أي مياه يشربها أطفال البقاع؟
»يـؤدي إلـى أمـراض جرثوميـة وسرطانيـة مبكـرة عنـد الأطفـال«...
»في مدارس البقاع الأوسط، أطفال يشربون مع المياه ما يمكن أن يصل إلى ٢٤٠ ملليغراما من النترات في الليتر الواحد، فيما الكمية التي تلحظها منظمة الصحة العالمية لوصف مياه صالحة للاستهلاك من قبل الأطفال يجب ألا تتجاوز العشرة ملليغرام من النترات في الليتر الواحد«.
هذه عينة من أرقام جديدة وخطيرة جداً حول نسب التلوث الجرثومي والكيميائي المستفحل في البقاع الأوسط، بحسب رسالة تخرج لأربع طالبات في كلية الصحة العامة ـ الفرع الرابع (حوراء ابراهيم، أسيل الحاج سليمان، ملاك أحمد، وفاتن سلوم) تحت عنوان »سلامة ونوعية المياه في المدارس الرسمية والخاصة في منطقة البقاع الأوسط«، وقد تم العمل على جمع العينات وتحليلها خلال الأشهر الستة الأخيرة.
وتدل نتائج الفحوصات المخبرية التي أجريت في الكلية إلى وجود تلوث جرثومي وكيميائي في مدارس البقاع الأوسط، الخاصة والرسمية، بما تقارب نسبته ٧٤ في المئة من مجمل عدد المدارس التي شملها البحث المخبري لطالبات كلية الصحة.
ويقول مدير الكلية، الدكتور رائد عز الدين، الذي أشرف على الرسالة إن البحث »شمل ٨٨ مدرسة خاصة ورسمية، للمراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية، مع التركيز على المدارس الابتدائية. وأظهرت النتائج تلوث ٦٥ مدرسة على الشكل التالي: ٢٥ مدرسة تشتمل مياهها على ملوثات كيميائية، ١٢ مدرسة ملوثة جرثومياً، و٢٨ مدرسة في مياهها ملوثات جرثومية وكيميائية في آن معاً«.
وعن مصادر التلوث، قال عز الدين إن »٦٦ من أصل ٨٨ مدرسة تؤمن حاجياتها الاستهلاكية من المياه عبر شبكات مياه الشفة العائدة للدولة اللبنانية، وقد طال التلوث ٢٨ مدرسة من هذه المدارس، كما طال التلوث ١٢ مدرسة من أصل ٢٢ مدرسة تعتمد على الآبار الارتوازية في تأمين حاجياتها من المياه، مما يشير إلى وجود نسبة تلوث أكبر في الآبار الجوفية التي تتسرب إليها مياه الصرف الصحي والنترات والاستخدام العشوائي للأسمدة والأدوية الزراعية«. وطالب عز الدين بمعالجة سريعة لأسباب التلوث، من خلال وقف الاستخدام العشوائي للأسمدة والنترات، ورفع كل مصادر التلوث عن المجاري المائية، بالإضافة إلى الإسراع في إزالة كل العقبات والعراقيل التي تعيق مسيرة وجود محطات لتكرير المياه.
من جهتها أشارت الطالبة حوراء ابراهيم إلى وجود أكثر من ٣٧ ألف شخص في المدارس التي شملتها الفحوصات، من بينهم ٣٤ ألف طالب وطالبة تتراوح أعمارهم ما بين ثلاث سنوات وثماني عشرة سنة. ولفتت ابراهيم إلى وجود »تصرفات غير مقبولة من بعض مدراء المدارس والإدارات«، لجهة غياب الوعي، لا سيما في ما يتعلق بتنظيف خزانات المياه، »وباعتراف بعض الإدارات، هناك ٤٣ مدرسة لا تفحص المياه ولا تنظف الخزانات«. ووفق ما تقول ابراهيم، فإن عدد المدارس التي تركّب »فلاتر«، لا تتعدى العشرين مدرسة، من ضمنها مدارس تستعمل »فلاتر« لا تعرف كيفية عملها وخصائصها، »وهنا خطورة وجود بعض الفلاتر التي تعمل على سحب جميع العناصر المعدنية من المياه، مما يشكل خطراً على صحة الأطفال والأشخاص، بما يفوق مخاطر استهلاك مياه ملوثة«.
ومن خلال أبحاثها وزياراتها إلى المدارس، أكدت الطالبة ملاك أحمد ارتفاع نسبة النتريت في مدارس زحلة بشكل كبير، مما يدل بوضوح على تداخل مياه الشفة مع مياه الصرف الصحي بنسب عالية، بالإضافة إلى سوء حالة الشبكات الناقلة للمياه إلى المدارس، ناهيك عن وجود تلوث بالنــترات في الآبــار الجـوفية.
وبحسب نتائج الفحوصات الكيميائية للمياه، تتراوح نسبة النترات ما بين ١٢ ملغ و٢٣٠ ملغ في الليتر الواحد، مع تركز المدارس الملوثة بالنترات في بلدتي علي النهري ورياق، وهما بلدتان زراعيتان، مما يؤكد الإفراط في استعمال الأسمدة والنترات وعشوائية هذه الممارسات. وأشارت أحمد إلى وجود نسبة نتريت تتراوح ما بين ٠,٤ ملغ، وميللغرام واحد، في الليتر الواحد. علماً بأن الحد الأقصى المسموح به وفق منظمة الصحة العالمية لا يتجاوز ٠,١ في الليتر الواحد.
وأظهرت نتائج الفحوصات الجرثومية تلوث معظم المدارس ومصادر مياهها بالملوثات الجرثومية الآتية من مياه الصرف الصحي، المتداخلة مع شبكات الجر لمياه الشفة. وتلفت فاتن سلوم إلى ارتفاع نسب التلوث الجرثومي، سنة بعد سنة، »وهذا يعود إلى التناقص المستمر في الأمطار الهاطلة، مع ارتفاع كميات مياه الصرف الصحي التي تتداخل أكثر فأكثر مع ما تبقى من شبكات لمياه الشفة«.
وبكثير من الاستهجان، تتحدث أسيل الحاج سليمان عن »الوضع السيئ والخطير صحياً على الأطفال، في ما يعني أماكن شرب المياه، وهي مليئة بالأوساخ و»الخز« (الطحالب)، إضافة إلى وجود رمل في المياه، يتسرب إلى جسم الأطفال«. وتتساءل الحاج سليمان عما يمكن أن تفعله الرمال في أجسام الأطفال الطرية، لافتة إلى أن الرمال فعلت فعلها في نخر الأساسات الباطونية لأماكن وجود الصنابير (الحنفيات). وتطالب الحاج سليمان بإعلان حالة طوارئ صحية، وبتعاون كل الإدارات والأجهزة الرسمية للحد من ارتفاع نسب التلوث ومعالجة أسبابه، حفاظاً على صحة الإنسان والأطفال والبيئة.
يذكر أن نتائج هذه الدراسة ستوزع على إدارات المدارس والأجهزة الرسمية في البقاع من بلديات وسواها. فيما هذا ليس التقرير الأول من نوعه، الذي يظهّر هذا المشهد المائي »المعكّر« في البقاع، إذ سبق لطلاب ـ باحثين آخرين أن دللوا على وجود النترات في أجسام الناس أو في التربة أو في الآبار الجوفية، ووزعت النتائج على الجهات الرسمية لكن شيئاً لم يحدث للتعامل مع المشكلة.
تعليقات: