سنية اختنقت يوم غادرت حولا

لم يساورهم الخوف للحظة واحدة، رغم الغارات والقصف وهدير الطائرات (مواقع تواصل)
لم يساورهم الخوف للحظة واحدة، رغم الغارات والقصف وهدير الطائرات (مواقع تواصل)


زينب ومحمود يعقوب، شقيقان يتقاسمان حلو الحياة ومرها، لا يزالان وحيدين موجودين على أرض حولا. لم تتمكّن قوات حفظ السلام الدولية "اليونيفيل" من العثور عليهما، ولا حتى بتتبع أثر الماشية في المزرب القريب من منزلهما، الذي أرشدت بلدية حولا دورية اليونيفيل النيبالية إليه، بغية اصطحابهما إلى خارج المنطقة.


خرجوا بحماية اليونيفيل

بالمقابل، نجحت دورية من قوات اليونيفيل (الكتيبة النيبالية)، بالتنسيق مع الجيش اللبناني والبلدية، بإخراج ثلاثة مواطنين، كانوا محاصرين في البلدة، منذ أكثر من عام، جراء الغارات وعمليات القصف الإسرائيلية العشوائية على مختلف الأحياء.

خرجت سنيه قطيش من حولا، في سيارة إسعاف لقوات اليونيفيل، مع ابني بلدتها، خيرالله يعقوب وحسين عبدالله، مصطحبة معها غصتها، وهي التي لم تعتد ترك حولا، في أصعب وأحلك الاعتداءات، ومنها عدوان تموز 2006.

كانت سنيه الخمسينية، التي فقدت والديها، وتعيش وحيدة منذ فترة، تؤمّن متطلبات الحياة الكريمة، من خلال دكانها الصغير، على مقربة من مخفر قوى الأمن الداخلي. أبت مغادرة حولا، رغم ضراوة الاعتداءات على بلدتها، التي دفعت عشرات الشهداء، ودمر فيها مئات البيوت والمنازل والمؤسسات التجارية، منذ بداية الحرب الحالية.

"اختنقت"، قالت سنيه قطيش بغصّة، وهي تصف رحلة الخروج من حولا. كانت المسافة التي قطعتها من بلدتها إلى مقر الكتيبة الفرنسية في بلدة برج قلاويه، الأطول في حياتها، رغم أنها تحتاج لأقل من نصف ساعة. تقول لـ"المدن": "صمدت في حولا، التي أؤمن بالعودة إليها قريباً، وكنت صاحبة الدكان الأخير، الذي يؤمن احتياجات من بقي في البلدة وعناصر الجيش اللبناني. وخلال الفترة الأخيرة، لاسيما بعد توسع العدوان الإسرائيلي، كان لدي ما يكفي من مونة بيتية وخبز. لم يساورني الخوف للحظة واحدة، رغم الغارات والقصف وهدير الطائرات.

وتضيف قطيش: "حضرت دورية من اليونيفيل، مؤلفة من ملالة وسيارتي جيب وسيارة إسعاف. اصطحبوني من المنزل برفقة خيرالله يعقوب وحسين عبدالله، اللذين كانا صامدين مثلي أيضاً".

اكتفاء ذاتي يكفي للصمود

المسافة بين بيتي خيرالله يعقوب وسنيه قطيش، لا تزيد عن مئتي متر. وكان كلاهما يستأنس بالآخر. يتبادلان أطراف الحديث وحاجياتهما ولا سيما الحليب، الذي كان متوافراً بوفرة عند يعقوب، يزود به حارسة حولا سنيه قطيش. وكان خيرالله، 56 عاماً، غير مقتنع بترك حولا لحظة واحدة. لكن مع تفاقم العدوان، وإقناعه بذلك، وافق على الخروج برعاية قوات اليونيفيل، ليلتحق بأقاربه في بيروت.

رغم الاعتداءات اليومية المتكررة على قريته حولا، وجرحه في فخذه الذي لم يبرأ منه بعد، جراء الإصابة التي تعرض لها من القصف الإسرائيلي، لم يرغب بترك بلدته. عن ظروف البقاء وحيداً في حولا، وكيفية تدبر أموره المعيشية، بعدما خلت البلدة نهائياً من السكان يلفت يعقوب إلى أنه كان يملك 15 رأساً من الأبقار. نفق منها، 8 رؤوس على دفعتين، بسبب القصف، ولم يبق لديه سوى 7 رؤوس. كانت تسرح وحدها منذ حزيران الماضي، ثم تعود إلى حظيرتها. ولديه 30 دجاجة، يعتاش من بيضها ولحمها. إضافة إلى الحليب، الذي كان يزود به جارته سنية.

ومثله كمثل جارته، كانت رحلة خروج يعقوب من بلدته شاقة ومتعبة جسدياً ونفسياً. لكنه مقتنع أن الأرزاق مهما بلغت، فهي لا تعادل الروح. يصف الرحلة التي بدأت حوالي الساعة الخامسة والنصف عصراً بالقول : "نقلنا من حولا، إلى مقر الكتيبة الفرنسية العاملة ضمن اليونيفيل، حيث بتنا ليلتنا. وفي صباح اليوم التالي نقلنا إلى مستشفى تبنين الحكومي، ومنه إلى بيوت أقرباء لنا".


تأمين خروج آخر شخصين

لا يزال في حولا شخصان وهما محمود يعقوب وشقيقته زينب، لا أثر لهما. يتواصل رئيس بلدية حولا شكيب قطيش مع قوات اليونيفيل لتأمين خروجهما. فهو يتابع أوضاع بلدته عن كثب، وعمل بالتنسيق مع الجيش اللبناني واليونيفيل، على تأمين خروج الأشخاص الثلاثة الذين كانوا محاصرين ومنقطعين عن العالم الخارجي.

ويؤكد قطيش أن دورية نيبالية، توجهت إلى حولا، وتحديداً إلى منزل محمود وزينب يعقوب، لكنها لم تعثر على أثر لهما في المنزل. ولم تجد قطيع الماشية بجوار المنزل. لكن اليونيفيل أبدت استعدادها بمعاودة الكرة والذهاب إلى حولا لإنقاذهما، لحظة توفر معلومات عن المكان الذي يمكن أن يتواجدا فيه.


تعليقات: