سوق برج البراجنة يحتكر نشاط ما بعد الحرب في الضاحية!


خلال أسبوع واحد بعد انتهاء الحرب، انقلب سوق برج البراجنة رأساً على عقب، من شوارع ساكنة ومحال تجارية مقفلة إلى زحمة خانقة منذ ساعات الصباح الأولى حتى ساعة متأخرة من الليل. صحيح أنّ لا جديد في زحمة «عين السكة»، لكنّ سرعة تخطي الحرب واستمرار حركة البيع النشطة إلى ما بعد مدة الأعياد كانا مفاجئين، مقارنة بغيره من الأسواق، في حارة حريك والجاموس وأوتوستراد السيد هادي نصر الله، والمناطق التي نالت نصيباً وافراً من الضرر ولا تزال تلملم جراحها. صحيح أن قصف العدو لم يوفّر برج البراجنة، ولكنه بقي بعيداً عن السوق، فلم تتعرّض المحال التجارية سوى لأضرار بسيطة أمكن إصلاحها في اليوم الأول لوقف إطلاق النار.

يتحدّث رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور عن «حركة اقتصادية هائلة في سوق البرج تُلمس بوضوح في الازدحام الخانق. لذلك، ندرس مع اتحاد بلديات الضاحية وضع خطة سير خصوصاً على خط عين السكة التجاري».

يُعزى النشاط الاقتصادي للسوق إلى نحو 30 ألف نازح من القرى الحدودية يقيمون في المنطقة

أسباب عدة وراء «الطفرة» الحالية. إذ إن السوق الشعبي يخدم أساساً بين 350 و400 ألف من السكان «الأصليين» وأبناء مخيم برج البراجنة الفلسطيني المتاخم والنازحين السوريين. وأُضيف إلى هؤلاء حوالى 30 ألف نازح من القرى الجنوبية الحدودية وممّن تضررت منازلهم في مناطق أخرى من الضاحية.

صحوة سوق «عين السكة» تأتي بعد شهرين من إقفال فرضته الحرب وأشهر من التعثر، «فمنذ عملية اغتيال القائد فؤاد شكر في حارة حريك في 30 تموز الماضي، تراجعت المبيعات واقتصرت على الحاجات الأساسية والملحّة. اليوم، الوضع أفضل بكثير»، وفقاً لعلي حيدر، وهو صاحب محلّ ألبسة نسائية، مشيراً إلى أنّه «بعد الحرب، لم يتخلَّ عدد من التجار عن المحال والمستودعات التي استأجروها في مناطق آمنة خارج برج البراجنة، لا سيّما في بيروت، تحسّباً لعودة الحرب».

نشاط السوق لا يرتبط بعيدي الميلاد ورأس السنة، «فالناس هنا لا يتعاملون مع هذين العيدين كعيدي الفطر والأضحى»، وفقاً لرئيس لجنة تجار برج البراجنة منير رضا، إضافة إلى أن كثيرين في حالة حداد، «ولهذا السبب يكثر الطلب على الملابس السوداء التي تشكّل 10% من المبيعات»، بحسب حيدر، إضافة إلى الحاجيات الأساسية بدل تلك التي تضررت في الحرب، والملابس والأحذية الشتوية، ذلك «أنّنا متأخّرون شهرين عن الموسم الشتوي، والناس لم يشتروا كلّ حاجاتهم من المناطق التي نزحوا إليها»، كما يقول رضا، مشيراً إلى أن عودة سوق برج البراجنة حفّزت التجار على التحضير لمهرجان تسوّق «استثنائي». علماً أن بلدية برج البراجنة ولجنة تجار المنطقة تقيم «شهر التسوق السنوي» في شباط من كل عام، و«يكون له صدى واسعٌ في تنشيط الدورة الاقتصادية وزيادة المبيعات»، وفقاً لمنصور الذي يشير إلى «احتمال تأخير شهر التسوق هذا العام ليمتدّ إلى عيد الفطر في أواخر آذار».

يبدأ سوق برج البراجنة المعروف بسوق «عين السكة» من آخر نقطة في حارة حريك، أي محطة الخليل، ويمرّ بشارع عبد الناصر المعروف بشارع العنان، ليصل إلى ساحة «عين السكة»، نزولاً باتجاه مستشفى الرسول الأعظم في طريق المطار، وما يشمله هذا الطريق الرئيسي من تفرّعات ومحال موزعة في الأزقة، «ليبلغ طوله 2 كلم، ويضمّ نحو 300 محل تجاري»، بحسب رئيس بلدية برج البراجنة عاطف منصور.

ويشرح منصور أن «عين السكة» استمدّت تسميتها من «عين المياه التي كانت موجودة في الساحة، وهي عبارة عن بئر عربي قديم كانت تمرّ به الدواب والعربات لتحمل المياه في طريقها (في السكّة) إلى المنطقة الزراعية في الشويفات والحدث وتلك المعروفة اليوم بمنطقة المطار». ويضيف أن تاريخ سوق برج البراجنة «يعود إلى حقبة اللجوء الفلسطيني عام 1948 وإنشاء مخيم للاجئين على أطرافه، فتحول الشارع إلى سوق تجاري مع كثرة المحال التي وجدت لتغطي حاجة الأعداد الكبيرة من السكان، على خلفية الاجتياح الإسرائيلي وموجات النزوح من الجنوب إلى المنطقة».


السّوريون لم يغادروا

يحتلّ النازحون السّوريون حيّزاً مهمّاً من سوق برج البراجنة، تجّاراً وأصحاب مصالح ومستهلكين، ويقدّر التجار مساهمتهم في المبيعات «بنسبة 30 إلى 40%، وتصل إلى حدود 60% خلال عيدي الفطر والأضحى». وفيما كان متوقعاً أن ينعكس سقوط النظام السوري على هذا الحضور في برج البراجنة، يجمع التجار أنّ شيئاً لم يتغيّر، «فلا أصحاب المصالح السوريون أقفلوا محالهم وغادروا إلى بلدهم، ولا تراجعت مساهمة العائلات السورية في اقتصاد هذا السوق»، كما يقول رئيس بلدية البرج عاطف منصور.


معالم السوق تتغيّر

تغيرت في السنوات الأخيرة معالم سوق برج البراجنة مع تبدّل هويات المحال فيه. فبعدما كان الناس يحفظون خريطة البرج وأسماء محالها، يُفاجؤون بافتتاح محال جديدة باستمرار سرعان ما تقفل أبوابها وتسلّم المفاتيح لآخرين. ويعيد رئيس بلدية برج البراجنة المحامي عاطف منصور ذلك إلى عقود الإيجار الجديدة المعتمدة بعد صدور القانون الرقم 159 عام 2014 الذي ينصّ على التعاقد الحرّ، إذ «يؤجّر أصحاب المحال ملكهم بموجب عقود تمتد إلى ثلاث سنوات، مثلاً ثم يطلبون زيادة لا تتناسب مع قدرة المستأجر الذي يضطر إلى الإخلاء».

تعليقات: