نصّب شبان من المنطقة أنفسهم مكان الدولة وأجهزتها الرسمية (علي علّوش)
على نفس العامود في أحد شوارع الضاحية يُربط السارقين الذين يتم القبض عليهم في منازل الضاحية وتحديداً في المناطق التي تعرضت للقصف، ففي محيط كل مبنى قُصف بشكل مباشر هناك مجموعة أبنية تخلّعت أبوابها، وبات الدخول إليها سهلاً لا يحتاج إلا لقرار جريء من مجرم حقير. وقد نصّب شبان من المنطقة أنفسهم مكان الدولة وأجهزتها الرسمية وبدأوا بإجراء محاكمات ميدانية. قد يكون صحيحاً أن الوضع الذي يمر به لبنان استثنائي، في خضمّ حرب وعدوان إسرائيلي أفرغ الضاحية من أهلها، إنما، رغم كل شيء، لا يمكن أن يكون الأمن الذاتي حلاً. فلا يمكن أن يتحول المواطن الى خفير وشرطي وقاض وجلّاد. وبحال كان لا يوجد من خيار آخر لدى المواطنين سوى هذا الطريق، فليُسلم الموقوف الى الأجهزة الأمنية، والإبتعاد عن مشاهد التشهير والربط والجرّ، والتي لا تقدّم سوى صورة بشعة عن إنسانية باتت مفقودة في لبنان، ففي حال غابت الإنسانية والقوانين المرعية الإجراء، ستتحول الدولة إلى مزرعة، تستمر لما بعد الحرب أيضاً.
مجموعة شبان تتولى الأمن
في الضاحية لا وجود لأمن، رسمي وحزبي، فالمناطق متروكة، وبعضها القريب من أطراف الضاحية، أصبح بحماية شبان وضعوا أنفسهم بخدمة أهالي الضاحية دون تفويض ولا طلب، يقول أحد هؤلاء الشبان في حديث لـ"المدن"، مشيراً إلى أن الشبان الذين لا يزالون يسكنون منازلهم وأحيائهم على أطراف الضاحية، وينتقلون من حي الى آخر بحال اقتربت الغارات، يعتبرون أنفسهم مسؤولين تجاه أهلهم ومجتمعهم، لذلك أخذوا على عاتقهم المخاطرة من أجل ضبط كل السارقين.
يتحدث الشاب عن دوريات ونوبات حراسة يقومون بها، ويقول: "للأسف لا يمكننا تغطية مساحات واسعة ومناطق كثيرة، فالخطر كبير والعدد قليل، لذلك نتولى مهمة حفظ المنازل في مناطق معينة، وما نقوم به هو التدخل عند الاشتباه بأشخاص معينين في أبنية متضررة، علماً أن محاولات السرقة يمكن أن تطال كل الأبنية حتى تلك التي لا تزال بكامل عافيتها لأن أحداً لا يتواجد في الأبنية".
بطاريات وجرار غاز ونحاس
"من جنسيات مختلفة نضبط السارقين"، يقول الشاب، مشيراً إلى "وجود لبنانيين ولو كان عددهم قليلاً فالعدد الأكبر للسوريين، وهؤلاء يعملون بشكل منفرد بأغلب الأحيان، ويتطلب من السارق سرقة منزل أكثر من زيارة، إذ لا يستخدم وسائل مثيرة للريبة مثل السيارات أو البيك آب، وعادة ما يُستعمل التوك توك لنقل المسروقات".
يعلم السارقون أن المنازل بغالبيتها خالية من الأموال والمجوهرات، فالكل أخرج ما يمكنه إخراجه من أمور ثمينة، لذلك يكون التركيز على "البطاريات" المستخدمة في أنظمة الطاقة الشمسية، وهي سهلة الفك والنقل والبيع، شاشات تلفاز، وجرّات الغاز. فالجرة اليوم يمكن أن تُباع فارغة بسعر يصل الى 30 و40 دولاراً، وهذا ما يعمد السارقون إلى سرقته من المنازل بشكل أساسي، بالإضافة الى سرقة كابلات الكهرباء من الأبنية المتضررة لبيعها في سوق النحاس.
تعليق وتشهير فقط
لا يتواصل هؤلاء الشبان مع الدولة وأجهزتها، فعندما يتم ضبط سارق، يتم التحقيق معه للتأكد من كونه سارقاً فقط لا عميلاً مثلاً، ويتم إعادة ما سرقه إلى المنازل المسروقة، ويتم ضربه وجره بالشارع وربطه بالعواميد وتصويره للتشهير به وبفعلته، وعادة ما يتم إطلاقهم بعد ساعات، فالدولة بحسب الشاب لن تدخل إلى الضاحية لتلقي القبض على سارق، وبحال تسلمته فإنها ستُعيد إطلاق سراحه بسبب ازدحام السجون وتوقف القضاء.
هذه المعاناة في الدولة بدأت قبل العدوان الأخير على لبنان، وبحسب مصادر أمنية فإن عملية نقل السجناء من مناطق النزوح إلى سجون أخرى فاقمت الأزمة، واليوم لا يوجد نظارات ولا سجون قادرة على استيعاب الجميع، مع العلم أن الأجهزة تعمل وفق القدرات والأولويات.
يخبر أحد الشباب أنه في إحدى القرى الجنوبية قبل اندلاع هذا العدوان الإسرائيلي الواسع، وكانت هذه البلدة قد تعرضت أطرافها للقصف، حاول أحد الأشخاص سرقة منازل في البلدة، فعاجله الطيران الإسرائيلي بغارة قتلته ودمرت حياً كاملاً، وقد حصل الأمر نفسه في الضاحية، في أحد الأبنية التي تعرضت لصاروخ مسيّرة بعد رصد حركة فيها خلال الليل، فتبين أن احد السارقين كان داخل الشقة.
تعليقات: