إصابة مقرّ المكتبة في بلدة دير قانون النهر في جنوب لبنان بأضرار جسيمة جراء غارة إسرائيلية استهدفت محيطها
«ستعود لافندر أحلى مما كانت، ومعها كل الجنوب والبقاع والضاحية، بفضل سواعد الأبطال الذين يرخصون أرواحهم على الجبهات ذوداً عن الوطن والأمة، وسيبقى الكتاب كما كان دوماً في عُرفنا سنداً للبندقية وظهيراً لها». بهذه الكلمات، اختتمت صفحات مكتبة «لافندر» على وسائل التواصل الاجتماعي منشوراً نقلت فيه إلى متابعيها خبر إصابة مقرّ المكتبة في بلدة دير قانون النهر في جنوب لبنان بأضرار جسيمة جراء غارة إسرائيلية استهدفت محيطها، لتدفع المكتبات مجدداً حصتها من اعتداءات الاحتلال الهمجية التي طالت عدداً كبيراً من المكتبات في غزة ودمرت أخيراً المقر الأساسي لـ «دار الرافدين» في ضاحية بيروت الجنوبية.
لعل إطلالة سريعة على مشوار المكتبة القصير بمحطاته الكثيرة، تجعل إصرار صاحبتها زينب قصير على الاستمرار والعودة الأكيدة رغم كل شيء، مفهوماً. في حديثٍ معنا، تقول زينب إنها قرأت في عام 2020 كتاب «الأب الغني، الأب الفقير» للكاتب المتخصص في التنمية البشرية روبرت كيوساكي، وخرجت منه بخلاصة مفادها أنّه ينبغي لها البحث عن فرصتها عبر مشروعها الخاص بدلاً من الاعتماد على الوظيفة. وبشجاعة لافتة، تقدّمت باستقالتها من عملها في التدريس ووضعت رأسمالها الصغير في مشروع خاص لم يكن سوى مكتبة!
وفي الأول من آب (أغسطس) من العام ذاته، افتتحت زينب المكتبة في دير قانون النهر، متحديةً تأكيد كثيرين حولها على أنّ الكتاب لا يطعم خبزاً، واختارت لها اسم «لافندر»، الزهرة التي تتفاءل بها، وجعلت شعار المكتبة «كل شخص قارئ، ولكن البعض لم يجد كتابه المفضّل بعد».
سريعاً، تحولت المكتبة إلى صرح ثقافي استقطب أنشطة متنوعة، من حفلات توقيع الكتب وندوات مناقشتها، إلى معارض الكتب، والمحاضرات والورش التدريبية التي شملت مروحة من المواضيع المختلفة التي تراوحت بين السياسة والتربية وعلم النفس والاجتماع، وافتُتِحَت بندوة للباحث علي مراد حول المنظمات غير الحكومية المموّلة والمحرّكة من الخارج وأهدافها غير المعلنة. الأحداث التي تلت افتتاح المكتبة لجهة الأزمة الاقتصادية وانتشار فيروس كورونا، كما تلك التي حصلت في العام الأخير الفاصل بين انطلاق «طوفان الأقصى» في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 والعدوان الموسّع على لبنان في أيلول (سبتمبر) 2024، لم تستطع كلها وقف أنشطة المكتبة، وفي طليعتها ندوات مناقشة الكتب الدورية التي استمرت بمعدل ندوة كل أسبوعين. وإذا كان بعض هذه الندوات قد خُصِّص لمناقشة الروايات، مثل «دفاتر الوراق» للأردني جلال برجس و«حجر السعادة» للعراقي أزهر جرجيس، و«خبز على طاولة الخال ميلاد» لليبي محمد النعاس، فإنها امتدت لتشمل أيضاً عدداً من كتب التنمية البشرية المرتبطة بالتشجيع على التفكير الإيجابي في أزمنة الأزمات.
في حديثها معنا، تطلق زينب على روّاد المكتبة الدائمين الذين نشأت بينهم علاقة مميزة، اسم «عائلة لافندر»، مؤكدةً أنّ ما استطاع الكتاب فعله فاق توقعاتها، بعدما صار أفراد المجموعة أصدقاء يتبادلون الزيارات الجماعية في المناسبات المختلفة، ويتآزرون في السراء والضراء، ولم يعد اجتماعهم يقتصر على موعد المناقشة الدوري.
تختتم زينب قصير حديثها معنا بالتذكير بما أوردته في منشورها لجهة «عودة هذا الصرح الثقافي أجمل مما كان»، مؤكدةً على أنّ شمل «عائلة لافندر» سيلتئم قريباً في الجنوب ليروي أفرادها لبعضهم حكايات الصبر والنصر.
تعليقات: