آليات عسكرية اسرئيلية على الحدود مع لبنان. (أ.ف.ب)
تسارعت الأحداث منذ ليل الاثنين بعد إعلان الجيش الإسرائيلي أنه أقفل مناطق حدودية قبل شروعه بتوغل بري في الأراضي اللبنانية كما زعم، وأعلن، الثلاثاء، أنه شرع بـ"عملية برية مركزة ومحدودة في جنوب لبنان ضد أهداف وبُنى تحتية تابعة لحزب الله في عدد من القرى القريبة من الحدود، تمثل تهديداً مباشراً وحقيقياً للبلدات الإسرائيلية".
وذكر الجيش الإسرائيلي أن الفرقة 98 وقوات الكوماندوس والمظليين، والمدرعات التابعة للواء السابع، تدربت في الأسابيع الأخيرة تمهيداً لعملية برية في جنوب لبنان انطلقت أمس. وقال إن قوات الفرقة 98 بدأت بمناورة برية في الجبهة الشمالية.
وتابع أنه "تمت الموافقة على مراحل العملية ويجري تنفيذها وفقاً لقرار المستوى السياسي".
ودعا الجيش الإسرائيلي سكان مدينة بنت جبيل و26 بلدة في جنوب لبنان، اليوم الثلاثاء، إلى إخلاء منازلهم وقراهم فوراً، فيما نفى "حزب الله" الادعاءات بشأن دخول قوات إسرائيلية إلى الأراضي اللبنانية، وحدوث أي اشتباك بريّ مباشر معها.
هذه الاعلانات المتتالية، ورغم نفي "حزب الله" وأكثر من جهة محلية ودولية لأي توغل، خلقت مخاوف من إعادة الوضع الى ما كان عليه عام 2000، وإعادة احتلال أجزاء من الجنوب لتنفيذ حزام أمني فاصل، بحسب ما صرّح سابقاً قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي.
وعلى الرغم من استعمال مصطلحات محدودة وموضعية لم يضعف هذا الأمر المخاوف، وخصوصاً أن للاسرائيليين سوابق في هذا المجال، ويكون المضمون مختلفاً عما يصرحون به، وخصوصاً أن "حزب الله" يمر بمرحلة من التضعضع.
يشير المحلل العسكري العميد خالد حمادة الى أن "الجيش الإسرائيلي تحدث عن عمليات موضوعية ذات أهمية استراتيجية أو تدخل محدود، وهذا لا يدل على أنه سيوسع دائرة دخوله الأراضي اللبنانية، ولكن لا شيء يضمن هذا الأمر، وإذا استطاع التقدم بسهولة فمن المؤكد أنه سيستمر ويوسّع".
ويلفت في حديث لـ"النهار" إلى أن "هذه العملية مهما كانت أهدافها فهي تدميرية وستترك وراءها دماراً هائلاً في القرى والبلدات الجنوبية، ما سيحتاج الى سنوات لإعادة بنائه وهنا علينا أن نتطلع، من المؤكد أنه ليس لديه خطط للبقاء، لكن ماذا بعد انسحابه؟".
ويرى أن هذه العملية هدفها جر لبنان و"حزب الله" الى التفاوض تحت القصف والتدمير أو بلغة أخرى جرّه مهزوماً لتنفيذ الـ1701 كاملاً والإقرار بالانسحاب الى ما خلف الليطاني.
ويضيف: "بات واضحاً أن الهدف ليس احتلال الأراضي فهذا غير مهم، بل خلق مسار تفاوضي كما يريدونه، وكلما طال هذا المسار طال مسار التدمير وتوسّع ما يخلّف كارثة يصعب التعامل معها لاحقاً".
المتخصص بالشؤون العسكرية علي جزيني يقول لـ"النهار": "لا يمكن الأخذ بالإعلان الإسرائيلي عن عمل عسكري عبر المتحدث الرسمي كتصريح سياسي، ذلك لأنه يدخل ضمن العمليات الحربية النفسية أو محاولة التضليل والخداع، في النهاية هناك مثل يقول "الشهية تأتي مع الأكل" والفكرة في موضوع العملية البرية المحدودة تخدم عدة أهداف، أولها عدم تسليط الضوء على الموضوع والحفاظ على ما بقي من الشرعية الدولية خصوصاً بعد الإبادة في غزة، بمعنى أن الجيش الإسرائيلي يقول للعالم إنه سيقوم بعملية دفاعية محدودة لا هجومية أو توسيعية وتندرج ضمن البند 51 من ميثاق الأمم المتحدة والدفاع عن نفس، هذا من جهة، ومن جهة أخرى الإسرائيليون يحاولون عدم وضع سقف عالٍ لأنه لا فكرة لديهم عن الدفاعات الموجودة والصعوبات وقدرتهم على تحمّل الخسائر ودخولهم في بيئة ريفية - مدينية صعبة في الجنوب".
ويضيف: "أما من جهة الاجتياح تجاه بيروت فهو مستبعد، ليس لأنهم لا يريدونه بل بسبب التضرر الذي لحق بهم في غزة ومحدودية عديد القوات الإسرائيلية الموجودة حالياً، فالدخول باتجاه لبنان دون انكسار الخصم تماماً كما جرى مع منظمة التحرير في عام 1982 هو خطوة خطرة جداً لأنها تطيل خطوط الإمداد خصوصاً أن بيئة لبنان المدنية صعبة، بالإضافة إلى أنه طُلب من "حزب الله" العمل على تشكيل مجموعات قتالية تعمل على أساس عمليات مضايقة وحرب عصابات في حال انكسار المحور أو دخول الإسرائيلي الى مسافة كبيرة"، مشيراً إلى أن "هذا الأمر سيسبّب مزيداً من الخسائر. لذلك الهدف السياسي هنا لن يتحقق، والأمر المنطقي هو الدخول ومحاولة تدمير بعض البنى التحتية للحزب في جنوبي الليطاني أو في مكان آخر، أو محاولة أخذ الأرض والاحتفاظ بها للضغط كورقة سياسية لإعادة النازحين لاحقاً أو للبقاء الدائم، بالتالي التوغل البري يمكن أن يتوقف في مكان ذي قابلية دفاعية مثلاً في وادٍ أو داخل منطقة مشرفة يمكن المدافعة عنها، وهنا تنضم الجغرافيا الى العوامل السياسية بحكم مدى التوسع".
وبرأي جزيني إن الهدف يتراوح ما بين منطقة عازلة بعمق 5 الى 10 كلم ضمن اجتياح واحتلال منطقة من جنوب الليطاني وصولاً الى الليطاني إذا – لا سمح الله – نجحت القوات الاسرائيلية، ولكن هذا الأمر مستبعد بدون كسر العدو بشكل كامل".
وأضاف: "هناك خطورة أيضاً بأن تتعرض القوات الإسرائيلية لكمائن وتطول المعركة وعلى ما يبدو لا نية لديهم بمعركة طويلة بل بكسر المقاومة في أسرع وقت ممكن، نظراً إلى عدم إبقاء الجبهة الداخلية بحالة حرب والخروج بأهداف".
تعليقات: