أعطي عمري لأعود تلميذة في مدرسة الأستاذ علي في الخيام

الدردارة بريشة الكاتبة..  وتظهر في الرسم الخيام والكنايات ودكّان أبو علي نعيم
الدردارة بريشة الكاتبة.. وتظهر في الرسم الخيام والكنايات ودكّان أبو علي نعيم


...وتتعاقب الفصول على الخيام، على بيوتها، أرضها، حقولها، تلالها، سهولها، مرجها... فتتغيّر الأحوال والبيوت والسهول ونبع الداردارة!

كم كنت أحبّ هذا النبع وما يحيط به؟

إنّه حنين موجع إليه وإلى دكّان عمّي "أبو علي" ووجهه المبتسم لي! إلى القنا والغدير حيث يحتشد الأولاد على ضفّته الجنوبيّة، يرمون بأنفسهم لأحضان المياه ويتعالى الصراخ ممزوجاُ بالضحكات، يسبحون قليلاً ثم يطلعون من الماء ليعودوا إليها! كان الغدير صغيراً لا يتّسع للجميع. كنت أراقب وأفرح بخرير المياه وحفيف أوراق "الكناية" أو شجرة الكينا الضخمة العتيقة التي لم يبقَ أحد إلا وحفر إسمه على جذعها.

لقد تغيّرت الخيام، تغيّر نبع الداردارة، تغيّر الأشخاص، ونحن كبرنا، إنّه العمر الجميل المتلاشي تحت وطأة السنين والأحداث... أين أصبحنا وكيف ؟

أعطي عمري "أو ما تبقّى" لأعود تلميذة في مدرسة" الأستاذ علي"، أحمل كتبي، أذهب كلّ صباح، في أيّام الخريف الجميلة، في أيّام الشتاء القاسية، فوق الثلوج...

آه ما أجملها رغم كل البرد والصقيع!

أعطي عمري لأعود طفلة تقف خلف النافذة في الغرفة الشرقيّة من بيتنا العتيق، تراقب القمر ينبجس من وراء جبل الشيخ! دائرة ضوءٍ واسعة باهرة في الليل الخيامي الساكن، يلقي بنوره على رؤوس أشجار اللوز والجرنك والرمّان ويتخلّلها ليصل إلى نباتات الأرض الصغيرة، وفي سكون الليل تسمع حركة خفيفة في الخارج فتعرف أنّ "الصبيان" يسرقون اللوز أو الجرنك فلا تخاف ولا تخرج اليهم بل تبتسم وتغفو وأنت تهمس "صحّتين على قلوبهم".

لقد مرّت أوقات البعد والتهجير القسري، كنّا شباباً ولم نكن نبالي، إندمجنا في الحياة وسارت بنا الأيّام إلى محطّات كثيرة، منها الجيّد ومنها السيّئ، غير أنّ العمر الزاحف يجبرك على العودة في إتّجاه الحلم، فتتمسّك بذكرياتك وتستعيدها... تشمّ عبق الأرض أينما كنت.

الخيام... الخيام. .

أنّى بعدنا إنك في البال، في القلب، لؤلؤة بيضاء، صفحة حبٍّ تدفئ الأيّام والليالي مع شريط العمر.

* خيامية تُقيم مع عائلتها في مدينة صور

مقالة سابقة للكاتبة

ألبوم لوحات ورسومات الكاتبة

تعليقات: