تعوّدنا في لبنان، لزمن طويل، على المناورات الإسرائيلية. لكنّ الدرس الأهم تعلّمناه من حرب غزة. فعندما يصرخ جيش العدو وجعاً، لا يعني ذلك أن المؤسسة السياسية في إسرائيل تبرّر له التوقف عن القتال. وبالتأكيد فإن قيادة سياسية على شاكلة بنيامين نتنياهو، لن تستمع إلى تقديرات المؤسسة العسكرية إلا في حال طلبها مزيداً من الوقت للقتال. وهذا ما يجعل قيادة المقاومة في لبنان تتعامل مع الكلام الذي تضجّ به إسرائيل منذ يومين حول مآل الحرب مع لبنان، على أنه سيناريو من قسمين:
الأول، إن جيش الاحتلال بدأ يعاني من ضربات المقاومة التي تصيب جنوده دون المستوطنين، وهو أمر لا ينكره أي مسؤول في دولة الاحتلال، إذ تصر المقاومة على ضرب الجيش وأجهزته اللوجستية والأمنية، وتتفادى - حتى الآن - ضرب الأحياء التي تعجّ بالمستوطنين، مع اعتماد سياسة الهلع الدائم الذي تتكفّل به صفارات الإنذار وأصوات الصواريخ الاعتراضية.
الثاني، يتعلق بالمناوشات القائمة داخل الكيان، بين فريق يريد الاستمرار في الحرب إلى ما لا نهاية، والمؤسسة العسكرية التي ترفع الصوت منذ عدة أشهر حول عدم قدرة الجيش على القتال ليلَ نهارَ لسنوات طويلة.
وفي الحالتين، تتصرّف المقاومة على أن العدوان مستمر، وقد يطول لفترة طويلة جداً، ما يفرض على المقاومة إعداد خطط عملانية مختلفة عن كل ما كان قائماً قبل اندلاع الحرب، وبما يخدم الهدف المركزي، المتعلق بجعل جنود العدو يغرقون في دمائهم وليس في وحول لبنان، ومنع العدو من تحقيق أهدافه السياسية، وخصوصاً منع عودة مستوطني الشمال إلا بعد إعلان العدو وقف الحرب بصورة تامة، ومن دون منحه أي مكسب سياسي.
وفي وقت تُظهِر المقاومة قدرة على التكيّف مع الوقائع القاسية التي أصابتها قبل نحو شهر، وبعدما باشرت آلية من العمل العسكري والأمني الذي يحقق نتائج مهمة في الميدان، بدأت حالة النشوة التي سادت كيان العدو تتلاشى مع الأخبار اليومية عن قتلى وجرحى في صفوف الجنود من جهة، وارتفاع أصوات المستوطنين في مناطق تمتد من جنوب حيفا إلى جنوب طبريا وصفد، حيث يواجه نحو مليونين من المستوطنين مشكلة «روتين الحرب» اليومي، وحيث تتعطل كل أشكال الحياة، مع بداية نزوح لقسم ممن أرادوا الابتعاد عن مناخات الحرب وتوجّهوا إلى الوسط والجنوب.
عملياً، دخلت المواجهة على طول الحدود مرحلة جديدة. وثمة تنبّه لدى قيادة المقاومة من احتمال لجوء العدو إلى عمليات عسكرية كبيرة سواء على طول الحدود أو حتى في العمق. وتدرس المقاومة كل الخيارات التي يمكن للعدو أن يلجأ إليها، بما فيها المناورات السياسية التي تهدف إلى الخداع. لكن، من الواضح أن العدو لا يزال يفكر في تحقيق ضربات عسكرية أو أمنية تهدف إلى تحقيق نتائج سياسية. فيما لا يبدو أن هناك في العالم كله من يهتم أصلاً لوقف الحرب على لبنان أو لوقف العدوان على غزة.
تعليقات: