مياه الحاصباني كما أصبحت

حاصبيا :

سجل منسوب نبع الحاصباني أدنى مستوى له منذ حوالى ربع قرن. تحول المجرى الى ما يشبه جدولاً صغيراً، لا تزيد المسافة التي يسيرها في الأراضي اللبنانية عن ثلاثة كيلومترات من أصل ثلاثين كيلومتراً. ينعكس شح النبع سلباً على مختلف القطاعات الإنتاجية لا سيما القطاع الزراعي، فضلا عن النقص الحاد في مياه الشفة التي تفتقدها بلدة حاصبيا. يعود السبب،ووفق، أحد القيّمين على مشروع ضخ مياه الشفة من النهر، إلى العوامل المناخية التي تضرب المنطقة، وقلّة الأمطار والثلوج المتساقطة في حوضه وعند الجبال والتلال المحيطة به ومنها مرتفعات جبل الشيخ. وتدنّت كمية مياه النهر إلى ثلاثمئة متر مكعب في الساعة من أصل ٤١٠٠ متر مكعب سابقاً، وهي الأدنى منذ ربع قرن.

ومع انخفاض منسوب الحاصباني، تبدو الزراعات المحيطة بحوض الحاصباني إلى تراجع، فريّ الحقول والبساتين في هذه الفترة لا يتمّ الا عبر التوافق بين المزارعين الذين وضعوا جدولاً يومياً للري أو بالأحرى »تقنيناً«، يتيح لكل منهم ريّ مزروعاته مرة كل أسبوع أو كل عشرة أيام. وفي الكثير من الحالات يضطر كل مزارع إلى قضاء ساعات طويلة من الليل لري القليل من أشجاره، كما يشير رشيد زويهد، مذكرا بدراسة كانت قد أعدت في مطلع الستينيات حول إقامة سدّ لتجميع مياه الحاصباني في منطقة سوق الخان ـ الفريديس، لري منطقة واسعة في المحيط، مرت السنون، لكن المشروع توقف بسبب استهدافه باعتداءات إسرائيلية. يلفت زويهد الى لجوء المزارع الى تبديل زراعاته كل فترة، فمن التفاح انتقل الى الليمون وبسبب شحّ المياه يزرع اليوم الخرمة والرمان، لكنه وبسبب قلة المياه ربما ينتقل الى زراعة الصبير الذي لا يحتاج الى مياه.

من جهته، يشدّد المختار امين زويهد على ضرورة توسيع مجرى النهر، وترميم السدود الستة الصغيرة وأقنية الري المرتبطة بها والتى تغذي البساتين، لا سيما ان هذه السدود قديمة العهد وتعود الى اكثر من حوالى نصف قرن.

ويبدو اليباس جلياً على أشجار الزيتون التي يبس عشرون في المئة منها بحسب الشيخ مهدي سعسوع، لافتاً إلى ضرورة ريّها عبر صهاريج المياه. وهي كلفة لا قدرة للمزارع على تكبدها، علما أن ثمن صهريج المياه يتجاوز الخمسة وعشرين ألف ليرة، وهو يروي خمسين غرسة فقط، وتحتاج النصوب إلى الري كل عشرين يوماً.

ويشير سعسوع إلى أن ضرر شح المياه يطال العديد من المعامل والمصانع الصغيرة، حيث تشتغل عشرة معامل لحجارة الباطون والبلاط والقساطل والعبّارات يعمل فيها حوالى مئة عامل. وفي بساتين الحوض وعند أطرافه يركز خمسون نحالاً ما يقارب الثلاثة آلاف قفير، إضافة الى اربعة مزارع صغيرة للأبقار، ومزرعة دواجن يشير أصحابها إلى تخوّفهم من خسارة مواسمهم مع حاجتهم الملحة للمياه والمتفاقمة يوما بعد يوم.

امام هذا الواقع لجأ اهالي قرية الماري، وبإشراف من البلدية، الى حل مؤقت وسريع لإنقاذ قسم من المواسم الصيفية خاصة الخيار والبندورة والبصل، عبر شق قناة ري وسط مجرى الحاصباني لتجميع بعض مسارب المياه، وجرها بالجاذبية لري بعض الحقول، كما يروي رئيس البلدية غازي قيس. ويؤكد قيس أن »كل مزارع دفع خمسين الف ليرة اجرة حفر للجرافة وأكملت البلدية الباقي، وهذه الخطوة امنت ري بعض الحقول لمدة أسبوعين تمكن خلالها المزارعون من جني نصف الموسم تقريبا«.

في حاصبيا، كان شحّ المياه سببا رئيسا لرفض الاهالي مشروع مجلس الإنماء والأعمار القاضي بسحب مياه النهر لصالح قرى محيطة، على حد تعبير رئيس بلدية حاصبيا كامل ابو غيدا، الذي يأمل في البحث عن مصادر مياه جديدة لسد العجز »خاصة اننا نعيش فوق تجمع مياه كبير يتغذى من جبل الشيخ«.

يذكر ان حوض الحاصباني كان قديماً غابة مكتظة بشجر الحور، ومصدراً رئيسيا لتزويد مختلف قرى الجنوب والجبل والبقاع، بالخشب. وقد لجأ مزارعو المنطقة الى زراعة الأشجار المثمرة خاصة التفاح والذرة والليمون، ليصل إنتاج التفاح الى حوالي مئة وخمسين الف صندوق سنوياً، كما يقول المزارع جميل الحمرا. تراجعت مواسم الأشجار المثمرة مع تعرض المنطقة للاعتداءات الإسرائيلية المتلاحقة التي أدت إلى أضرار فادحة بالبساتين، بحيث تقلصت المساحة المزروعة بالتفاح من حوالى ٨٠٠ دونم الى ٥٠ دونماً، كذلك توقفت زراعة الذرة لتحل مكانها زراعة الخضار على أنواعها، ولكن هذه الزراعة تراجعت بدورها بسبب غلاء اليد العاملة وكلفة الإنتاج والمضاربة الخارجية.