عبء النزوح في لبنان.. العائلة تحتاج 66 دولاراً يومياً

كلفة النزوح أكبر من قدرة شريحة كبيرة من العمال على تحمّلها (علي علوش)
كلفة النزوح أكبر من قدرة شريحة كبيرة من العمال على تحمّلها (علي علوش)


إنه الأسبوع الثالث على النزوح الكبير في لبنان، والأسبوع الثالث بلا عمل، بلا أي مورد مالي، ولا نعلم ما الذي ينتظرنا.

بهذه الكلمات عبّر أبو حسن عن معاناته. وقال لـ"المدن" "نعيش وضعاً استثنائياً وصعباً للغاية ولا نعلم ما الذي ينتظرنا". مخاوف أبو حسن متعددة، فمن جهة يعيش القلق من استمرار الهجمات الإسرائيلية، ومن جهة ثانية، يخشى أن يصبح عاجزاً عن تأمين لقمة العيش، خاصة وأن مدخراته شارفت على الانتهاء.

انتقل أبو حسن وأخوته وعائلاتهم من البقاع إلى الشمال، يعيش في بيت متواضع لا يحتوي على الكثير من الأدوات أو الأثاث، فقدَ عمله بسبب النزوح، ولا يعلم كيف يمكن تدبير أبسط متطلبات العيش. وكما حال أبو حسن، ثمة مئات الآلاف من النازحين فقدوا مداخيلهم مع ترك قراهم والنزوح من تحت القصف الإسرائيلي إلى أماكن آمنة نسبياً.


ظروف صعبة

يعاني العدد الأكبر من النازحين من ظروف معيشية صعبة، منهم موظفو قطاع خاص ومعلّمون ومنهم من يعمل بشكل يومي، أو بمعنى أدق "المياومين"، الذين لا يمتلكون أي دخل شهري ثابت. ويمثل أبو حسن نموذجاً لهذه الفئة. فهو كان عاملاً في مجال الزراعة منذ أكثر من 30 عاماً.

بعد مرور 10 أيام تقريباً على النزوح، قلّص أبو حسن المصاريف اليومية بنحو 50 في المئة، واكتفى بتناول صنف واحد من الطعام طوال اليوم، لأن مدخراته شارفت على الانتهاء.

وفيما واجهت عائلة علي عبد الله التي نزحت من جنوب لبنان إلى منطقة الدورة، صعوبة في الإنفاق. فقد انتقل مع 8 من أفراد عائلته وأقاربه إلى بيت متواضع، لا يحتوي على أثاث يذكر. اضطر مع عائلته لشراء بعض الاحتياجات الخاصة بطهي الطعام، مثل صحون وملاعق، بحسب عدد أفراد الأسرة أي 8 أكواب، و8 صحون. يقول لـ"المدن": لم يكن يحتوي البيت على أي أثاث، اضطررنا لشراء بعض الأساسيات، مثل فرش، أغطية، وسادات. ويضيف: هذه الاحتياجات الأساسية تبدو غير كافية مع استمرار الحرب واقتراب فصل الشتاء، إذ لابد من شراء بعض الثياب أو الأغطية الصوفية.

أنفق عبد الله نحو 300 دولار تقريباً، لشراء بعض الأثاث المنزلي. ولفت إلى أنه خلال الأسابيع الأولى من النزوح، أنفق ما يقارب من 900 دولار، موزعة ما بين إيجار للمنزل -تشارك وأقاربه في تقاسم أعباء الإيجار- وشراء المازوت للتدفئة، واحتياجات غذائية، ناهيك عن شراء الأثاث.

قبل النزوح، لم تكن عائلة عبدالله تتكبد أكثر من 300 دولار فقط، فيما اليوم دخلت العائلة في دائرة المجهول.


معاناة مختلفة

أصحاب المهن الصغيرة والحرة كالنجارين، الحدادين، سائقي الأجرة، ليست النماذج الوحيدة في دائرة العوز، إذ أن فئة من موظفي الحكومة على سبيل المثال، أو المتعاقدين والمعلمين يعانون أيضاً. وقد نزحت نوال داوود من منطقة دير الزهراني في جنوب لبنان، إلى منزل أقاربها في الضاحية الجنوبية، ومن ثم إلى جبل لبنان، قبل أن تتمكن من الحصول على منزل صغير في إحدى قرى المتن الجنوبي. تعمل داوود في إحدى المختبرات الطبية في منطقة صيدا، فيما زوجها متقاعد من السلك العسكري. يعيش كلاهما مع أبنائهم الثلاثة في ظروف صعبة، خاصة وأن رواتبهما لا تكفي أصلاً لتأمين المتطلبات الأساسية للطعام.

تقول داوود: بعيداً عن مصاريف استئجار منزل، وتأمين الكهرباء، والمتطلبات الأساسية للنزوح، أعتمد على تقنين المصاريف الخاصة بالطعام، والاستغناء عن الكثير من السلع". تسعى داوود للتخفيف من الإنفاق بحيث لا يتعدى أكثر من 7 دولارات يومياً، لشراء خبز وبعض الأساسيات، مثل البطاطا، العدس، وغيرها من الأطعمة التي يمكن تناولها على مدار اليوم".

وبحسب داوود، فإن عائلات أخرى تسكن بجوارها، لا تنفق أكثر من 3 دولارات في اليوم، لشراء خبز، وبيض فقط، وهم على هذه الحالة منذ أكثر من أسبوعين.


أزمة حقيقية

في المقابل، نزحت بتول حيدر وهي معلمة في إحدى المدارس الخاصة في البقاع إلى منطقة عرمون. تعيش وأولادها الصغار ومن ضمنهم رضيع في ظروف صعبة، فيما زوجها فقد عمله بسبب إقفال محله التجاري.

تدفع حيدر ما يقارب من 700 دولار بدل إيجار منزل بسيط، ونفقات شهرية تتخطى 150 دولاراً بين كهرباء وماء، كما يتوجب عليها شراء حليب وحفاضات الأطفال بسعر لا يقل عن 50 دولاراً أسبوعياً، ما يقارب من 200 دولار شهرياً، ناهيك عن مصاريف الطعام. تقول حيدر لـ "المدن": لا يحتوي البيت على الكثير من الأثاث، واضطررنا في الأيام الأولى من العدوان الإسرائيلي، للعودة إلى منزلنا لأخذ بعض الأدوات الأساسية لمساعدتنا على تحمل تحديات النزوح.


أرقام تتكلم

قبل الحرب الإسرائيلية وتأثيراتها الإنسانية والاقتصادية، لم يكن راتب اللبناني يصل في أفضل الأحوال لأكثر من 600 أو 700 دولار، ومن يصل راتبه إلى ما يقارب 1000 دولار يعد من بين مقبولي المداخيل، وكانت الحكومة قد سبق ورفعت الحد الأدنى للأجور من 150 إلى 400 دولار، لكن هذا الرقم تتلاشى قيمته مع ما تحتاجه أسرة نازحة.

وبالأرقام، تحتاج عائلة نازحة مكونة من 4 أفراد، إلى ما يقارب من 2000 دولار شهرياً كمعدل عام لمواجهة تأثيرات النزوح، مقسمة على الشكل التالي: تتراوح قيمة إيجار المنازل ما بين 800 و1200 دولار في حال أرادت العائلة الحصول على منزل بمفردها، أما في حال تقاسمت المنزل مع عائلات أخرى، فإنه في المتوسط، عليها تسديد ما يقارب 400 دولار إلى 600 دولار. يضاف إليها تسديد فواتير الخدمات، مثل الماء والكهرباء والمازوت للتدفئة، بمعدل لا يقل عن 200 دولار.

فيما تحتاج العائلة ما لا يقل عن 400 إلى 500 دولار للإنفاق على بند الطعام، بمعدل يتراوح ما بين 13 إلى 15 دولاراً يومياً من دون احتساب وجود أطفال رضع، يحتاجون إلى حليب ومستلزمات طبية.

وبالمحصلة تحتاج العائلة إلى نحو 66 دولاراً يومياً لتسديد نفقات النزوح شاملة المأوى ومستلزماته، إضافة إلى السلع الغذائية.

تعتبر هذه التكلفة بالنسبة لشريحة كبيرة من النازحين معضلة حقيقية، في ظل فقدان أي مورد مالي ثابت، وإمكانية أن يصبحوا أسرى العوز، بعد انتهاء مدخراتهم المالية في حال طالت الحرب الإسرائيلية ضد لبنان.

تعليقات: