وزير المال محمّد شطح
ينبئنا وزير المال محمّد شطح، كمن يزفّ بشرى سارّة، أنّ موازنة عام 2009 «تتّسم بالشفافية»، فـ«لا إخفاء للأمور في الموازنة أو في تعاطي وزارة المال مع المشكلات الماليّة والاقتصاديّة التي يواجهها لبنان». والواقع أنّ النقص في الشفافية ليس أخطر ما نعاني منه. نحن نعاني من زيادة في الشفافية، وفي الإكثار من إطلاع المواطنين على كيف (لا) تتعاطى وزارة المال مع المشكلات الماليّة والاقتصاديّة. المشكلة في مكان آخر. المشكلة في شفافية ارتفاع معدّلات الاستغلال بشكل لا يخفى على أحد، وفي شفافية نهب المال العام بشكل لا يخفى على أحد، وفي اتباع سياسات متحيّزة طبقياً بشكل لا يخفى على أحد، وفي شفافية تسخير مقدّرات البلاد لتسديد فوائد الدين العام بشكل لا يخفى على أحد، وفي شفافية خرق القوانين الذي لا يخفى على أحد، وفي شفافية الاتّباع الأعمى لوصفات دولية تلائم بعض الطبقات الرأسمالية في هذه البلاد، وفي شفافية التعامي عن متغيّرات اقتصاديّة في العالم حين لا تلائم بعض الطبقات الرأسمالية في البلاد...
الواقع أنّ النقص في الشفافية ليس أخطر ما نعاني منه. نحن نعاني من فائض في الشفافية. نحن نعاني من شفافية تواطؤ الأطراف السياسية جمعاء على الاستمرار في هذه السياسات الاقتصادية المدمّرة. نحن نعاني من شفافية استخدام الأمور المعيشية في البازار السياسي والابتعاد عنها حين يقفل هذا البازار. نحن نعاني من شفافية تقاسم الجبنة بين زعماء الطوائف من دون أن يرفّ لهم جفن. نحن نعاني من شفافية استخدام أموال الدولة لتثبيت سلطة محتكري الزعامة ومحتكري الطوائف.
الواقع أنّ النقص في الشفافية ليس أخطر ما نعاني منه. نحن نعاني من مشكلة مختلفة. فأمام هذا الفائض من الشفافية، لا يريد أحد أن يعترض. الكلّ مسلّم بنصيبه، ما دام زعيم الطائفة راضياً، وما دام الراشي راضياً، وما دام «أبو الفقير» راضياً، وما دام «طال عمره» راضياً.
وحدها المجتمعات الحديثة بحاجة إلى أساليب مقنّعة للنهب المنظّم. أمّا في مجتمعنا اللبناني، فالنهب شفّاف وما أحلاه. فليستعدّ فؤاد السنيورة لولاية ثالثة.
تعليقات: