في مواجهة الأزمة الإنسانية التي يشهدها لبنان، ونزوح أكثر من نصف سكانه، وفي إطار خطة الطوارئ التي وضعتها مؤسسة عامل، بالتعاون مع المؤسسات الإنسانية ووزاراي الصحة والشؤون الاجتماعية، ولجنة إدارة الكوارث والمنظمات الدولية، عززت عامل من ركائز استجابتها الميدانية بقيادة 2300 عامل ومتطوع و40 مركزاً والعيادات النقالة، في 200 تجمع ومركز للإيواء حول لبنان.
في هذا الصدد، تقوم عامل بالاستناد بشكل كبير على العيادات النقالة التي بلغ عددها ال24 حالياً، والتي تسعى إلى زيادة عددها وقدرتها قريباً إلى 40 عيادة نقالة. هذه العيادات المرتبطة بمراكز عامل، تؤمن الرعاية الصحية لألفي نازح يشكل يومي سواء عبر الفرق التي تتولى الرعاية المنزلية، أو ضمن مراكز الإيواء والبلديات والتجمعات، بموازاة ما تقوم به عبر مراكزها في مختلف المناطق اللبنانية.
تشكّل هذه العيادات النقالة جزءاً محورياً من نهج المؤسسة منذ ثمانينيات القرن الماضي. وقد تطوّر هذا النهج على مرّ السنوات بفضل خبرتها الواسعة في مجال الطوارئ والحاجة المتزايدة لحلول مرنة تضمن وصول الأفراد إلى حقهم في الصحة والرعاية، أينما كانوا، ومهما كانت الظروف. خلال أقل من شهرين منذ تصاعد حدة الحرب في 23 أيلول الماضي، قدمت هذه العيادات 29182 تدخلاً صحيّاً ضم 170 مركز إيواء ومناطق تجمع النازحين في الجنوب والبقاع وبيروت وجبل لبنان وجبيل.
تشمل برامج هذه العيادات النقالة الرعاية الصحية، الفحوصات الطبية، توفير الأدوية، الدعم النفسي، لقاحات الأطفال، والصحة الإنجابية، بالإضافة إلى جلسات توعية تُصمم بمشاركة المجتمعات المستفيدة لضمان مواءمتها لاحتياجاتهم الفعلية. يولي فريق "عامل" اهتماماً كبيراً باستطلاع آراء الناس حول المواضيع التي تهمهم، تأكيداً لالتزامه بالتفاعل المستمر مع المجتمعات.
ورغم دورها الرئيسي، فإن هذه العيادات ليست الوحيدة ضمن مقاربة عمل "عامل" على الأرض، إذ تعمل فرق أخرى تحت مظلة برامج الحماية، تمكين المرأة، والدعم الإغاثي في مراكز الإيواء ومناطق تجمع النازحين، بهدف توفير استجابة شاملة ومتكاملة. وتخضع العيادات النقالة لعمليات تقييم وتطوير مستمرة لضمان قيامها بدورها على أكمل وجه كجزء أساسي من سلسلة الرعاية الصحية الأولية إلى جانب البرامج المنفذة في مراكز "عامل"، وبإشراف وزارة الصحة العامة.
في ظل هذه الحرب الطاحنة والتحديات المتزايدة، تبقى "عامل" ملتزمة بالوقوف مع الناس، مهما اشتدت الظروف. إن هذا الالتزام ينبع من إيمان عميق بأن كرامة الإنسان هي الأساس الذي تقوم عليه كل الجهود، وأن الرعاية الصحية والاجتماعية ليست مجرد خدمات تُقدم، بل حقوق لا بد من ضمانها للجميع.
وإن أهمية التفكير المرن والابتكار في تسخير كل الموارد والحلول الممكنة للوصول إلى الفئات الأكثر حاجة، تظهر بشكل كبير في حالات الطوارئ. فقد علّمتنا خبرتنا الممتدة لعقود أن الحلول التقليدية وحدها لا تكفي، بل يجب أن يكون هناك تفكير مرن وشجاعة لتبني أساليب جديدة تضمن صون حقوق كل الناس. إن الالتزام مع الناس ليس مجرد شعار، بل هو الممارسة الجوهرية التي تجعل من "عامل" حركة تغيير ونهضة فكربة، لا مؤسسة خدماتية محدودة الفكر والأهداف.
إلا أن هذه الانجازات على أهميتها، إضافة إلى ما تقوم به المؤسسات الإنسانية والوزرات المعنية، ولجنة الطوارئ، والمنظمات الدولية، تبقى متواضعة بالمقارنة مع الحاجات، إذ لا تسد أكثر من 20% من حاجات الناس، حسب تقديرات لجنة الطوارئ الحكومية، خصوصاً مع بدء فصل الشتاء، وبالتالي فإن الحاجة ملحة لوقف سريع لاطلاق النار، وإلى دعم لبنان في المحنة التي يمر بها، من الدول الشقيقة والصديقة والمغتربين، كما كان الحال في عام 2006، ولا تكون المساعدات متواضعة كما هو الواقع الحالي.
تعليقات: