موظفو مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية لم يتقاضوا أي زيادات على رواتبهم
يصعب تصور حياة موظفين في هيئة حكومية، لا يتقاضون رواتبهم الشهرية لمدة زمنية طويلة، وسط أزمة اقتصادية ثقيلة، وعدوان إسرائيلي كاسر. لكن في الواقع فإن المئات من موظفي مصلحة الأبحاث العلميّة الزراعية في لبنان على هذا الحال منذ أشهر، يعملون من دون مقابل، لا رواتب، ولا أي بدلات مالية أو مساعدات إجتماعية تساعدهم على تأمين مستلزمات العيش.
تعتبر مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية واحدة من أهم المؤسسات الحكومية في لبنان، ليس لكونها تتعلق بالأبحاث العلمية الزراعية فحسب، بل أيضاً لأنها الجهة المنوطة بمراقبة سلامة الغذاء، وبالتالي عملها يتعلق بالأمن الغذائي للمواطنين. فكيف يمكن أن يُحرم المئات من موظفيها من رواتبهم الشهرية؟
قانون مغيب
بحسب المراسيم المرعية الإجراء، تعتبر المصلحة، هيئة حكومية، تعمل تحت إشراف وزير الزراعة، تقوم بإجراء البحوث العلمية والتطبيقية الأساسية لتطوير والنهوض بالقطاع الزراعي في لبنان، بالإضافة إلى أبحاث مشتركة مع أغلب الجامعات المحلية والدولية، كما يطلب منها القيام بأبحاث ودراسات لوزارات عديدة، من ضمنها الصحة، والاقتصاد. ورغم دورها هذا، يعيش موظفوها في فقر مدقع، والسبب عدم تسلمهم رواتبهم المتأخرة منذ أكثر من 10 أشهر، لأسباب غير واضحة بالنسبة إلى الموظفين. فكيف يمكن لموظف مواجهة الأعباء المعيشية وظروف الحرب الحالية، وهو لا يتقاضى أي أجر؟
وبحسب مصادر "المدن" فإن موظفي المصلحة، من جميع الفئات، استشاريين، تقنيين، عمال، لم يتقاضوا رواتبهم المتواضعة أصلاً منذ أشهر، من دون توضيح الأسباب من قبل وزارة الزراعة والإكتفاء بالإدعاء بأن أخطاء وعراقيل ترتبط بجداول الرواتب، ما يُلحق بهذه الفئة من الموظفين الحكوميين غبناً كبيراً مقارنة مع باقي موظفي القطاع العام، في وقت يضطر فيه الموظفون إلى مزاولة عملهم بما يشبه "السخرة".
الأسباب مجهولة
يعمل ما لا يقل عن 500 موظف من جميع الفئات، وموزعين على 13 محطة وعدد من المراكز والمختبرات بعقود وقوانين مخالفة، وبعيدة عن ما يصدر من مجلس الوزراء.
ففي حين أقرت سلسلة الرتب والرواتب الجديدة بعد الأزمة المالية عام 2019، أن يتقاضى موظفو الحكومة 9 أضعاف رواتبهم الأساسية، استثني من دون سبب واضح، موظفي المصلحة، وتم إعطائهم 3 رواتب بدلاً من 9 رواتب. وعلى سبيل المثال، يتقاضى الاستشاري أو موظف من الفئة الأولى 9 ملايين ليرة، وهو ما لا يساوي أكثر من 100 دولار، فيما كان راتبه قبل سنوات يناهز 2000 دولار تقريباً، كذلك لم يتقاضوا أي عائد مادي تطبيقاً للمراسيم التي أقرتها الحكومة والتي تتعلق بـ "المثابرة" و"الإنتاجية"، وهي جزء من الحوافز التي يحصل عليها أي موظف حكومي، وكأن هناك من يريد تدمير هذه الفئة من الموظفين والعمال، على الرغم من أهمية العمل الذي يقومون به.
أين المشكلة؟
علمت "المدن" من مصادرها الخاصة، بأن المشكلة متشعبة في اتجاهات عديدة، جزء منها يتعلق بقضايا فساد، وبيروقراطية. إذ أن رفع جداول الرواتب من المصلحة إلى وزارة الزراعة يستلزم الحصول على العديد من التواقيع الرسمية، ومن ثم يحال الملف إلى وزارة المالية ويعود إلى الزراعة لتطبيقه. ما يحصل أنه ورغم توقيع الملف لطالما تم رفضه على اعتبار أن الجدول غير مستوف للشروط القانونية، أو لوجود أخطاء في الجداول، فيعاد مجدداً، ويتم إعداد جدول جديد والدخول في جولة مكوكية داخل الوزارات والمؤسسات الحكومية، وهكذا دواليك منذ 10 أشهر.
وفيما لفتت المصادر إلى أن السبب وراء أزمة الرواتب يتعلق بوجود مشاكل أو توترات ما بين رئيس المصلحة ووزير الزراعة، وبالتالي لا يتم صرف الرواتب الضئيلة"، فيما تنتشر روايات أخرى، إلى أن هناك من يسعى لعرقلة حصول الموظفين على رواتبهم لأسباب تتعلق بأهواء بعض الشخصيات النافذة.
ويشير مصدر في وزارة الزراعة، وهي الجهة المنوطة بتأمين الأموال لتسديد الرواتب، إلى أن المشكلة ليست من داخل الوزارة، ولا يوجد أي عائق بيروقراطي أو مادي من شأنه أن يؤثر على آلية الرواتب، وبالتالي فإن المشكلة وفق المصدر لا تتعلق بوزارة الزراعة.
بعيداً عن الأسباب الكامنة وراء أزمة الرواتب، فإن المشكلة تتعلق بوجود فئة من اللبنانيين وتحديداً الموظفين، يمارسون عملهم اليومي، من دون مقابل مادي.
كيف يعيش الموظف؟
وبحسب المصادر، يعيش الموظفون وضعاً صعباً جداً، خاصة وأن جزءاً كبيراً منهم لا يملك أي دخل آخر، وهم مسؤولون عن عائلات بأكملها، أضف إلى ذلك، وفق المصادر، فإن بدل النقل والبنزين يتم اقتراضها من الأقارب والأهل، حتى يتمكن الموظف من الوصول لعمله. فمنذ شهر آب الماضي توقفت المصلحة عن تسديد بدل البنزين المخصّصة للموظفين، فيما لم يتقاض الموظفون بدل نقليات منذ شهر أيلول. وبحسب المصدر، زاد الوضع صعوبة، مع بدء الحرب، إذ أن الكثير من الموظفين لم يتمكنوا على سبيل المثال النزوح أو الإنتقال من مكان إلى أخر، نظراً لغياب السيولة المالية لاستئجار منزل، أو حتى لشراء مواد غذائية أو سلع أساسية، وهو ما يجعلهم يعيشون كابوساً مزدوجاً.
ويقول أحد العاملين "لم أتقاض راتبي منذ أكثر من 9 أشهر، ورغم ذلك، يطلب مني الحضور للعمل تحت طائلة الصرف، وزاد الوضع صعوبة، مع بداية الحرب، واستحالة الهروب من مناطق الإستهداف. ورغم ذلك، لا يزال الموظفون يعملون في المراكز والمختبرات، على اعتبار أن عملهم هذا، يتعلق بالأمن الغذائي للمواطن، وبالتالي فإن غياب الموظفين، لن يعرضهم فقط للصرف التعسفي وحسب، بل أيضاً، يضر بالأمن الغذائي لعموم المواطنين.
تعليقات: