أميركا تنتظر وتدعم: عاصفة إسرائيلية لكسر إيران وتغيير المنطقة

محاولات لإعادة انتاج توازنات سياسية جديدة في لبنان والمنطقة (Getty)
محاولات لإعادة انتاج توازنات سياسية جديدة في لبنان والمنطقة (Getty)


مساران متقابلان تسير عليهما منطقة الشرق الأوسط. إما مسار الوصول إلى تسوية شاملة توقف إطلاق النار على كل الجبهات. وإما حرب طويلة وبعيدة المدى لا تقف عند حدود لبنان، وهدفها الأبعد هو إيران ونفوذها في كل المنطقة. يكرر الإسرائيليون في لقاءاتهم الدولية والرسمية والديبلوماسية ما يقولونه علانية، وهو أنهم يسعون إلى تغيير وجه المنطقة ولو اقتضى ذلك تغيير أنظمة أو إسقاطها. تركيزهم الأساسي على إيران ومناطق نفوذها، لكنها حرب يمكن أن تكون طويلة جداً وغير معروفة النتائج، ويمكن أن تتأثر بها دول "مستقرة"، كما أنها تهدد الاقتصاد العالمي وأسعار النفط وممرات التجارة العالمية. تبرز مخاوف دولية كثيرة من الضربة التي ستوجهها تل أبيب لطهران. فالخوف الأكبر هو من استهداف منشآت النفط والطاقة، ما سيؤدي إلى ارتفاع جنوني في الأسعار، في مقابل تهديدات إيرانية بأنه في حال استهدفت منشآتها النفطية لن تسمح لأي دولة بتعويض نقص الإنتاج.


فرصة للمفاوضات؟

هذا الواقع، دفع دول عديدة إلى الدخول على خطّ تجديد المفاوضات. والبحث عن إمكانية الوصول إلى صيغة لوقف إطلاق النار في كل المنطقة. تهتم الولايات المتحدة الأميركية وإدارة جو بايدن بهذا المسعى على الرغم من دعمها لإسرائيل. في المقابل، دخلت دول عربية وأوروبية على خطّ التفاوض أيضاً.

وتأتي جولة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي الخليجية، في السياق نفسه، وذلك للبحث مع دول الخليج في إمكانية لعب دور أساسي لوقف التصعيد. في هذا السياق تكشف مصادر ديبلوماسية غربية عن وجود مسار سياسي وديبلوماسي عربي، إيراني، أميركي للبحث في وقف إطلاق النار في كل الجبهات. ومن يقوم بهذه المبادرات هو عدد من الدول بينها دول خليجية ودول أوروبية، وهي محاولات مستمرة للوصول إلى تقاطعات بين الأميركيين والإيرانيين. تتحرك قنوات كثيرة، من سلطنة عمان، إلى دولة قطر، وسويسرا وغيرهم في سبيل منع حرب إقليمية. هناك اهتمام خليجي أساسي في تجنّب اندلاع حرب إيرانية إسرائيلية لما سيكون لذلك من انعكاسات كبرى على الأوضاع الأمنية والعسكرية والاقتصادية في كل الخليج.


حسابات إسرائيل وأميركا

ليست إسرائيل شريكة في هذه المفاوضات، بينما تحاول أن تفرض أقصى درجات الشروط، والتي تصل إلى حدود مطالبة إيران بالاستسلام والتخلّي عن كل أوراق قوتها في المنطقة. وهو ما ترفضه طهران التي تعتبر أنها لا تزال تمتلك الكثير من أوراق القوة.

المسار التفاوضي والذي تؤيده واشنطن، غايته الوصول إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، لكن طهران لا يمكنها إعطاء هذا الاتفاق لإدارة بايدن طالما أنها إدارة مغادرة. كما أن إسرائيل ترفض ذلك قطعياً، وسط الرهان الإسرائيلي الكبير على فوز دونالد ترامب، الذي توجه إلى نتنياهو بمفصلين كلاميين، الأول أن يواصل الحرب حتى الانتصار وإنهائها قبل وصوله إلى البيت الأبيض، والثاني قوله إن ضرب النووي الإيراني قد تأخر.

تشمل هذه المفاوضات جهات متعددة، بما فيها البحث في أمكانية ترتيب تفاهم بين حركة حماس والسلطة الفلسطينية حول إدارة الوضع في قطاع غزة، والاتفاق على تشكيل لجنة لإدارة القطاع بعد الحرب، تسمى بلجنة الإسناد المجتمعي، وتتبع للسلطة الفلسطينية، ومهمتها إدارة المعابر وملفات الصحة والغذاء والإيواء والتنمية والتعليم، من دون وضوح في كيفية الإدارة السياسية والأمنية والعسكرية. لكن حركة حماس ترفض هذا الطرح على ما يبدو، وتطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية ما بين الضفة والقطاع. وهذا كله في مقابل إصرار الإسرائيليين على مشروعهم في إعلان شمال غزة منطقة عسكرية، وفي ظل إصرارهم على استمرارهم بالسيطرة الأمنية والعسكرية في القطاع.


توازنات سياسية جديدة

لبنان ليس بعيداً عن المفاوضات أيضاً، وسط مساع واضحة وخصوصاً من قبل الأميركيين ودول عربية تسعى إلى وقف إطلاق النار، وفصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، والعودة إلى تطبيق القرارات الدولية. وما هو مطروح في لبنان وقف الحرب، انسحاب حزب الله من جنوب نهر الليطاني وإضعاف قوته العسكرية، مقابل انتاج تسوية سياسية متوازنة. وهو ما عبّرت عنه الخارجية الأميركية بـ"تخلّص اللبنانيين من قبضة الحزب". وذلك يعني إعادة انتاج توازنات سياسية جديدة في لبنان. هذه الرؤية لا تقتصر على لبنان، بل إنها المحاولات الأميركية نفسها على مستوى المنطقة كلها، وخصوصاً في سوريا والعراق.

في موازاة هذه المفاوضات التي لا تشارك فيها إسرائيل حتى الآن، هناك إصرار إسرائيلي على مواصلة العمليات العسكرية حتى تبلغ منتهاها، أو حتى تحقيق أهدافها، وفق ما يقول رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. أهدافها بالنسبة إليه هي إضعاف حزب الله والتخلص من سلاحه ولا سيما الثقيل والأساسي، وبعدها إعادة تركيب توازنات المنطقة والوصول إلى إضعاف إيران ومنعها من امتلاك قنبلة نووية، من دون إغفال احتمالات السعي لإحداث تغيير سياسي في إيران على مستوى النظام أو على مستوى التوجهات.


المسار العسكري

في مقابل المسار التفاوضي، فإن المسار العسكري مستمر. وعلى ما يبدو، سيكون طويلاً، بالنظر إلى الاستراتيجية الإسرائيلية والمواقف المعلنة، وطالما أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتخذ قراراً واضحاً بوقف دعم إسرائيل. لا بل أكثر من ذلك، لا تزال إسرائيل تراهن على الدعم الأميركي والموقف المتكرر لدى كل المؤسسات الأميركية، حول الالتزام بحماية إسرائيل والدفاع عنها وحقها بالدفاع عن نفسها.

وهذا يعني تأجيل البحث بأي حلّ سياسي، وإطلاق يد إسرائيل في المنطقة، لا سيما بعدما قالت الخارجية الأميركية إن عرض وقف إطلاق النار وفصل لبنان عن غزة قد تجاوزه الزمن. ما يعني مواصلة إسرائيل لعمليتها العسكرية غير المعروفة الحدود، وسط تهديدات وتحذيرات للسكان بضرورة مغادرة الجنوب إلى شمال نهر الأولي. ما يعني الوصول إلى صيدا. كما تبقى المخاوف من احتمال تنفيذ عمليات وإنزالات في بيروت وضواحيها.

المسار العسكري الإسرائيلي المستمر، لا يمكنه أن يتغير إلا بحصول تغييرات عسكرية في الميدان وتكبيد تل أبيب خسائر كبيرة.


عصر جديد!

في المواقف السياسية والديبلوماسية، هناك تكرار لمواقف إسرائيلية ومن دول أخرى حول ضرورة تطبيق القرار 1559. وهو ما يعني إجهاض كل محاولات التسوية في هذه المرحلة، وإعطاء المزيد من الوقت للعملية العسكرية، خصوصاً أن في ذهن الإسرائيليين طموح بضرب حزب الله وإضعافه، كما فعلت إسرائيل في قطاع غزة مع حركة حماس، والهدف هو إيران. بمعنى أنه عندما تلجأ تل أبيب إلى ضرب إيران أو تطويقها أو تقويض نفوذها، لا يكون حزب الله قادراً على المواجهة لمساندة طهران والدفاع عنها. علماً أنه لا يزال يمتلك الكثير من الصواريخ البالستية التي لم يحدد بعد موعد استخدامها.

في الذهنية الإسرائيلية أيضاً، حول تغيير وجه المنطقة، إحداث الانكسار العسكري في لبنان والانتقال إلى تغيير وقائع سياسية في سوريا، وهو ما تتولاه دول عديدة في التفاوض مع دمشق. أما بخصوص العراق، فالرهان الإسرائيلي هو أنه بعد إحداث التغيير في إيران أو إضعافها فإن ذلك سينعكس على العراق تلقائياً. في كل هذه المطامع الإسرائيلية رهان أساسي على دونالد ترامب.

كل الوقائع تشير إلى أن المسارين العسكري والديبلوماسي سيستمران من دون تحقيق نتائج حاسمة من الآن وحتى موعد الانتخابات الأميركية. ففي اليوم الذي تتم فيه معرفة من هو الرئيس الأميركي، يمكن استنتاج الوجهة التي ستسلكها الأمور، في حال فازت كامالا هاريس هناك من يعتبر أنها ستكون أكثر صرامة تجاه نتنياهو، ولن يعود قادراً على التحرك بأريحية. قد تفرض عليه وقف الحرب وتتجه إلى اتفاق مع طهران. أما في حال فاز دونالد ترامب فإن حرب نتنياهو ستستمر إلى حين استلامه، وما بعد دخوله البيت الأبيضـ يفترض العمل على صيغة شاملة للحلّ، وفق ما كان يسعى إليه ترامب في المنطقة خلال ولايته السابقة، أي تغيير كل الموازين والتوازنات وإعادة انتاج عصر جديد، وهو دمج المنطقة بإسرائيل.

تعليقات: