المدينة الرياضية: أكبر مركز إيواء.. التنفيذ والأمن على المحك

يضم مركز الإيواء 100 غرفة مستقلة ومطبخ مركزي، وأمكنة للدراسة والترفيه للأطفال (Getty)
يضم مركز الإيواء 100 غرفة مستقلة ومطبخ مركزي، وأمكنة للدراسة والترفيه للأطفال (Getty)


أمس، وفيما كانت تبلغ درجات الحرارة في بيروت، فجراً، 16 درجة، كان أكثر من 50 ألف نازح في مراكز إيواء العاصمة، يخجلون من اعتبار نزوحهم "مأساة"، مقارنة بقرابة 1000 شخص قضوا ليلتهم في "الشارع". هؤلاء النساء والأطفال والرجال، اليوم، موعودون بأسقف تأويهم، بعد إعلان محافظة بيروت عن افتتاح المدينة الرياضية لاستقبال قرابة 1000 نازح كمرحلة أولى، من مشروع "قرية بنين"، الذي يسعى القائمون عليه لاستقبال 10 آلاف نازح، ليشكل هذا الصرح الرياضي أكبر مركز نزوح في لبنان.

بقدر ما أثلج الخبر قلوب النازحين في الشارع، بقدر ما قضّ مضاجع كل نازح في مراكز الإيواء، خشية من أن يكون ضمن أول 1000 نازح يلتحقون بالمشروع المقرر تنفيذه في غضون أيام، فمجازر مستشفى المعمداني ومدرستي الفاخورة وتل الزعتر في غزة، أصابتهم بـ"رهاب" الإنتقال إلى مركز إيواء ضخم يأوي آلاف النازحين، ويكون هدفاً لإسرائيل في حربها على لبنان.


نحو تصفير نزوح الشارع

المشروع شارف على انتهاء المرحلة الأولى منه، ويأتي بالشراكة بين محافظة بيروت و"جمعية بنين"، التي وعد مديرها التنفيذي جاد بيضون بتحويلها لقرية "نموذجية". وربما هذا ما دفع بالمئات من نازحي عكار وبعلبك والشمال عموماً، للاتصال بغرفة إدارة الكوارث في المحافظة، لطلب النزوح إلى "قرية بنين"، وفق ما يكشف المسؤول الإعلامي بغرفة إدارة الكوارث الملازم أول فادي بغدادي لـ"المدن". فما هي طبيعة هذه الشراكة بين المحافظة وجمعية خاصة؟ وهل تبدد مخاوف النازحين من الانتقال للمدينة الرياضية؟ وماذا عن المخاوف من عودة مطامع بلدية الغبيري، بأرض المدينة الرياضية؟

لعل أصعب مهمة لدى غرفة إدارة الأزمات والكوارث في محافظة بيروت، هي "تصفير" حالات النزوح القسري إلى الشوارع والأماكن العامة في بيروت، حفظا لحقهم بإيواء كريم، ولهذا، لم تغب المدينة الرياضية عن بال المحافظة ولجنة الطوارئ الحكومية، منذ اللحظة الأولى للنزوح في 23 أيلول الماضي. إذ يفترش شوارع بيروت اليوم قرابة 800 نازح وفق بغدادي، لم يجدوا مركزاً يأويهم بعدما امتلأت مراكز الإيواء الـ179 بالكامل.

في السياق يقول بغدادي، "منذ بداية النزوح، ارتفعت الأصوات المنادية حيال ضرورة فتح المدينة الرياضية، لقدرتها على استيعاب قرابة 10 آلاف شخص، بينما مراكز الإيواء الأخرى، الكبيرة نسبياً، لا تتجاوز سعتها 1000 شخص، ومن هنا تكمن أهمية المدينة".

وتؤمن غرفة إدارة الكوارث النازحين في الأماكن العامة إلى مراكز إيواء بشكل مستمر، لكن أعداد النازحين في بيروت بتزايد متطرد. يوضح بغدادي "فالمعضلة الأساس التي نواجهها هي أنّه كلما أمّنا انتقال نازحين إلى مأوى، أتى نازحون جدد مكانهم، نتيجة التوسع المستمر للعدوان الاسرائيلي، الذي يجعل سكان المناطق المستهدفة، في حالة نزوح مستمر، ويجعلنا في حاجة لمركز إيواء ضخم يصفّر حالات النزوح في الأماكن العامة، ويضمن كرامة أهلنا".


مخاوف النازحين "أمنية"

وبدأت غرفة الكوارث بإعداد لوائح بأسماء النازحين في المرحلة الأولى، والأولوية كانت للمتواجدين اليوم بلا مأوى في حرش بيروت والكورنيش وأماكن عامة أخرى، لكن مع ذلك، يعيش النازحون في مراكز الإيواء رهاب نقلهم للمدينة الرياضية، إن لم يكن في هذه المرحلة، ففي مراحل لاحقة من المشروع.

وفي السياق، ينفي، بغدادي نقل أي نازح من مراكز النزوح في المرحلة الأولى من المشروع، "فالأولوية لمن هم في الشارع، ويفترشون حرش بيروت وشوارع المدينة، وعددهم اليوم قرابة 800 نازح وهو بازدياد يومي".

ورغم تطمينات وزير الشباب والرياضة جورج كلاس خلال جولة ميدانية في المدينة، إلى أننا "فكرنا في كل شيء" ردا على سؤال حول هواجس النازحين باستهداف اسرائيلي، لكن هواجس هؤلاء لم تتبدد بالكامل، وأكثر النازحين خوفا، من هم في المدارس الخاصة التي تواجه صعوبة في انطلاق عامها الدراسي وتضغط لاسترجاع أملاكها الخاصة.

ويتشارك النازحون في جميع مراكز الإيواء، المخاوف الأمنية نفسها. فكرة إيواء 10 آلاف نازح في مكان واحد تجعلهم يخشون استغلال اسرائيل لها، وارتكاب مجزرة بحق النازحين، وتحويل بيروت إلى غزة ثانية. وقد سرت شائعات بين النازحين بأنه سيتم نقلهم إلى هناك وسط رفض منهم.

عامل آخر يجعل النازحين في بيروت غير متحمسين للانتقال إلى القرية وهو وقوع المدينة الرياضية في منطقة بئر حسن، المتاخمة للضاحية، إلا أن المفارقة هي أن المدينة الرياضية، أو "قرية بنين"، كانت تجذب المئات وربما الآلاف ممن هم في مراكز نزوح خارج المدينة.

في السياق، يكشف بغدادي عن "تلقينا اتصالات بالمئات لنازحين راغبين للانتقال للمدينة الرياضية، من الشمال وبعلبك وعكار وغيرها"، معلقا بالقول "هؤلاء لديهم مأوى، ونحن نريد تأمين المأوى لمن لا مأوى له".

هناك هواجس أمنية أخرى، تتعلق بضمان عدم حصول حوادث ونزاعات فردية، كالتي شهدتها مراكز نزوح عادية، فكيف بقرية تجمع تحت سقفها مع انتهاء المشروع، 10 آلاف شخص؟

في السياق، يطمئن بغدادي إلى أن الأمن على أشده سيكون في قرية بنين، إذ لن يتم الاكتفاء بإحاطتها بعناصر من الجيش وأمن الدولة بل كذلك، سنحمي أمنها في الداخل، عبر عناصر فوج حرس بيروت.


120 ألف دولار للتأسيس

جمعية بنين الخيرية هي منظمة غير ربحية لبنانية، تأسست عام 2013، ولديها سبعة فروع، و"تهدف إلى تقديم الدعم والتمكين والمساعدات الإنسانية للمجتمعات المحرومة في جميع أنحاء لبنان. وقد افتتحت "قرية بنين" في المدينة الرياضية بتوجيهات من رئيس الحكومة ووزير الداخلية وبسعي من المحافظ والمجلس البلدي. من جهتها خلية إدارة الكوارث، أسهمت في تأمين خزانات مياه، وستقدم تباعا فرشا وبطانيات وحرامات للنازحين، كما أنه إلى جانب خلية إدارة الكوارث، ستكون الهيئة العليا للاغاثة داعمة للقرية، كأحد مراكز الإيواء.

كلفة تأسيس البلوك الواحد من أصل 10 بلوكات في قرية بنين يبلغ 120 ألف دولار، وفق ما يكشف جاد بيضون الرئيس التنفيذي لجمعية بنين. وستضم القرية 100 غرفة مستقلة لكل 1000 نازح، ومطبخ مركزي، وأمكنة للدراسة والترفيه للأطفال، ومركزا طبيا.

وعن الوقت الذي يستغرقه البلوك الواحد ليصبح جاهزا لاستقبال الدفعة الأولى من النازحين، يقول بيضون في حديثه لـ"المدن"، "خلال 5 أيام تنتهي أعمال التشييد وخلال قرابة 3 أيام ينتهي تجهيز المخدات والفرش والبطانيات، أي سيتم نقل النازحين للقرية خلال 10 أيام كحد أقصى.

وعن نوعية الشراكة بين "جمعية بنين" ومحافظة بيروت، يوضح بيضون، أن الجمعية أمّنت إلى الآن، التمويل الكامل للمشروع في طوره الأول، وكذلك ستتولى إدارته، بينما تتعاطى لجنة إدارة الكوارث مع القرية كأي مركز إيواء، تساعده بقدر طاقتها.

وعلى صعيد الشفافية في العمل، مع استلام جمعية خاصة إدارة أكبر مركز إيواء في لبنان، فيطمئن بيضون إلى أننا "في المسائل القانونية أدينا واجبنا مع الدولة بالكامل".

أما على صعيد التمويل، فيقول: "عند انتهاء المشروع سنعلن عن كلفته بالكامل، والتبرعات إلى حد الآن تأتي لجمعية بنين من متبرعين يثقون بها أبرزهم Wish foundation وAmidy foundation، ولديهما توأمة مع بنين، موضحا أن "لا جهة من خارج متبرعي بنين شاركت بالتمويل إلى الآن، علما أن النفقات التشغيلية المستدامة توازي النفقات الإنشائية لبناء القرية، فإذا دفعنا 120 الف دولار لبناء أول بلوك من أصل 10 بلوكات في القرية، فسنحتاج المبلغ نفسه لتأمين الطعام والمازوت للكهرباء والأدوية وغيرها، وأملنا بدعم أهل الخير لنا وبأن نكون على قدر المسؤولية.


هواجس من بلدية الغبيري

استحداث "قرية بنين" أثار هواجس من نوع آخر. في السياق، يعبر النائب وضاح الصادق في حديثه لـ"المدن" عن إيجابية استقبال المدينة الرياضية للنازحين، نظرا لقدرتها الاستيعابية، لكنه في الوقت عينه يخشى من مطامع، ليس على مستوى النازحين والمدينة نفسها، إنما على الأراضي التابعة لها.

في السياق، يذكّر بمحاولة بلدية الغبيري، الحصول على 3000 آلاف متر تابعة للمدينة الرياضية، وتمرير توقيع مجلس إدارة المؤسسة العامة للمنشآت المختلف أصلا على شرعيته، على ذلك، قبل أن نتدخل ونسقط المشروع، وفي ظل غياب الدولة نخشى من عودة هذه المطامع، إن من قبل بلدية الغبيري، أو من قبل شخص من آل أمهز يستحوذ على قرابة 7000 متر من أرض تابعة للمدينة الرياضية.

في المحصلة، فإن قرية "بنين" حاجة لاستيعاب أعداد النازحين المتزايدة مع تصاعد العدوان الاسرائيلي، أما الحاجة لحماية النازحين والمدينة الرياضية إن كمدرجات أو كأملاك عامة تابعة لها، فهي أولا وأخيرا مسؤولية الدولة، ومع وجود وزراء رياضة كأمثال الوزير الحالي، الذي وجهت وزارته بالتخلي عن مساحة 3000 متر لبلدية الغبيري، يصبح الخوف على الأملاك العامة مبررا.

تعليقات: