قبل أيام، كتبت المدعية العامة في جبل لبنان القاضية غادة عون عبر "إكس" ما حرفيته: "بلدنا يتدمر. النازحون الذين فقدوا كل شيء على الطرق بلا مأوى. الضحايا بالمئات. كل يوم يطرق الموت الأبواب ويحصد الضحايا والأبرياء نتيجة القصف الوحشي المدمر من عدو شرس لا يرحم. لكن هذا كله غير مهم، احزروا في هذا الوقت بالذات ما هو هاجس المنظومة، هذه التي أكلت الأخضر واليابس وأموال المودعين: هاجسها الوحيد الآن أن تمنعني من متابعة ملفاتي كي لا أتمكن من إبلاغ المدعى عليهم سواء كان هؤلاء مدراء مصارف أم غيرهم (...)".
هذه التغريدة أتت بعدما استدعى المدعي العام التمييزي جمال الحجار المباشرين في العدلية وألزمهم التوقيع على تعهد بعدم تنفيذ أي إشعار تبليغ صادر عن النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، بعد ادعاء عون على الرئيس التنفيذي لبنك الموارد اللبناني مروان خير الدين ومجلس الإدارة.
هذا الأمر خلق انقساماً بين طرفين. الطرف الأول عبّرت عنه جمعية "أموالنا لنا"، انطلاقاً من معادلة ثابتة لديها وهي ضرورة "الوقوف إلى جانب حقوق المودعين ومساعدتهم على الوصول إلى أموالهم". والطرف الثاني تمثّل بالسلطتين القضائية والسياسية.
قراءاتان متناقضتان
نتيجة لهذا "الاشتباك" ثمة قراءتان. في القراءة الأولى، تتخوف مصادر "أموالنا لنا" من أن "يؤدي هذا التصرف إلى تأخير بت أي دعاوى سبق أن رفعها المودعون أمام النيابة العامة الاستئنافية في جبل لبنان. فماذا يمكن أن يفعل المودعون بعد الآن؟
من المعلوم أن ظروف الحرب ودخول البلاد في نفق غير واضح المعالم أثّر سلباً على الناحية المالية، بحيث لم تخطُ حقوق المودعين أي خطوة ملموسة، وتعلق المصادر: "بماذا تنفعنا الـ400 دولار التي نتقاضاها؟ تكاد لا تكفي لأيام معدودة، ولتأمين أبسط المتطلبات؟! اليوم، يُقضى على أي محاولة جدية للتقدم، ومن اللافت أن تتم العرقلة عبر القضاء ذاته".
في القراءة الثانية، تحرص أوساط مالية على التأكيد أن "ادّعاء عون تناول تهمة تبييض الأموال، وهو جرم يؤذي جداً سمعة لبنان، لا سيما دولياً".
من هنا، ربط البعض بين خطوة القاضية عون وتزامنها مع إدراج لبنان على اللائحة الرمادية، بحيث لا يمكن عزل التوقيت بين المسـألتين.
لا شك في أن لهذا الأمر ارتدادات أكثر من عكسية على تعاطي المصارف الدولية، أي المصارف المراسلة مع المصارف المحلية اللبنانية، لأن من أولى عواقب إدراج لبنان على اللائحة الرمادية فرض مزيد من القيود المالية والمصرفية على تعامل لبنان المالي الدولي. يضاف إلى كل ذلك، أن هذا الإدراج تزامن مع خطوة عون القضائية لتزيد تسليط الضوء على "السمعة السيئة" للبنان المصرفي – المالي، لا سيما أنها ربطت الادّعاء " بتهمة تبييض الأموال".
كل هذه العوامل جعلت البعض يحاول قطع الطريق أمام خطوة عون. من هنا، سارع المدعي العام التمييزي إلى سحب الملفات من يديها!
ترى الأوساط نفسها أن "القاضية عون تمارس استنسابية معينة في بعض الملفات، وعلينا كسلطة لبنانية مسؤولة، أن نعي خطورة المرحلة ودقتها، في توقيت بعض الممارسات التي قد تضر بصورة لبنان، لا سيما أن حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري حرص، طوال هذه الفترة، على إبقاء التعامل بين المصارف المراسلة والمصارف المحلية".
تعليقات: