمة الإنسانية التي تعيش في قلوبهم. هذا العمل يُظهر أنّه حتى في أحلك الأوقات، يُمكن للأمل أن يزهر من خلال التعاون. قصتهم ليست مجرد قصة نجاح فردية، بل هي دعوة إلى الجميع للمساعدة ومدّ يد العون ليكون لكلّ إنسان حق في الأمان.
تعليقات: