مي حسين عبدالله
شهدت منطقة الشرق الأوسط زلزالًا سياسيًا وعسكريًا غير مسبوق، أعاد رسم خارطة القوى والتحالفات الإقليمية، وترك المقاومة الإسلامية في لبنان، بقيادة حزب الله، في مواجهة تحديات وجودية غير معهودة.
هذه التحديات، المتشابكة بين عوامل داخلية وخارجية، طرحت تساؤلات جوهرية حول مستقبل المقاومة وقدرتها على الصمود في وجه مشروع قد يكون هدفه النهائي هو القضاء عليها بشكل كامل.
طوفان الأقصى: الزخم الذي تلاشى سريعًا
عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية كانت حدثًا استثنائيًا ألهب الشارع العربي والإسلامي، وأعاد الزخم للقضية الفلسطينية كقضية مركزية. لكن هذا الزخم قوبل برد إسرائيلي عنيف وممنهج، أدى إلى تدمير شامل في غزة والضفة الغربية، إلى جانب حملة إبادة للبنية التحتية والمجتمع الفلسطيني في القطاع.
هذا الواقع انعكس بشكل مباشر على المقاومة اللبنانية، التي وجدت نفسها في موقع حرج. نجاح العملية في بدايتها أعطى دفعة معنوية كبيرة، إلا أن الرد الإسرائيلي كان بمنزلة تحذير لكل القوى المناهضة له، مما جعل حزب الله يتعرض لضغوط مباشرة وتحديات غير مسبوقة.
ضربات موجعة: الاغتيالات وسقوط الحلفاء
تعرض حزب الله لزلزال داخلي بعد اغتيال أمينه العام وعدد من قادته البارزين في الصف الأول. هذه الضربات النوعية لم تستهدف فقط القيادة، بل سعت إلى شلّ قدرات الحزب وإرباك صفوفه في وقت حساس.
في سياق إقليمي أكثر تعقيدًا، جاء سقوط النظام السوري ليشكّل ضربة قاصمة لمحور المقاومة. النظام السوري كان الحليف الإقليمي الأهم للمقاومة اللبنانية، إذ وفر خطوط الإمداد والدعم اللوجستي، إلى جانب الغطاء السياسي. سقوطه بيد قوى تُصرح بأن تهديدها الأول هو إيران وحزب الله، وليس إسرائيل، يعزز عزلة المقاومة ويقطع الشريان الحيوي الذي يربطها بإيران.
العوامل الداخلية: بين مزارع شبعا ومشروعية السلاح
في الداخل اللبناني، تبرز قضية مزارع شبعا كعنصر محوري في النقاش حول شرعية المقاومة. تصريحات زعيم الدروز وليد جنبلاط بأن مزارع شبعا "سورية وليست لبنانية" جاءت كضربة مباشرة لأساس الخطاب المقاوم، الذي يعتمد على شعار تحرير الأرض كسبب رئيسي لاحتفاظ حزب الله بسلاحه. إذا تم قبول هذا الموقف رسميًا، فإن إسرائيل لن تكون في حالة احتلال لأي أراضٍ لبنانية معترف بها دوليًا، مما يُفقد المقاومة شرعية دورها كقوة تحررية. (طبعا بعد انسحاب اسرائيل من كامل القرى الحدودية بحسب اتفاق وقف النار)
الأمر لا يتوقف عند مسألة التحرير، بل يمتد ليشمل عامل الردع الذي طالما شكّل أحد ركائز شرعية السلاح. تصدح أصوات داخلية متزايدة تتساءل عن جدوى هذا السلاح إذا لم يكن قادرًا على ردع العدوان الإسرائيلي، لا سيما في ظل تكرار الغارات الإسرائيلية على مواقع داخل لبنان وسوريا ووقوع خسائر هائلة بالارواح والابنية دون مواجهة حاسمة. هذه الأصوات تعتبر أن استمرار الاحتفاظ بالسلاح يفقد معناه إذا لم يكن هناك نجاح ملموس في تحقيق الردع أو التحرير.
إلى جانب ذلك، يُضاف هذا الجدل إلى أزمة اقتصادية خانقة تعصف بالبلاد، حيث باتت المقاومة تُحمَّل مسؤولية جزء من هذه الأزمة نتيجة دورها في السياسة الداخلية وتأثيرها على علاقات لبنان الدولية. في ظل الانهيار المالي والاقتصادي، ارتفعت معدلات الفقر والبطالة بشكل غير مسبوق، مما أدى إلى تغيرات في المزاج الشعبي، حيث بدأت قطاعات واسعة ترى أن الأولوية يجب أن تُعطى لإصلاح الوضع الداخلي بدلاً من استمرار الانخراط في الصراعات الإقليمية.
كل هذه العوامل تجعل المقاومة أمام تحدٍ غير مسبوق يتمثل في الحفاظ على شرعيتها كقوة تحررية ورادعة، مع مواجهة ضغوط متزايدة تُهدد وجودها السياسي والشعبي في الداخل اللبناني.
تحولات التحالفات الإقليمية والدولية
إيران، الداعم الرئيسي للمقاومة اللبنانية، تعاني من ضغوط هائلة نتيجة العقوبات الاقتصادية، والانقسامات الداخلية التي تفاقمت بعد وفاة الرئيس إبراهيم رئيسي في ظروف غامضة. هذا الواقع يدفع تيارات داخل النظام الإيراني إلى المطالبة بإعادة ترتيب الأولويات، والتركيز على الشأن الداخلي بدل الالتزامات الخارجية.
روسيا: وهي الحليف المشغول بحساباته الخاصة. ظلت العلاقة بين روسيا وإيران تكتيكية أكثر من كونها استراتيجية. انشغال روسيا بالحرب في أوكرانيا أدى إلى تقليص قدرتها على دعم حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط. علاوة على ذلك، تحاول روسيا الحفاظ على توازن مع إسرائيل لتأمين مصالحها الإقليمية، مما يقلل من دعمها المباشر للمقاومة.
إسرائيل والولايات المتحدة:
إسرائيل، بدعم أمريكي كامل، تسعى لاستغلال هذه التحولات لإضعاف حزب الله عبر استهدافه عسكريًا وسياسيًا. كما أن التحالفات العربية-الإسرائيلية الجديدة توفر غطاءً إقليميًا لمحاولات تحجيم المقاومة، في ظل تبدل أولويات بعض الدول العربية التي أصبحت ترى في إيران وحزب الله تهديدًا أكبر من إسرائيل.
المقاومة أمام مفترق طرق وعدة سيناريوهات للمستقبل:
المقاومة الإسلامية في لبنان تواجه اليوم خيارات مصيرية ستحدد مستقبلها. في ظل الظروف الراهنة قد تسعى المقاومة للحفاظ على وجودها عبر تقليل الاعتماد على خطوط الإمداد التقليدية وتعزيز الحضور الشعبي.
أو أنها قد تضطر إلى تقليص دورها العسكري والانخراط أكثر في السياسة اللبنانية لتجنب مزيد من الضغوط. و قد تدفع الظروف المتصاعدة المقاومة إلى خيار المواجهة العسكرية الشاملة مع إسرائيل، رغم تكاليفه الباهظة، على أمل تحقيق مكاسب تُعيد الزخم الشعبي والإقليمي.
معركة في أصعب مراحلها:
بين الضغوط الداخلية والتحولات الإقليمية، تجد المقاومة نفسها في مواجهة مشروع قد يكون هدفه الإجهاز عليها نهائيًا. ورغم ذلك، أثبت حزب الله على مر تاريخه قدرة فريدة على الصمود والتكيف.
مصير المقاومة لن تحدده خطط الخصوم فقط، بل أيضًا قدرتها على تجديد قيادتها، وإعادة صياغة أولوياتها، والحفاظ على دعم شعبي يعيد لها الزخم كرمز للمقاومة في وجه التحولات العاصفة. المشهد الحالي هو الأكثر حساسية وتعقيدًا، لكنه ليس نهاية المعركة.
مي حسين عبدالله
- دبلوم في الشؤون الدولية الدبلوماسية (الأكاديمية السورية الدولية)(٢٠٢٠)
- دبلوم دراسات عليا في الإرشاد التربوي (الجامعة اللبنانية)(٢٠٠٧)
مواضيع ذات صلة:
المجلس الثقافي للبنان الجنوبي يكرم شعراء راحلين في مرجعيون
الدكتورة مي عبدالله توقّع كتابها "البحث في علوم الاعلام والاتصال"
مي العبدالله عضو في مجلس ادارة شبكة اليونسكو الدولية للاتصال orbicom
الشاعر الخيامي عبد الحسين العبدالله.. شاعر النقمة الساخرة
افتتاح الملتقى الثامن لـ الرابطة العربية للبحث العلمي وعلوم الاتصال
تحية إلى الشاعر عبد الحسين العبدالله
مركز«الضاد» منح الدكتورة مي العبدالله درعاً لتألقها في مجال البحث العلمي
مي حسين عبدالله
تعليقات: