خلافاً للمتوقع: موجة نزوح جديدة من السوريين تجتاح الحدود باتجاه لبنان

يتحدى مشهد النزوح السوري المترافق مع سقوط النظام، قرارات السلطات اللبنانية (المدن)
يتحدى مشهد النزوح السوري المترافق مع سقوط النظام، قرارات السلطات اللبنانية (المدن)


يتحدى مشهد النزوح السوري المترافق مع سقوط النظام، قرارات السلطات اللبنانية بعدم إستقبال أي نازح جديد على الأراضي اللبنانية. هذا القرار الذي كان قد صدر قبل سقوط النظام في سوريا بتوافق سياسي، لم يعدله أي قرار لاحق، وبالتالي هو الوحيد المعمول به. ومع ذلك لم تنقطع في منطقة المصنع الحدودية محاولات كسره، تحت ذريعة "أننا إستقبلناكم عندما كنتم تحت العدوان، فجاء دوركم الآن لتستقبلونا".

وإنطلاقا من هنا تسود على معبر المصنع الحدودي منذ يوم الإثنين، حالة توتر دفعت بالأمن العام اللبناني إلى تعزيز المعابر بأعداد إضافية من عناصره اليوم الثلثاء، بموازاة العودة إلى التشدد بإجراءاته السابقة لسقوط النظام السوري. جاءت الإجراءات تداركاً لتكرر ما حصل يوم الإثنين من إجتياح لمسرب الدخول عند آخر حاجز تدقيق في أوراق الوافدين يوم الإثنين.


ضغط النازحين

فعلى أثر تسرب الأعداد الكبيرة من النازحين السوريين إلى هذه المنطقة سيراً على الأقدام يوم الإثنين، خضع عناصر الحاجز لضغط الوافدين، الذين نجحوا بتدافعهم في إختراق العارضة الحديدية التي أغلقت بوجههم لمنع تقدمهم بإتجاه الأراضي اللبنانية. إلا أن جزء من هؤلاء فقط تمكنوا من إجتياز العارضة، بينما بقي جزء آخر خلفها، وهو ما دفع بالأمن العام اللبناني، ومنعاً لتشتت العائلات، إلى إصدار قرار مركزي إستثنائي ولمرة واحدة، سمح بموجبه بدخول الجميع إلى الأراضي اللبنانية، ولكن بعد التدقيق بهوياتهم، وإلزامهم بإستكمال الإجراءات الحدودية.

بقي دخول الوافدين متاحاً في المقابل لكل من يحمل جواز سفر أجنبي، أو بطاقة سفر، أو جواز سفر ديبلوماسي، أو لديه إقامة شرعية في لبنان ولكل لبناني طبعاً. ومع أن أغلبية الوافدين لا تنطبق عليهم هذه الشروط، استمروا بالتدفق اليوم الثلثاء بإتجاه الأراضي اللبنانية، كما فعلوا في اليومين الماضيين، وبأعداد كبيرة، ربما فاقت أعدادهم السابقة. فإمتدت السيارات ووسائل النقل التي حضروا بها في خط طويل من أمام البوابة الجديدة المستحدثة على مقربة من مركز الدخول، إلى ما بعد المركز العسكري الذي كان يشغله فيلق من الجيش السوري سابقاً. وعلق المواطنون لساعات طويلة في سياراتهم وعلى قارعة الطرقات. وكانت بينهم أعداد كبيرة أيضاً من اللبنانيين العائدين إلى بيوتهم. تجاوز بعض هؤلاء خط السيارات سيراً على أقدامهم، فعبر من يحمل منهم الهوية اللبنانية فوراً إلى الجهة الثانية من حاجز تمهيدي للأمن العام عزز أيضاً بعناصر من الجيش اللبناني. وأما من عجز في تجاوز الحاجز، فقد إنضم إلى المنتظرين الذين كبرت مجموعاتهم في ساعات النهار، فإفترشوا الأرض مع أترابهم، معولين النفس بقرار إستثنائي ثان يدخلهم الأراضي اللبنانية.


نزوح عائلات شيعية

غير انه ما لفت في اليوم الثاني على موجة النزوح هذه، أن العدد الأكبر من الوافدين إلى لبنان، هم عائلات شيعية قادمة من منطقة السيدة زينب، وهي المحطة التي جمعتهم من مختلف قرى سوريا التي هجروا منها سابقاً كما قالوا. وكان تأكيد من هؤلاء أن ليس لديهم أي وجهة محددة في لبنان. وذكر بعضهم فقط أنهم تلقوا رسائل نصية على هواتفهم تطمئنهم بأن الدخول إلى لبنان متاح أمامهم، من دون أن يحددوا الجهة التي طمأنتهم بذلك.

في المقابل تنوعت الأسباب التي ذكرها هؤلاء لمغادرتهم بلادهم. وقد تحدث بعضهم عن ليلة من الذعر عاشوها نتيجة للغارات الإسرائيلية المكثفة على مناطق تواجدهم. فيما أعرب آخرون عن خشية من تعرضهم لعمليات إنتقامية بعد سقوط نظام بشار الأسد، وتحدث البعض أيضاً عن حالة الحذر الشديد التي فرضها سقوط النظام على المدن والبلدات المعروفة بتأييده، وذكروا أن هناك صعوبة في هذه القرى حتى في الوصول إلى المتاجر وإبتياع الحاجيات، علماً أن الحياة العامة في سوريا معطلة حاليا". ومع أن معظم من عبروا عن هذه الهواجس سيدات لفت حضورهن مع أطفالهن من دون أزواجهن، غير أنه بين المنتظرين كان أيضاً عدد من الرجال، وذكر بعض هؤلاء أنهم قاتلوا فعلاً إلى جانب حزب الله على الأراضي السورية، ويخشون تعرضهم لعمليات إنتقام سريعة. فسجلوا بعض العتب على الحزب لإنسحابه من الدفاع عنهم هذه المرة ومن دون سابق إنذار، ولكنهم مع ذلك أكدوا أنهم واثقين بإحتضانه لهم في لبنان مثلما فعل مع أصدقاء لهم أو أقرباء.


تشدد الأجهزة الأمنية

بسهولة عبر هؤلاء منطقة جديدة يابوس الحدودية في سوريا. فالمعبر الحدودي الذي أخلي من عناصره بعد سقوط النظام، تحول إلى نقطة عبور شبه فالتة. وهو ما أبقى هذه الحدود مشرعة، وخالية حتى من الفصائل التي أسقطت النظام، بل بضعة أفراد منهم فقط يكتفون بالتلويح للعابرين من دون أن يتوجهوا إليهم بأي سؤال كما أكد الكثيرون. وهذا ما وضع الأجهزة الأمنية اللبنانية تحت ضغط مسؤولية أكبر ملقاة على عاتقهم في حماية الأراضي اللبنانية ومنع تسرب العناصر المشبوهة بين العائلات. وقد بدا حزمها من خلال التشدد في مراقبة مسارب التهريب أيضاً، ولكن من دون أن تعترض من استخدموها في العبور باتجاه سوريا. وأما تدفق هؤلاء سواء عبر المعابر الشرعية أو غير الشرعية، فقد بقي محدوداً، ولا يعكس حتى الآن حجم الإرتياح الذي عبر عنه معارضو النظام لسقوطه.

تعليقات: